بلال ابن رباح
كنيته أبو عبد لكريم ..
وقيل : أبو عبد الله
وقيل أبو عمرو
أمه .. حمامة .. من مُوَلَّدى مكة لبنى جُمَح
وقيل من مولدى السَّراة
....
وهو مولى أبى بكر الصديق
كان آدم شديد الأدمة نحيفاً طولاً أجنأ
أجنى ( يميل أعلى ظهره على صدره)
ضعيف العارضين . له شعر كثير شمط ( يخالط بياض رأسه سواد)
له أخ اسمه خالد
له أخت اسمها غُفيرة وهى مولاة عمر بن عبد الله
مات ولم يعقب .
حضر جميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها بدر .
بلال بن رباح
ذلك العبد الرقيق .. الأسمر الشديد السمرة .. النحيف الطوال الذى يميل أعلى ظهره على صدره (الأجنأ) والذى لم تكن له قبيلة أو أحد يدفع عنه أذى الطغاة وقسوة جبروتهم ..
يبدو أنه كان له من أسمه الذى اختاره الله تعالى له على لسان أبويه النصيب الموفور .
إن كلمة بلال فى اللغة تعنى الندوة والماء الذى جعل الله منه كل شئ حى . كما تعنى كل ما يبل به الحلق ..
كما تعنى الخير والرزق وجريان اللسان وفصاحته كما أنها تعنى الشفاء والعافية.. والمباح فيقال : حلُّ وبل
واسم أبيه رباح ! ..
وربح رباحاً فى تجارته .. أى كسب فتجارته رابحه وكأن الله سبحانه وتعالى ميزه بهذا الأسم ليخفف عنه الظمأ الذى تعرض له من قسوة التعذيب ..
ولكى يتاجر مع الله بالجهاد والصبر وقوة العزيمة فتكون تجارته رابحة .
نعم … بلال بن رباح الذى ضرب أروع الأمثلة فى الصمود والتحدى ..
الرجل الذى عاش مجاهداً ومات ولم يعقب ربما ليجعله الله مثلاً فريداً يكون قدوة عامة لكل المؤمنين على مدى الأزمنة فلا يخبو له ذكر … ولا تنقطع له سيرة فى سجل الشهداء.
" ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتاً
بل أحياء عند ربهم يرزقون "
فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين
لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون . آل عمران / 196،170
كان أمية بن خلف يتفنن فى تعذيبه .. بل لعله كان يستعذب تعذيبه ويجد فيسه حلاوة .. ولكن بلال لم يكن ليركع أمام هذا التعذيب الذى خلا من كل رحمة ...
عن مجاهد قال :-
إن أول من أظهر الإسلام سبعة :-
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وبلال ، وصهيب ، وخباب ، وعمار ، وسمية أم عمار ..
فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه عمه ، وأما أبو بكر فمنعه قومه .. وأُخذ الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد ثم صهروهم فى الشمس حتى بلغ الجهد منهم ما بلغ ..
فأعطوهم ما سألوا فجاء إلى كل رجل منهم قومه بأنطاع الأدم فيها الماء فألقوهم فيه وحملوا بجوانبه إلا "بلالاً" ، فإنه هانت عليه نفسه فى الله حتى ملوه وجعلوا فى عنقه حبلاً ثم أمروا صبيانهم أن يشتدوا به بين أخشبى مكة - أى بين جبلى مكة وفى شعابها – فجعل بلال يقول : أحد … أحد …
يا إلهى لقد كان بلال وزارة اعلام حية تطوف على الطبيعة بأنحاء مكة لتعلن عن هذا الدين الجديد الذى جعل هذا العبد المستضعف يتحدى أسياده الطغاة .. ولايوافقهم حتى على مجرد الطعن بكلمة سوء على محمد صلى الله عليه وسلم.
--
وعن عروة بن الزبير ، عن أبيه ، قال :
كان ورقة بن نوفل يمر ببلال وهو يعذب ، وهو يقول : أحد … أحد … فيقول : أحد .. أحد الله يا بلال
فيقول : أحلف بالله عز وجل أن قتلتموه على هذا لأتخذنه حناناً أو لأجعلن قبره موضع حنان أى موضع بركة وخير.
وقال سعيد بن المسيب رضى الله عنه : وذكر بلالاً :
كان بلال شحيحاً على دينه ، وكان يعذب ، فإذا أراد المشركون أن يقاربهم – أى يسايرهم وأن يستميلوه إليهم .
قال : الله ..الله .. فلقى النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضى الله عنه..
فقال : لو كان عندنا شئ لاشترينا بلالا ..
-وكان هذا تلميحاً من النبى بشراء بلال لإنقاذه من التعذيب – فلقى أبو بكر العباس بن عبد المطلب فقال له :
اشتر لى بلالاً ، فانطلق العباس فقال لسيدته :
هل لك أن تبيعينى عبدك هذا قبل أن يفوتك خيره ؟
-أى قبل أن يموت من التعذيب الذى ترينه منصباً عليه-
قالت : وما تصنع به ، إنه خبيث .. وإنه .. وإنه .. ثم لقبها ، فقال لها مثل مقالته ، فاشتراه منها وبعث به إلى أبى بكر رضى الله عنه.
وقيل أن أبا بكر اشتراه وهو مدفون بالحجارة يعذب تحتها قيل بخمس أواقى ، وقيل : بسبع ، وقيل بتسع وأعتقه لله عز وجل
---
وقيل إن أبا بكر مر به يوما وهم يعذبونه فقال لأمية :
ألا تتقى الله عز وجل فى هذا المسكين ؟ حتى متى ؟
قال له أمية : أنت أفسدته فأنقذه عما ترى !
قال أبو بكر : أفعل .. عندى غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيه لك به. قال : قد قبلت قال أبو بكر : هو لك.
فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك ، فأخذ أبو بكر بلالاً
فأعتقه ثم اعتق معه على الإسلام ست رقاب بلال سابعهم
وأنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بلال سابق الحبشة.
وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه
أبو بكر سيدنا … وأعتق سيدنا " بلالاً رضى الله عنه "
لقد كان الصدق فى العقيدة .. والصدق مع الله تعالى والإخلاص فى الجهاد فى سبيله والصدق حتى فى الأمور التى تجرى فى الحياة العادية هو طبيعة خالصة فى بلال رضى الله عنه.
خطب بلال على أخيه امرأة من بنى ( حِسْل ) وقبل " من بنى (ليث)" من قريش ، فقال لأهل الخطيبة :-
" نحن من قد عرفتم ، كنا عبدين فأعتقنا الله ، وكنا ضالين فهدانا الله ، وكنا فقيرين فأغنانا الله … وأنا أخطب على أخى خالد فلانة .. فإن تنكحوه فالحمد لله ، وإن تردوه فالله أكبر .
فأقبل بعضهم على بعض فقالوا :- هو بلال ، وليس مثله يُدْفع فَزَوّجُوا أخاه . فلما انصرفا .. قال خالد لبلال :-
يغفر الله لك ! ألا ذكرت سوابقنا ومشاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ؟! …
قال بلال : مهْ ! صدقت فأنكحك الصدق ..
أليس لنا أن نقارن بين هذه الصورة .. وبين ما يحدث فى أيامنا.. هذا رجل صادق .. لم يعد بحاجة إلى أن يُذَكَرَ بعبوديته التى كانت للناس فى وقت ما فقد أعتقه الله منها
.. ونلحظ فى قوله أنه لم يرجع الفضل فى الاعتاق إلى اليد الظاهرة أمام الناس التى اشترته وأعتقته ..
وليس هذا جحوداً منه لأبى بكر فليس هذا من صفة بلال ولكنه أرجع الفضل فى إعتاقه إلى صاحب الفضل الحقيقى وهو الله سبحانه وتعالى .. وهذه الحقيقة هى حقيقة الإيمان فى قلوب هؤلاء الرجال .. فما يغضب أبا بكر إرجاع هذا الفضل فى كل أمر من الأمور إلى الله تعالى لأنه هو صاحب الفضل العظيم على الرسل والأنبياء وعلى أبى بكر .. وعلى الناس جميعاً .. على المؤمن والكافر على سواء .. لو تأملت القلوب وتدبرت فى هذه الحقيقة .
" الذى خلقنى فهو يهدين . والذى هو يطعمنى ويسقين .
وإذا مرضت فهو يشفين . والذى يميتنى ثم يحين .
والذى أطمع أن يغفر لى خطيئتى يوم الدين "
الشعراء من 78 إلى 83
لماذا فعل بلال ذلك ؟
لأنه امتلأ بالإيمان حتى النخاع .
وأصبح داعية إلى لله تعالى يطابق قوله فعله ..
ويطابق فعله قوله . أو بالأحرى : يطابق علمه عمله ، ويطابق عمله علمه … فهو ليس من الذين يقولون مالا يفعلون فلماذا يخفى عبوديته التى كانت للناس ما دام الله قد أعتقه ولماذا يتحجب على فقره الذى كان مادام الله قد أغناه ؟
ولماذا يتستر على ضلاله السابق ؟ ما دام الله قد هداه أليس فى إخفاء هذه النعم إخفاء لفضل الله تعالى عليه .. هذا ما لم يصل إلى أعماق قلب أخيه فأبدى ما أبدى من اعتراض وكن يرغب لو تغاضى بلال عن هذا الجانب وذكر ما صاروا عليه الآن من سوابق ومشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو لم يرتفع إلى ما ارتفع إليه قلب بلال من صدق وإقرار بنعم الله عليه وإظهارها للناس حتى يزداد المؤمن إيماناً وربما تنقشع الظلمة عن قلب حائر فيهتدى إلى الله تعالى .. ولأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم . كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإذا ما نظرنا إلى ما يصدر عن شبابنا وعن الكثير منا فى هذه الأيام نرى كثيراً من الصور التى يندى لها الجبين من هواية التمثيل القائمة على الغش والخداع …
وما نراه من الإعجاب بمن يغش ومن يخدع .. وبمدى قدرته على ذلك .. الفقير يمثل دور الغنى .. والفاسق يمثل دور التقى ..
وهكذا مما نعرفه ولا نود الخوض فيه .. فالساحة مليئة ورحبه .. والعيون تبصر .. والآذان تسمع … والصحافة تكتب كل يوم عن نماذج جديدة تساير تطور العصر ..
ولو صدقنا كبلال لعادت السكينة إلى القلوب والطمأنينة إلى النفوس .. والإستقرار إلى البيوت .. والإيمان إلى القلوب .. والأخلاق إلى السلوك .. ولطابق الظاهر الباطن !
الحق أقول .. إن صدق بلال فى إيمانه .. فى قوله .. فى فعله .. فى تحمله .. فى صبره .. فى تحديه لأعداء الله الذين حاولوا إخضاعه بشتى أنواع التعذيب ..
وفشلهم فى كل ذلك .. فشلهم حتى فى إخضاع لسانه فلم تفلت منه كلمة واحدة تسئ إلى شئ مما اعتنقه وآمن به كل ذلك دفعنى إلى أن يسيل قلبى على لسانى بهذه الأبيات :
أودعت سرك فى صحب تعايشهم
فقدموا نفسهم لله باعوها
هذا بلال الذى اسودت ملامحه
تلألأ النور فى أعماقه تيها
تجمّع الشرك جذلانا لمنظره
ظنوه عبداً ضعيف النفس واهيها
ألقوه فى الرمل والأحجار تثقله
والقيظ نار على الأحجار يشويها
قالوا له أذكر إذا ما رمت منجية
محمداً بقبيح القـــول تشويــــها
لكنه كان والإيمان يغمـــره
أقوى من الشرك والدنيا وما فيها
وقال رغم صليل القيد قولته
تلك التى ظل ثغر الدهر يرويها
الله أكبر فـــرد واحـــد أحد
يا أمة الشرك .. فارتجت نواصيـــها
هذا بلال …… أسير تحت أرجلهم
تشامخت رأسه .. لا رأس تعلوها
هذا بلال .. أسير تحت أرجلهم
توهجت روحه لا شئ يطفيــــــها
من الأسير ؟ بلال ؟ أم نفوسهم
شدت إلى الأرض إذلالاً وتسفيهـــا !
الثـــــأر :-
بلال هذا الذى لاقى ما لاقى من التعذيب على يد أمية ابن خلف .. أظفره الله به فى غزوة بدر …
فكيف التقى به ؟ وماذا فعل بلال حين رآه ..
ندع الأحداث تعرض نفسها على لسان أبطالها :
قال عبد الرحمن بن عوف :-
كان أمية بن خلف صديقاً لى بمكة … وكان اسمى عبد عمرو فتسميت حين أسلمت عبد الرحمن ، ونحن بمكة ، فكان يلقانى إذ نحن بمكة فيقول :
يا عبد عمرو أرغبت ؟ عن اسم سماكه أبواك ، فأقول : نعم .
فيقول : فإنى لا أعرف الرحمن ، فاجعل بينى وبينك شيئاً أدعوك به …
فقلت : يا أبا على : اجعل ماشئت
قال : فأنت عبد الإله . فقلت : نعم …
حتى إذا كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع إبنه علىٍ ابن أمية آخذ بيده ، ومعى أدراع قد استلبتها فأنا أحملها ..
فلما رآنى قال لى : يا عبد عمرو .. فلم أجبه
فقال : يا عبد الإله ؟ فقلت : نعم
قال : هل لك فىَّ خير من هذه الأدراع التى معك ؟
قلت : تعم . فطرحت الأدراع من يدى . وأخذت بيده ويد ابنه وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط .
أما لكم حاجة فى اللبن ؟
قال ابن هشام : يريد باللبن : أن من أسره يفتدى منه بإبل كثيرة اللبن .
أى أن أمية بن خلف عرض أن يكون أسيراً لعبد الرحمن بن عوف مقابل ابل كثيرة على أن يخرجه عبد الرحمن معه – وكان هو الذى يعذب بلالاً بمكة على ترك الإسلام فيخرجه إلى رمضاء مكة ( الرمل الحار من الشمس) إذا حميت فيضجعه على ظهره ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول :-
لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد
فلما رآه معى قال :-
رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوت إن نجا!
قلت : أى بلال أتفعل ذلك بأسيرى ؟
قال : لا نجوت إن نجا .. ثم صرخ بأعلى صوته :-
يا أنصار الله .. رأس الكفر أمية بن خلف
قلت : أتسمع يا ابن السوداء ؟!
قال : لا نجوت إن نجا بنا
يا أنصار الله .. رأس الكفر أمية بن خلف
فأحاطو بنا حتى جعلونا فى مثل المسكة () أى فى مثل حلقة كالسَّوار وأحدقوا بنا وأنا أذبَّ عنه () وأدافع .. فأخلف رجلٌ السيف ، فضرب رِجل ابنه فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط ..
فقلت لأميه : أنج بنفسك ولا نجاء بك فوالله ما أغنى عنك شيئاً فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما .
فكان عبد الرحمن بن عوف يقول :-
يرحم الله بلالاً .. ذهبت أدراعى وفجعنى بأسيرى !
وهل كان بلال يستطيع أن يفلت من بين يديه هذه الفرصة ؟
وهذا الصيد الثمين الذى رآه معك يا سيدى عبد الرحمن بن عوف؟
لقد طبق بلال تطبيقاً عملياً ما نزل به القرآن فى أسرى بدر من قبل أن ينزل وكان سابقاً لعمر بن الخطاب فيما رأى من قتل الأسرى وعدم قبول الفداء منهم. فكان عمر هو الرأى المعارض نظرياً .. وكان بلال هو الرأى المعارض عملياً لاستبقاء الأسرى مقابل فدية تؤخذ منه فلم يصغ لنداءات عبد الرحمن ابن عوف واستنكاره أن يبطش بلال بأسيره الذى عرض عليه الجمال والألبان الكثيرة .. وصمم على أخذ ثأره من رقبة ظالمه .
لا نقول ذلك تقليلاً من مكانة أحد .. ونعوذ بالله من ذلك
ولكن نقول : ليس من عذُب كمن لم يُعذَّب
قال الله تعالى : فى سورة الأنفال 67،68
" ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرضج "
" تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرةقلى والله عزيز حكيم "
" لولا كتاب من الله سبق لَمَسَّكُمْ فيما أخذتم عذاب عظيم "
ولعل الله تعالى أراد أن يشفى صدور هؤلاء المستضعفين … وينتصر لهم . وهذا ما نلحظه فى مواقف كثيرة عرضها لنا القرآن الكريم عرضاً جميلاً وحاسماً ..
ومما يذكر فى هذا المقام .. من إكرام الله تعالى لضعفاء المسلمين وفقرائهم وأمره رسوله بذلك ما أخرجه أبو نُعيم فى الحلية (1/146)
عن خباب بن الأرت رضى الله عنه قال :-
جاء الأقرع بن حابس التميمى وعيينة بن حصن الفزارى فوجدا النبى صلى الله عليه وسلم قاعدا مع عمار وصهيب وبلال وخباب بن الأرت رضى الله عنهم فى أناسٍ من ضعفاء المؤمنين ، فلما رأوهم حقروهم فَخَلَوْا بالرسول فقالوا :-
إن وفود العرب تأتيك فنستحى أن يرانا العرب قعوداً مع هذه الأعبد! فإذا جئناك فأقمهم عنا..
ورسول الله صلى الله عليه وسلم حريص على نشر الدعوة
قال : " نعم " .
قالوا : - فأكتب لنا عليك كتاباً …
فدعا بالصحيفة ودعا عليّا ليكتب – ونحن قعود فى ناحية – إذ نزل جبريل عليه السلام فقال :-
" ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى
" يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ
" وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم
" فتكون من الظالمين .
" وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا
أهؤلاء منَّ الله عليهم من بينناقلى
" أليس الله بأَعْلَمَ بالشاكرين ."
" وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا … "
الأنعام : 52-54
فرمى رسول الله بالصحيفة ودعانا فأتيناه وهو يقول :
" سلام عليكم " فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله تعالى :
" واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى
يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم "
الكهف 28
فكنا بعد ذلك نقعد مع النبى صلى الله عليه وسلم فإذا بلغنا الساعة التى كان يقوم فيها قمنا وتركناه وإلا صبر أبداً حتى نقوم .
……
وجاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسى وبلال الحبشى وصهيب الرومى رضى الله عنهم
فقال قيس : هؤلاء الأوس والخزرج قاموا بنصرة هذا الرجل ..
فما بال هؤلاء ؟!
فقام معاذ رضى الله عنه فأخذ بتلابيبه حتى أتى به النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره بمقالته ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً يجر رداءه حتى دخل المسجد، ثم نودى : الصلاة جامعة، فمحمد الله وأثنى عليه ثم قال :-
" يا أيها الناس إن الرب رب واحد ، وإن الأب أب واحد وإن الدين دين واحد ، ألا وإن العربية ليست لكم بأب ولا أم ، إنما هى لسان فمن تكلم بالعربية فهو عربى "
فقال معاذ وهوآخذ بتلابيبه: يا رسول الله ما تقول فى هذا المنافق؟
فقال : " دعه إلى النار " ..
فكان فيمن ارتد فقتل فى حرب الردة
( فى الكنز 7/46)
ولننظر إلى هذه العجرفة المرذولة .. والتقزز الذى لا مبرر له من هذا الذى لم يجد له أبوه "حابس" إسماً يلقبه به إلا "الأقرع" يأتى هو وعيينة بن حصن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطالبان باجتماع خاص منفرد لا يحضره فقراء المسلمين أصحاب الملابس البالية والجباب الصوف التى لم يكن عندهم غيرها خجلاً أن يراهم العرب قعوداً مع هؤلاء فينفرون من قبول الدعوة .. ومن أين للأقرع وأمثاله أن تتكشف لهم حقيقة قلوب هؤلاء المشحونة بالإيمان .. ؟ أصحاب الأسماء التى تتقاطر منها العذوبة والرقة إلى أسماع المؤمنين .. أسماء بلال بن رباح وعمار وصهيب .
وحرصاً من الرسول صلى الله عليه وسلم على إستمالة أولئك النفر للإيمان بدعوته رجاء سرعة انتشارها بهم .. لم يجد حرجاً فى عزل هذا "الأقرع" وأمثاله فى اجتماع خاص بهم لا يحضره هؤلاء الأتقياء الأنقياء الأبرار .
ولكن الله تعالى الذى قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم
" أدبنى ربى فأحسن تأديبى "
رفض هذه العجرفة الكاذبة .. وهذا التقزز المقيت فنزلت على الفور الآيات البينات التى تشجب هذه النظرة وترتفع ببلال وأمثاله إلى عنان السماء وتهوى بالأقرع وأضرابه إلى حضيض الغبراء.. ليبقى الكبرياء والعزة لله وحده دون غيره من الأسماء.
والسؤال :- أليست هذه الأحداث المكتوبة دليلاً على أن الاسلام دين حق .. ورسوله رسول صدق ؟! إنه يسجل كل شئ .. ولا يخفى شيئاً ..
لو كان محمد صلى الله عليه وسلم ليس مبلغاً عن الله أو لو كان حراً فى أن يثبت ما يشاء ويخفى ما يريد .. هل كنا نجد مثل هذا العتب على الرسول ؟ فى كثير من الآيات ..
ألا يستدعى هذا الايمان الفورى لو أن العيون تقرأ والقلوب تعى والعقول تفكر أم أن على القلوب أقفالها ؟!
مؤذن الرسول وخازنه :
للصلاة أهمية خاصة فى الإسلام لأنها فرضت بالأمر المباشر من الله تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج .. ولأنها تمثل نظاماً يومياً لحياة المسلم .. منذ اليقظة المبكرة حتى النوم بعد العشاء فضلاً عما خبب إليه من قيام الليل كل على قدر طاقته وعلى قدر حبه وقربه من ربه .
وكان المسلمون يجتمعون فيتحينون الصلاة فيقدرون أحيانها ليأتوا إليها ..
ولم يكن ينادى بها أحد ، فتكلموا يوماً فى ذلك فقال بعضهم : اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى
وقال عبد الله بن عبد ربه : لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به الناس فى الجمع للصلاة وهو كاره لموافقته للنصارى طاف بى وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا فى يده فقلت :
يا عبد الله أتبيع الناقوس ؟ .. قال : ماذا تصنع به ؟
قلت : ندعو به إلى الصلاة
قال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟
فقلت له : بلى
قال : تقول :
" الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله "
أشهد أن محمداً رسول الله . أشهد أن محمداً رسول الله
حى على الصلاة ، حى على الصلاة
حى على الفلاح ، حى على الفلاح
الله أكبر .. الله أكبر ، لا إله إلا الله
ثم استأخر غير بعيد ثم قال .. تقول إذا أقيمت الصلاة
الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، حى الصلاة ، حى على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر .. الله أكبر ، لا إله إلا الله.
فلما أصبحت أتيت رسول الله فأخبرته بما رأيت فقال : " إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتاً منك "
قال عبد الله بن عبد ربه :
فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به
فسمع بذلك عمر وهو فى بيته فخرج يجر رداءه ويقول :-
والذى بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذى أرى
فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " فلله الحمد "
وهكذا بدأ بلال الندى الصوت يباشر الإعلام بدخول وقت الصلاة بهذه الألفاظ المخصوصة وصار يعرف بأنه مؤذن النبى .
أهمية الأذان .. لأنه مرتبط بالصلاة ولأنه كما قال القرطبى يشتمل على مسائل العقيدة لأنه يبدأ بالاكبريه000
وهو نداء للناس جميعاً أن أقبلوا على الله فهو أكبر من كل ما يشغلكم 00
فلا تتكاسلوا و لا تتشاغلوا عنه بأى شىء مهما كان خطيراً بدليل أن الصلاة كانت تؤدى أثناء القتال00 ولا يحول الخوف دون أدائها00 وتسمى صلاة الخوف00 لان الخوف من الله تعالى يجب أن يكون اكبر من جميع المخاوف0
والأذان يُذكِّر بالتوحيد ونفى الشريك ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم لأنها لا تعرف إلا من جهته ثم الدعوة إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وفيه الإشارة إلى المعاد .
قال عبد الله بن مسعود :-
لو كنت مؤذناً ما باليت أن أحج ولا أعتمر ولا أجاهد !
استشراف الغيب
قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه :-
لو كنت مؤذناً لكمل أمرى ، وما باليت أن لا انتصب لقيام الليل ولا صيام النهار ..
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:-
" اللهم اغفر للمؤذنين ، اللهم اغفر للمؤذنين " فقلت :
تركتنا يا رسول الله ونحن نجتلد على الأذان بالسيوف !!
قال : " كلا يا عمر إنه سيأتى على الناس زمان يتركون الأذان على ضعفائهم .. وتلك لحوم حرمها الله على النار : لحوم المؤذنين "
وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عنه من ترك الأذان لضعفاء المسلمين بعد ما كان يخشاه عمر من التجالد عليه بالسيوف لأهميته !
قال رسول الله مداعباً : بماذا ضحيت يا بلال ؟
قال : يديك يا رسول الله ..
قال : مؤذن ضحى بمؤذن !
وقالت عائشة رضى الله عنها لهم :
هذه الأية :
" ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً
وقال إننى من المسلمين "
هو المؤذن فإذا قال:
حى على الصلاة.. فقد دعا إلى الله ، وإذا صلى فقد عمل صالحاً وإذا قال " أشهد أن لا إله إلا الله" فهو من المسلمين .
وعن أبى معشر قال :-
بلغنى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال :-
لو كنت مؤذناً لم أبال أن لا أحج ولا أعتمر إلا حجة الإسلام
ولو كانت الملائكة ينزلون إلى الأرض ما غلبهم أحد على الآذان
.....
وعن قيس بن أبى حازم قال :- قدمنا على عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال : من مؤذنكم ؟
فقلنا : عبيدنا وموالينا ..
فقال : إن ذلكم بكم لنقص شديد لو أطقت الأذان من الخلافة لأذنت
ــــــــ
وأخرج الطبرانى فى الأوسط عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال :-
" ندمت أن لا أكون طلبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعل الحسن والحسين مؤذنين "
ولا يفوتنا أن نذكر أن الرسول داعب بلالاً فقال له فى يوم العيد …. بماذا ضحيت يا بلال ؟
قال : بديك يا رسول الله .
قال : مؤذن ضحى بمؤذن ..
ـــــــــ
ولعله اتضح الآن أهمية بلال رضى الله عنه كمؤذن للرسول
وكان فضلاً عن ذلك للرسول خازناً .
فكيف كانت نفقة النبى صلى الله عليه وسلم ؟
أخرج البيهقى عن عبد الله الهوزينى قال :-
لقيت بلالاً رضى الله عنه مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدينة حلب فقلت :
يا بلال : حدثنى كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :-
ما كان له شئ إلا أنا كنت ألى ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفى فكان إذا أتاه الإنسان المسلم فرآه عائلاً يأمرنى فأنطلق فأستقرض فأشترى البردة والشئ فأكسوه وأطعمه حتى اعترضنى رجل من المشركين ، فقال : يا بلال إن عندى سعة فلا تستقرض من أحد إلا منى ، ففعلت .
فلما كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة ، فإذا المشرك فى عصابة من التجار فلما رآنى قال : يا حبشى قلت: يا لبيه فتجهمنى وقال قولاً عظيماً أو غليظاً وقال :
أتدرى كم بينك وبين الشهر؟ …. قلت : قريب
قال : إنما بينك وبينه أربع ليال ، فآخذك بالذى لى عليك فإنى لم أعطك الذى أعطيتك من كرامتك ولا من كرامة صاحبك ..
وإنما أعطيتك لتصير لى عبداً فآذرك ترعى فى الغنم كما كنت قبل ذلك …
فأخذنى فى نفسى ما يأخذ فى أنفس الناس ، فانطلقت فناديت بالصلاة حتى إذا صليت العتمة ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فاستأذنت عليه فأذن لى ..
فقلت : يا رسول الله – بأبى أنت وأمى – إن المشرك الذى ذكرت لك أنى كنت أتدين منه قد قال كذا وكذا ، وليس عندك ما يقضى عنى ولا عندى وهو فاضحى .. فأْذن لى أن آتى إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله ما يقضى عنى .
فخرجت حتى أتيت منزلى فجعلت سيفى وحرابى ورمحى ونعلى عند رأسى فاستقبلت بوجهى الأفق ، فكلما نمت انتبهت ، فإذا رأيت علىّ ليلاً نمت حتى انشق عمود الصبح الأول . فأردت أن انطلق فإذا إنسان يدعو:
يا بلال : أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فانطلقت حتى آتيه ..
فإذا أربع ركائب عليهن أحمالهن ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت ، فقال لى رسول الله :-
" أبشر فقد جاءك الله بقضاء دينك " فحمدت الله ..
وقال : ألم تمر على الركائب المناخات الأربع ؟
قلت : بلى ..
قال : " فإن لك رقابهن وما عليهن .
فإذا عليهن كسوة وطعام أهداهن له عظيم (فدك)
فاقبضهن إليك ثم اقض دينك . "
ففعلت ، فحططت عنهن أحمالهن ، ثم علقتهن ، ثم عمدت إلى تأذين صلاة الصبح ، حتى إذا صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت إلى البقيع ، فجعلت إصبعى فى أذنى فقلت :-
- من كان يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناً فليحضر ، فمازلت أبيع وأقضى وأعرض حتى لم يبق على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين فى الأرض حتى فضل عندى أوقيتان أو أوقية ونصف .
ثم انطلقت إلى المسجد وقد ذهب عامة النهار ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد فى المسجد وحده …. فسلمت عليه فقال لى :-
- " ما فعل ما قبلك " ؟
قلت : - قضى الله كل شئ كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق شئ .
قال : " فضل شئ " ؟
قلت :- نعم ، ديناران
قال : - " انظر أن تريحنى منهما ، فلم بداخلٍ على أحد من أهلى حتى تريحنى منهما"
فلم يأتنا أحد .. فبات فى المسجد حتى أصبح ، وظل فى المسجد اليوم الثانى ، حتى إذا كان فى آخر النهار جاء راكبان ، فانطلقت بهما فكسونهما وأطعمتهما ..
حتى إذا صلى العتمة دعانى فقال :- " ما فعل الذى قِبَلَك ؟ "
قلت :- قد أراحك الله منه .
فكبر والرسول وحمد الله إشفاقاً من أن يدركه الموت وعنده ذلك ثم اتبعته حتى جاء أزواجه فسلَّم على امرأةٍ امرأة حتى آتى مبينة فهذا الذى سألتنى عنه .
…
وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستقرض ليطعم المحتاجين ويكسوهم وكيف كان يخشى أن يبيت فى أحد بيوته وعليه دين قل أو كثر مخافة أن يتوفاه الله تعالى وهو مدين! وكان ينام فى المسجد حتى يوفى الله عنه دينه : وكان هذا دأبه : لا يستريح حتى ينفق كل ما يرد إليه من مال ..
قدم عليه خريطة فى جنح الليل بها ثمانمائة درهم وصحيفة فأرسل بها إلى أم سلمة رضى الله عنها وكانت ليلتها .. فظل يدخل ويخرج بعد صلاة العشاء الآخرة حتى دعى لصلاة الصبح فصلى ثم عاد فقال لها : " أين تلك الخريطة التى فتنتى البارحة " ؟
" فقد كنت أصلى فتخطر على بالى فأنصرف حتى أنظر إليها ثم أرجع فأصلى " .
ولم يهدأ له بال حتى قسمها ووزعها ولم يبق منها شئ
ــــــــ
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أم سلمة رضى الله عنها فطلب شيئاً تأكله ، فلم يجده فنادى بلالاً رضى الله عنه :
" هل من شئ" ؟
فأخذ بلال الجُرب يَنْقُفُهَا-أى الأوعية يضربها ليخرج ما فيها –
فأجتمع سبع تمرات فوضعها فى صحفة ووضع عليهن يده وسمى الله وقال : " كلوا باسم الله "
فأكلنا فأحصيت أربعاً وخمسين تمرة ؛ كلها أعدها ونواها فى يدى الأخرى ، وصاحباى يصنعان ما أصنع .. فأكل كل منهم خمسين تمرة ورفعنا أيدينا ، فإذا التمرات السبع كما هن .
فقال الرسول : " يا بلال ارفعهن فى جرابك "
فلما كان الغد وضعهن فى الصحفة وقال :
" كلوا باسم الله " ، فأكلنا حتى شبعنا – وإنا لعشرة – ثم رفعنا أيدينا وإنهن كما هن سبع .
فقال رسول الله : " لولا أن استحيى من ربى عز وجل لأكلت من هذه التمرات حتى نعود إلى المدينة عن آخرنا " فلما رجع إلى المدينة طلع غُليم من أهل المدينة ، فدفعهن إلى ذلك الغلام ..
فانطلق بلوكهن
وعن الطبرانى عن أم مالك الأنصارية رضى الله عنها، أنها جاءت بعكة سمن - قربة صغيرة – إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بلال رضى الله عنه فعصرها ثم دفعها إليها ، فرجعت فإذا هى ممتلئة ..
فأتت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت : " هل نزل فىَّ شئ يا رسول الله ؟ "
فقال : وما ذلك يا أم مالك ؟
فقالت : لم رددت هديتى ؟
فدعا بلالاً ، فسأله عن ذلك فقال :-
والذى بعثك بالحق ، لقد عصرتها حتى استحييت ..
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هنيئاً لك يا أم مالك ، عجل الله ثوابها ".
ثم علمها أن تقول فى دبر كل صلاة ، سبحان الله عشراً والحمد لله عشراً.. والله أكبر عشراً !
ـــــــ
وفى حجة الوداع
قالت أم الحصين رضى الله عنها :
حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع
فرأيت أسامة ( بن زيد) وبلال ( بن رباح) رضى الله عنهما أحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة .
قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً كثيراً ثم سمعته يقول : إن أُمِّر عليكم عبد مُجَدَّعٌ (مقطع الأعضاء) حسبتها
قالت : أسود .. يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا .
ــــ
وكان بلال رضى الله عنه لا يخشى فى الحق لومة لائم
- عن عائذ بن عمرو أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال رضى الله عنهم فى نفر فقالوا :-
" ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها "
فقال أبو بكر رضى الله عنه
أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم
فأتى النبى فأخبره فقال :-
" يا أبا بكر .. لعلك أغضبتهم ؟!
لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك "
فآتاهم أبو بكر فقال :-
يا إخوتاه .. أأغضبتكم ؟
قالوا : لا . يغفر الله لك يا أخى .
ــــــــ
إن بلال الذى قال حينما رأى أمية بن خلف فى غزوة بدر لا نجوت إن نجا كان هو ومن معه ممن عذبوا على أيدى هؤلاء وعلى رأسهم أبو سفيان يرغبون فى القصاص منهم . ويتحسرون على من نجا .
ــــــــــــــ
وجاء بلال إلى عمر رضى الله عنه حين قدم الشام
وعنده أمراء الأجناد فقال :-
يا عمر … يا عمر …
فقال عمر : هذا عمر
فقال بلال : إنك بين هؤلاء وبين الله ، وليس بينك وبين الله أحد ، فانظر مَنْ بين يديك ، ومَنْ عن يمينك ومَنْ عن شمالك ، فإن هؤلاء الذين جاءوك – والله – ما يأكلون إلا لحوم الطير ( يعنى مرفهين فاحذر منهم على فقراء المسلمين) .
فقال عمر : صدقت .. لا أقوم من مجلسى هذا حتى يتكفلوا لى لكل رجل من المسلمين بِمُدَّى بُرِ وحظه من الخل والزيت.
قالوا : تكلفنا لك يا أمير المؤمنين هو علينا ، قد أكثر الله من الخير وأوسع ، قال عمر : فَنَعَم إذاً .
" اللهم اكسر عنهم البرد "
عن جابر عن بلال رضى الله عنهما قال : " أذنت الصبح فى ليلة باردة ، فلم يأت أحد ، ثم أذنت فلم يأت أحد"
فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " ما شأنهم يا بلال ؟ "
قال بلال : كبدهم البرد بأبى أنت وأمى يا رسول الله
فقال النبى صلى الله عليه وسلم :
" واللهم اكسر عنهم البرد "
قال بلال : فلقد رأيتهم يتروحون فى السُّبحة – صلاة الضحى- أو الصبح .
ــــــــــ
تشوَّق بلال إلى مكة أول عهده بالهجرة .
أخرج البخارى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت :-
لما قدم رسول الله المدينة مرض أبو بكر وبلال رضى الله عنهما قالت عائشة فدخلت عليهما فقلت :-
يا أبت كيف تَجِدُك ؟
ويا بلال كيف تجدك ؟
قالت : وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول :
كلُّ امرئٍ مُصبَّحٍ فى أهله
والموتُ أدْنى من شِرَاكِ نعلهِ
وكان بلال إذا أقلعت عنه يقول :-
ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة بواد وحولى إذْ خَزٌ() وجليلُ(2)
وهل أَرِدَنْ يَوماً مياه مجنةٍ وهل يَبْدُوَنْ لى شامة وطَفِيلُ(3)
فجئت إلى رسول الله فأخبرته فقال :-
" اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد ، اللهم وصححها وبارك لنا فى مُدها وصاعها ، وانقل حُمَّاها فاجعلها بالجحفة .
تفضيل بلال وأمثاله عن بعض أشراف قريش :-
- عن الحسن البصرى قال :
حضر أناس باب عمر وفيهم : -
سهيل بن عمر وأبو سفيان بن حرب ، والشيوخ من قريش رضى الله عنهم .
فخرج آذنه فجعل يأذن لأهل بدر كصهيب وبلال وعمار رضى الله عنهم :-
وقال الحسن : وكان عمر والله بدرياً ، وكان يحبهم ، وكان قد أوصى بهم .
فقال أبو سفيان :-
ما رأيت كاليوم قط ! إنه يأذن لهذه العبيد …
ونحن جلوس لا يُلتفتُ إلينا
فقال سهيل بن عمرو :- ويا له من رجل ما كان أعقله -
أيها القوم ، إنى والله - قد أرى الذى فى وجوهكم - ، فإن كنتم غضاباً فاغضبوا على أنفسكم ..
دعى القوم ودعيتم ، فأسرعوا وأبطأتم ..
أما والله لما سبقوكم به من الفضل فيما يرون أشد عليكم فوتاً من بابكم هذا الذى تتنافسون عليه .
ثم قال :- إن هؤلاء القوم قد سبقوكم بما ترون ولا سبيل لكم
– والله – إلى ما سبقوكم إليه ، فانظروا هذا الجهاد فألزموه ، عسى الله عز وجل إن يرزقكم الجهاد والشهادة . ثم نفض ثوبه فقام .. فلحق بالشام
قال الحسن : -
صدق والله ..
لا يجعل الله عبداً أسرع إليه كعبد أبطأ عنه
ولعل محاولة اللحوق بما فات من سابقات المهاجرين الأوائل وسابقات الدخول فى الإسلام كانت وراء طموحات البعض كمعاوية فى الخلافة وفيما قام به من فتوحات عبر البحار !
جهاد بلال :-
كان بلال سابقاً فى الإسلام … وحضر جميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولم يدع أمية بن خلف يفلت من يديه حين رآه مع عبد الرحمن بن عوف .
رغبته فى الخروج فى سبيل الله :
جاء بلا إلى أبى بكر رضى الله عنهما فقال :
يا خليفة رسول الله :-
إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :-
" إن أفضل عمل المؤمنين جهاد فى سبيل الله "
وقد أردت أن أرابط فى سبيل الله حتى أموت ..
فقال أبو بكر رضى الله عنه :-
أنا أنشدك بالله يا بلال ، وحرمتى ، وحقى ، لقد كبرت سنى ، وضعفت قوتى واقترب أجلى .
فأقام بلال معه ..
فلما توفى أبو بكر جاء عمر فقال له مثل مقاله أبى بكر ، فأبىَ بلال عليه ..
فقال عمر : فمن يا بلال ؟ - أى لمن تترك الآذان - .
قال : إلى سعد ، فإنه قد أذَّن بقُباء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل عمر الأذان إلى عقبة وسعد .
أذان بلال قبل دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن بلال رضى الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبر ، فكان إذا قال :-
" أشهد أن محمداً رسول الله " انتحب الناس فى المسجد فلما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر رضى الله عنه :-
أذِّن . فقال : - إن كنت إنما أعتقتنى لله فخلنى ومن أعتقتنى له . وإن كنت أعتقتنى لأن أكون معك فسبيل ذلك ..
فقال أبو بكر : ما أعتقك إلا لله.
قال : فإنى لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : فذاك إليك . فأقام حتى خرجت بعوث الشام فسار معهم حتى انتهى إليها.
ما هذه الجفوة يا بلال ؟!
بعد رحلة طويلة فى الجهاد … وابتعاد عن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى فى منامه النبى صلى الله عليه وسلم وهو يقول له :
- " ما هذه الجفوة يا بلال
ما آن لك أن تزورنا ؟ "
فانتبه من النوم .. وتمثلت أمام عينيه كل الذكريات العطرة كل النسمات النقية .. كل الأيام والسنوات التى عاشتها بجوار النبى والرسول والحبيب محمد صلى الله عليه وسلم .. فأسرع إلى المدينة وبه من الشوق أضعافاً مضاعفة … فأتى مثوى النبى صلى الله عليه وسلم فألقى عليه السلام ثم غلبته أشواق ومشاعره فجعل يبكى عنده ويتمرغ عليه لا يستطيع أن يجد الكلمات التى يعبر بها عما فى قلبه .
وأقبل الحسن والحسين فجعل يقبلها ويضمها ويشم فيها ومنهما عطر جدهما المصطفى حبيبه وحبيب كل المؤمنين عبر العصور..
فقالا له : نشتهى أن تؤذن فى السحر كما كنت تؤذن أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم … فعلى سطح المسجد..
فلما قال : الله أكبر .. الله أكبر – وسمع الناس هذا الصوت الحبيب إلى أسماعهم .. ارتجت المدينة ..
فلما قال : أشهد أن لا إله إلا الله … زادت رجتها
فلما قال : أشهد أن محمداً رسول الله .. خرج النساء من خدورهن .
فما رؤى يوم أكثر باكياً وباكية من ذلك اليوم .
ــــــــ
وتوفى بلال الذى روى عنه أبو بكر … وعمر … وعلى .. وابن مسعود وغيرهم ..
من كبار الصحابة والتابعين .. قيل توفى سنة عشرين بدمشق عن بضع وستين سنة …
وقيل مات بحلب ودفن على باب الأربعين ..
مات بلال … الذى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال له : يا بلال …
بم سبقتنى إلى الجنة ؟
ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامى ؟!
قال : " ما أحدثت إلا وتطهرت وما توضأت إلا وصليت ما شاء الله لى أن أصلى "