ly

Translate

علي كرم الله وجهه

 وجهه
ــ

على أبن أبى طالب 
                                   










على بن أبى طالب
هو : على بن أبى طالب بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف القرشى الهاشمى
ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم  ..
واسمه أبى طالب : عبد مناف
وقيل : اسمه كنيته
واسم هاشم : عمرو
أم على : فاطمة بنت أسد بن هاشم
كنية على : أبو الحسن أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره على أبنته فاطمة سيدة النساء
وأبو السبطين : الحسن والحسين
- أول هاشمى ولد بين هاشميين
- أول خليفة من بنى هاشم
- أصغر من جعفر وعقيل وطالب
- وهو أول الناس اسلاما .. فى قول كثير من العلماء
- هاجر إلى المدينة
- شهد جميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلا تبوك ..
- فشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان ..
- واستبقاه الرسول على أهله فى غزوة تبوك
- له بلاؤه المشهود فى جميع المواقف
- أعطاه النبى اللواء بيده فى مواطن كثيرة منها يوم بدر أكثر الغزوات شهرة
                                            -على خلاف-
- دفع الرسول صلى الله عليه وسلم إليه اللواء يوم أحد بعد مقتل مصعب بن عمير
- آخاه الرسول صلى الله عليه وسلم مرتين حين آخى بين المهاجرين مرة
- ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة وقال له فى كل واحدة منهما :
" أنت أخى فى الدنيا والآخرة "
إسلامه
روى أنه جاء بعد إسلام خديجة بيوم فرآها تصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
يا محمد ، ماهذا ؟
قال : دين الله الذى اصطفى لنفسه ، وبعث به رسله فأدعوك إلى الله وإلى عبادته..
وأن تكفر باللات والعزى
قال على : هذا أمر لم أسمع به من قبل .. فلست بقاض أمراً حتى أحدث أبا طالب
وكره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفشى عليه سره قبل أن يستعلن أمره
فقال له :
" يا على .. إن لم تُسلِم فاكتم "
فمكث " على " تلك الليلة .. فأوقع الله فى قلبه الاسلام فأصبح غادياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  حتى جاءه فقال :
ماذا عرضت علىَّ يا محمد ؟
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم  :
" تشهد  أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وتكفر باللات والعزى ، وتبرأ من الأنداد "
ففعل على وأسلم .. وكتم إسلامه ..
ومكث يأتيه سراً خوفاً من أبى طالب
وكان مما أنعم الله به على " على " أنه ربى فى حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام
وعن مجاهد قال : أسلم " على " وهو ابن عشر سنين
وعن ابن عباس قال : أول من أسلم " على "
وقال " على " كرم الله وجهه :
" لم أعلم أحدا من هذه الأمة عَبَدَ الله قبلى ، لقد عبدته قبل أن يعبده أحد منهم خمس سنين أو سبع سنين "
وذكر ابراهيم النخعى : أن أول من أسلم أبو بكر
وعن حبة العرنى قال :
سمعت عليا يقول : أنا أول من صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم 
وجاء عن سلمان الفارسى قال :
أول هذه الأمة ورودا على نبيها .. أولها اسلاما " على ابن طالب "
وعن أبى أيوب الأنصارى قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :
لقد صلت الملائكة علىّ وعلى " على " سبع سنين وذاك أنه لم يصل رجل غيره
وجاء أيضاً :
" أن خديجة أول من أسلم مع النبى صلى الله عليه وسلم  ثم " على "
وسئل محمد بن كعب القرظى عن أول من أسلم :
" على " أو " أبو بكر " ؟
قال : سبحان الله .. " على " أولهما إسلاما .. وإنما اشتبه على الناس لأن " عليا " أخفى اسلامه عن أبى طالب .. وأسلم أبو بكر وأظهر اسلامه
إذن فقد قال جماعة إن " عليا " أول من أسلم .. وقيل أبو بكر .. والله أعلم..
ذكرنا ما قيل عن إسلامه لنقف فقط عند مدى سبقه فى هذا الصدد .. وليس لتفضليه على أحد
فقد زعم قومٌ أن لهم الحق فى تفضيل الخلفاء الراشدين بعضهم على بعض .. وترتيبهم طبقاً لأوليات نفثها الشيطان فى روعهم ..
فزعم البعض أن الإمام " على " رضى الله عنه كان أولى بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم  ..
وأن من جاء بعده اغتصب منه هذا الحق ظالماً له
وليت الأمر اقتصر على من عاصر هذه الأحداث واكتفى بمجرد ابداء الرأى فيها حرصاً على وحدة المسلمين لكنهم حملوا احقادهم وورثوها لأجيال عبرت بها مئات السنين حتى عصرنا هذا .. يناصبون العداوة والبغضاء كلا من أبى بكر وعمر . ويقعون فيهما وفى سلامة إيمانهما وكأنهم يريدون لهذه القضية التى افتعلوها أن تظل مثارة عبر العصور تَفُتُ فى عضد المسلمين وتفرق وحدتهم وتشتت جمعهم ..
وتجعلهم يقفون فرادى ضعفاء أمام أعدائهم .. أعداء الاسلام .
ما الذى يعود على الاسلام والمسلمين من رفع هذه الشعارات المدمرة وإعادة مناقشتها واثارتها وإذا استمر التشكيك فى قيادات المسلمين الأوائل خاصة فى أبى بكر وعمر فماذا بقى من الاسلام بعد ذلك .. ؟ وأية قدوة إذن يمكن أن تقوم للأجيال لدراستها والاقتداء بها.. ؟
هؤلاء المحرضين الممفتتين لوحدة الاسلام فاتهم أن " عليا " كرم الله وجهه مهما كان رأيه فى نفسه لم يتفوه بكلمة واحدة تسئ إلى أى منهما .. بل لقد كان المدافع عنهما فى حياتهما وبعد موتهما طالما كان هو حيا .
فعنه أنه قال :
قيل يارسول الله ، من يؤَمَّرُ بعدك ؟
قال : إن تؤمروا أبا بكر .. تجدوه أميناً زاهراً فى الدنيا .. راغباً فى الآخرة
وإن تؤمروا عمراً.. تجدوه قوياً أميناً لايخاف فى الله لومة لائم ..
وإن تؤمروا " عليا " .. -ولا أراكم  فاعلين- تجدوه هادياً مهدياً .. يأخذ بكم إلى الصراط المستقيم..
مسند الامام أحمد 1/108 ، 109
هذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وحَدَّثَ به " على " نفسه أنه لايحتاج إلى شرح أو بيان ..
لقد بدأ الرسول بترشيح أبى بكر  .. وثنى بعمر ..
ثم ذكر علياً واستدرك بما يعلم أو بما أراه الله من حقيقة ..
وذكر فضل الأئمة الثلاثة
ولا أحد ينكر من قول رسول الله شيئاً
فلماذا حَمْلُ الأحقاد عبر الأجيال ..؟
بل جاء عن " على " أيضا ..
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال له ناصحاً :
" أنت بمنزلة الكعبة ..  تؤتى ولا تأتى ..
فإن أتاك هؤلاء القوم فسلموها إليك (أى الخلافة) فاقبل منهم ..
وإن لم يأتوك فلا تأتهم .. حتى يأتوك ..
حوار فى البيت الهاشمى :
فى اليوم الذى قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم 
عن ابن عباس قال :
خرج على بن أبى طالب يومئذ على الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال له الناس :
يا أبا الحسن ، كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم 
قال : أصبح بحمد الله بارئاً
قال : فأخذ العباس بيده ثم قال :
يا "على" :
أنت والله عبد العصا بعد ثلاث أحلف بالله لقد عرفت الموت فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم  كما كنت أعرفه فى وجوه بنى عبد المطلب
فانطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 
فإن كان هذا الأمر فينا عرفناه .. وإن كان فى غيرنا .. أمرناه فأوصى بنا الناس
قال له على : إنى والله لا أفعل
والله لئن منعناه .. لايُؤْتِينَاهُ أحد بعده !
فتوفى رسول الله حين اشتد الضحاء من هذا اليوم
هذا الحوار يفيد أنه لو كانت هناك وصية من الرسول " لعلى " بالخلافة لعلمها ولذهب بعمه العباس ليكون شاهدا عليها ..
بل لو وُجِدَت مثل هذه الوصية لأعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم  على الناس فهو الذى لم يُخْفِ شيئاً عن أمته حتى مانزل من عتب شديد أو مانزل من أحكام جاءت موافقة لما رآه عمر فى أسرى بدر ... أو فى غير ذلك ، فكيف يخفى أمر الخلافة لو كان يريد أن يستخلف " علياً " بعده ؟
إن الامام على كان من الذكاء الثاقب الذى لايكتفى بمجرد السؤال والاستفسار عن الخلافة ستؤول لمن بعد الرسول .. ولكنه كان يقدر ما سيترتب على إجابة الرسول  صلى الله عليه وسلم من تأثير على المستقبل
فماذا لو وافق عمه العباس وانطلق إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسأله هذا السؤال : إلى من سيكون أمر الخلافة ؟
أيكون فينا أم فى غيرنا ؟
فماذا لو أجاب الرسول صلى الله عليه وسلم  وقال :
أن الخلافة ليست لكم .. ولكن لغيركم إن أحدا لايستطيع أن يكتم مايتفوه به الرسول ويكون قوله فى تلك الحالة حجة عليهم فلا تصل إليهم الخلافة بعد ذلك أبداً ..
ولذلك نجد الامام لم ينطلق مع عمه العباس ليسأل الرسول صلى الله عليه وسلم  عن أمر الخلافة حتى يظل الباب مفتوحاً .. إن لم يكن اليوم ففى المستقبل خاصة وأن جميع الملابسات والظروف تشير إلى أن الخلافة لأبى بكر رضى الله عنه .
لاسيما وأن الرسول صلوات الله وسلامه عليه قد أصر على أن يؤم الناس أبا بكر ولا أحد سواه حتى عمر مما كاد يقطع بأن الأمر لم يكن لمجرد الأمانة فى الصلاة فقد صلى الرسول خلف أبى بكر .. فأى حرج فى أن يصلى أبا بكر خلف عمر ولكن يبدوا أن الرسول كان يستهدف توثيق وتأكيد أمر معين ..
عن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قال :
لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم  وأنا عنده فى نفر من المسلمين
قال : دعاه بلال إلى الصلاة
فقال : مُرُوا من يصلى بالناس
قال بلال : فخرجت فإذا عمر فى الناس وكان أبو بكر غائباً
فقلت : قم ياعمر فصل بالناس
فقام عمر .. فلما كَبَّر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم  صوته وكان عمر رجلاً مجهرا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  فأين أبو بكر ؟
يأبى الله ذلك والمسلمون .. يأبى الله ذلك والمسلمون ..
فبعث إلى أبى بكر . فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة .. فصلى بالناس
قال عمر : حسبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بهذا ولولا ذلك ماصليت بالناس
قال عبد الله بن زمعة :والله ما أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
ولكنى حين لم أر أبا بكر .. رأيتك أحق من حضر بالصلاة بالناس 
وهكذا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعد أن قال :
" مروا من يصلى بالناس "
وهذا أمر عام لم يحدد فيه أحداً بعينه
إلا أنه حين سمع صوت عمر يؤم الناس لم يكتف بأن يسأل عن أبى بكر .. ولكن أضاف قوله : " يأبى الله ذلك والمسلمون " وكررها مرتين بل وأرسل إلى أبى بكر فحضر وأعاد الصلاة التى صلاها عمر مما يعتبر تصريحاً باسم الشخص الذى يجب أن يكون خلفاً للرسول . فعل الرسول ذلك رغم ما فيه من حرج على عمر .. لكن يبدو أن الأمر لم يكن مجرد الموافقة على صلاة واحدة يؤديها عمر فى غيبة أبى بكر .. والا فالصلاة صحيحة ..
ولعل معنى الاستخلاف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذى فهمته السيدة عائشة رضى الله عنها حين قالت :
لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم  قال :
" مروا أبا بكر .. فليصل بالناس "
 نلاحظ هنا التحديد بالاسم
قالت : يا نبى الله ، إن أبا بكر رجل رقيق .. ضعيف الصوت كثير البكاء إذا قرأ القرآن
" ونلاحظ هنا أيضا أن الرسول لم يقتنع بهذا التعليل "
فقال مرة أخرى : مروه فليصل بالناس
قالت عائشة : فعدت بمثل قولى
قال الرسول : " فى حزم غير قابل للتراجع "
إنكن صواحب يوسف ، فمروه فليصل بالناس
قالت عائشة :
" ونرى فى قولها أنها كشفت عن نيتها الحقيقية ومدى مافهمته من وراء صلاة أبى بكر بالناس
فوالله ما أقول ذلك إلا أنى كنت أحب أن يُصْرَفَ ذلك عن أبى بكر
وعرفتُ أن الناس لايحبون رجلاً قام مقام الرسول صلى الله عليه وسلم أبداً
وإن الناس سيتشاءمون به فى كل حدث كان ..
فكنت أحب أن يصرف ذلك عن أبى بكر
هل كنت كل هذه الملابسات تغيب عن فطنة على رضى الله عنه ؟
كلا لقد اكتملت البيعة لأبى بكر بعد رسول الله وبايعه الجميع .. وكان سندهم القوى فى اختياره هو ماجهروا به جميعاً :
ارتضاه الرسول لديننا .. فكيف لانرضاه لدنيانا ..؟
إذا فإن إصرار الرسول على ألا يصلى بالناس أحد غير أبى بكر .. فى أيامه الأخيرة .. حدد للمسلمين طريق الاختيار ..
أمر آخر يشير إلى رغبة الرسول صلى الله عليه وسلم فى استخلاف أبى بكر حين بعث أبا بكر أميرا على الحج من سنة تسع ليقيم للمسلمين حجهم .. والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم ..
فخرج أبو بكر ومن معه من المسلمين
قال ابن اسحق : ..
لما نزلت براءة (سورة براءة) على رسول الله صلى الله عليه وسلم 
قيل له : يارسول الله لوبعثت بها إلى أبى بكر فقال : لايؤدى عنى إلا رجل من أهل بيتى ..
" وهنا نلمح الفرق بين الأداء الخاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى لايكون إلا برجل من أهل بيت النبى صلى الله عليه وسلم ويبين الأداء العام عن المسلمين جميعاً كالصلاة والحج و... "
ثم دعا الرسول " على بن أبى طالب " رضوان الله عليه فقال :
" أخرج بهذه القصة من صدر براءة وأذن فى الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى
إنه لايدخل الجنة كافر .. ولايحج بعد العام مشرك .. ولايطوف بالبيت عريان
ومن كان له عند رسول الله عهد  .. فهو له إلى مدته "
فخرج " على بن أبى طالب " رضوان الله على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم  العضباء  .. حتى أدرك أبا بكر فى الطريق
"ولنتأمل فى دقة أبى بكر رضى الله عنه واستعداده لطاعة الرسول على أى وجه" قال أبو بكر : أأمير .. أم مأمور ؟
ولنتأمل أيضاً حرص على رضى الله عنه على نقل رسالة الرسول كما هى .. وتسليمه بقيادة أبى بكر لجميع المسلمين فى الحج ،
قال على : بل مأمور
ثم مضيا .. فأقام أبو بكر للناس الحج
والعرب إذ ذاك فى تلك السنة على منازلهم من الحج التى كانوا عليها فى الجاهلية
حتى إذا كان يوم النحر ، قام على بن أبى طالب رضى الله عنه ..
فأذن فى الناس بالذى أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم 
فقال : أيها الناس ..
" إنه لايدخل الجنة كافر .. ولايحج بعد العام مشرك .. ولايطوف بالبيت عريان
ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة فهو إلى مدته "
فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ، ولم يطف بالبيت عريان ثم قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم 
هذه إشارة أخرى لرغبة الرسول صلى الله عليه وسلم  فى استخلاف أبى بكر لاتغيب عن فطنة "على " رضى الله عنه
أما ماجاء على لسان " على " رضى الله عنه وحدث به يحيى بن عروة المرادى قال: سمعت " عليا " رضى الله عنه يقول :
قُبِضَ النبى صلى الله عليه وسلم  وأنا أرى أنى أحق بهذا الأمر
فاجتمع المسلمون على أبى بكر ، فسمعت وأطعت
ثم أن عمر أصيب ، فظننت أنه لايعدلها عنى فجعلها فى ستة أنا أحدهم .. فولوها عثمان  .. فسمعت وأطعت
ثم أن "عثمان" قُتِلَ فجاءوا فبايعونى طائعين غير مكرهين ، ثم خلعوا بيعتى ..
فوالله ما وجدت إلا السيف أو الكفر بما أنزل الله عز وجل على محمد
فكل مايفيده هذا القول أن الامام " على " كان يرى أنه أحق بالخلافة من سواه ..
وهذا لاعيب فيه ولا إثم عليه .. إذ أنه يدور فى نطاق المباحات والمشروعات
فمن من الناس مهما كانت تقواه .. من لم تحدثه نفسه بالسعى لتحقيق أقصى طموحاته طالما أن هذه الطموحات لاتخرج عن دائرة رضوان الله تعالى .. لاترفع سيفا على امام ارتضاه المسلمون ولاتشق عصا الطاعة عليه بل إن هذه هى النفس البشرية فى أعلى درجات طهرها ونقائها ..
النفس القادرة على التفرقة بين الهوى المذموم وبين الطموح الحميد ، الذى يستهدف التنافس فى الخير وهذا ماعبر عنه الإمام " على " بأنه :
سمع وأطاع لأبى بكر .. وسمع واطاع لعمر .. وسمع واطاع لعثمان
فهو الامام العالم المدقق الحريص على وحدة المسلمين رغم مايراه فى نفسه أنه أحق بالإمامة أو جدير بأن يقوم بأعبائها ليحصل من الله عز وجل على ثوابها فهو يعلم فضل الامام العادل على غيره ويعلم أيضاً ما عُدَّ له من أجر وثواب فى الأخرة
زهده وعدله ..
إن ما كان من زهد الامام " على " وعدله فهو كثير .. وكثير ..
قال يصف الدنيا :
الدنيا جيفة .. فمن أراد منها شيئاً .. فليصبر على مخالطة الكلاب !
وقال عمار بن ياسر :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول لعلى بن أبى طالب : 
يا على .. إن الله عز وجل قد زينك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحب إليه منها :
الزهد فى الدنيا ..
فجعلك لاتنال من الدنيا شيئاً ولاتنال الدنيا منك شيئاً
ووهب لك حب المساكين ، ورضوا بك إماما ورضيت بهم اتباعا
فطوبى لمن أحبك وصدق فيك ..
وويل لمن أبغضك وكذب عليك ..
فأما الذين أحبوك وصدقوا فيك .. فهم جيرانك فى دارك ورفقاؤك فى قصرك ..
وأما الذين أبغضوك وكذبوا عليك .. فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة ..
وعن محمد كعب القرظى قال :
سمعت على بن أبى طالب يقول :
" لقد رأيتنى وإنى لأربط الحجر على بطنى من الجوع وإن صدقتى لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار "
ولم يرد بقوله : " أربعين الفا " زكاة ماله
وإنما أراد الوقوف التى جعلها صدقة .. كان الحاصل من دخلها صدقة هذا العدد ، فإن أمير المؤمنين عليا لم يدخر مالا فقد قال ابن الحسن فى مقتله إنه لم يترك الا ستمائة درهم اشترى بها خادما.
وقيل فى زهده ..
إنه ما بنى لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة وإن كان ليؤتى بجبوته (من الجباية وهى الخراج) من المدينة فى جراب
وحدث عنه أبو النوار بياع الكرابيس (الثياب القطنية) قال :
أتانى على بن أبى طالب ومعه غلام له .. فاشترى منى قميص كرابيس (قطن) فقال لغلامه :
أختر أيهما شئت .. فأخذ الغلام أحدهما .. وأخذ " على " الآخر فلبسه ، ثم مد يده فقال لبائع الثياب :
إقطع الذى يفضل من قدر يدى .. فقطعه وكَفَّهُ (خاط حواشيه) ولبسه وذهب
وحَدَّثَ رجل من ثقيف قال :
استعملنى " على بن أبى طالب " على مدرج سابور ، فقال :
لا تضربن رجلاً سوطا فى جباية درهم ..
ولا تتبعن لهم رزقا ولا كسوة شتاءً ولاصيفاً ولادابة يعتملون عليها ..
ولاتقيمن رجلا قائماً فى طلب درهم
قلت : يا أمير المؤمنين .. إذن أرجع إليك كما ذهبت من عندك
قال : وإن رجعت ويحك
إنما أُمِرنَّا أن نأخذ منهم العفو يعنى الفضل
وذم رجلٌ الدنيا عند " على رضى الله عنه " فقال :
" الدنيا دار صدق لمن صدقها .. ودار نجاة لمن فهم عنها .. ودار غنى لمن تزود منها .. وهى مهبط وحى الله ! ومصلى ملائكته .. ومسجد أنبيائه ومتجر أوليائه .. ربحوا منها الرحمة .. واحتسبوا فيها الجنة ..
أرأيت كيف أنه يبرز أجمل ما فى الدنيا .. وهو الذى وصفها بأنها جيفة .. فمن أراد منها شيئاً فليصبر على مخالطة الكلاب ..
وهو صادق فى الحالتين .. لأن الدنيا ذات وجهين وهو البليغ الذى لايجارى فى استكناه حقائق الاشياء ومن ذا الذى يبلغ شأوه بين البلغاء !
فليس كل من يذم الدنيا بزاهد فيها . البعض يذمها لأنه عجز عن تحقيق أغراضه المادية فيها ، يجرى وراءها ، فما يجنى غير الشكاية والقلق والتبرم ..فيكون ذمه لها ليس من الزهد فى شئ .
إنه فقط يشارك الزاهدين الحقيقين بالقول فقط دون العمل ..
لمثل هؤلاء يكشف الامام حقيقة الزهد .. وإنه لايورث فى نفوسهم الضيق ولا القلق لأن لها جانباً آخر مشرقاً فى نفوسهم ..
فهى دار الصدق .. ودار نجاة .. ودار غنى .. إلى آخر ما جاء فى وصفه الرائع الجميل ..
ولأنها تعمل فى النهاية طبقاً لما أمرها الله عز وجل به ..
" يا دنيا.. من خدمنى .. فاخدميه ، ومن خدمك .. فاستخدميه " !!
فمناط الأمر كله .. هو حسن الصلة والتوجه إلى الله تعالى .. وخلوص العمل له .
اعتمر الامام فرأى رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة .. يقول :
" يامن لايشغله سمع عن سمع .. ولا تُغْلِطَهُ المسائل .. ولايبرمه إلحاح الملحين ..
أذقنى برد عفوك .. وحلاوة مغفرتك
قال "على": والذى نفسى بيده لو قلتها وعليك ملء السموات والأراضين ذنوبا يغفر لك
شجاعته ..
إسلامه فى العاشرة من عمره دون استشارة أبيه نموذج لشجاعته منذ الصغر ..
صيحته فى وجه شيوخ قريش حينما سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النصير .. ولايجد إجابة من أحد .
فيقف وهو فى العاشرة ليقول دون خشية أو خوف : " أنا نصيرك "
نومه فى فراش النبى صلى الله عليه وسلم  ليلة الهجرة .. وشباب البغى القرشى يحيطون بدار الرسول احاطة السور بالمعصم.
ألم يكن واردا أن يقتحموا عليه الدار ويقتلوه نائماً دون أن يكشفوا عنه الغطاء ..
أو حتى بعد أن يعرفوه .. لأنه خدعهم
ألا يعتبر هذا قمة الايمان والتصديق ..
وأعلى درجة من درجات التضحية والفداء
قال ابن اسحق :
وتتابع الناس فى الهجرة .. وكان آخر مَنْ قوم المدينة من الناس ولم يفتن فى دينه على بن أبى طالب
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أَخَرهُ بمكة .. وأمره أن ينام على فراشه وأَجَّلهُ ثلاثا . وأمره أن يؤدى إلى كل ذى حق حقه .. ففعل .
قال له الرسول : إن قريشا لم يفقدونى مارأوك ..
فاضطجع على فراشه . وكانت قريش تنظر إلى فراش النبى صلى الله عليه وسلم  فيرون عليه " عليا " ، فقالوا :
لو خرج محمد لخرج بعلى معه فحبسهم الله بذلك عن طلب النبى حين رأوا عليا وأمر النبى صلى الله عليه وسلم  عليا أن يلحقه بالمدينة
فخرج " على " فى طلبه بعدما أخرج أهل الرسول إليه ..
وكان يمشى الليل ويكمن النهار حتى قدم المدينة فلما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم  قدومه قال :  أدعو لى " عليا "
قيل : يارسول الله لايقدر أن يمشى
فأتاه النبى صلى الله عليه وسلم 
فلما رآه اعتنقه وبكى ، رحمة لما بقدميه من الورم
وكانتا تقطران دما ..
فتفل النبى صلى الله عليه وسلم  فى يديه ، ومسح بهما رجليه ودعا له بالعافية فلم يشتكهما حتى استشهد رضى الله تعالى عنه
عن أبى اسحق قال :
سأل رجل البراء وأنا أسمع
أشهد على بدرا ؟
قال : بارز ونصر وأعان
وحدث مصعب بن سعد عن أبيه سعد قال
لقد رأيت عليا يخطر بالسيف  (يضرب بالسيف)
هام المشركين ويقول :
" سنمنح الليل كأنى جنى "
" أى لا أنام  الليل فأنا متيقظ أبداً .. "
وحينما خرج عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة وابنه الوليد ابن عتبة ودعا إلى المبارزة .. خرج إليه أولا فتية من أبناء المدينة فلما عرفهم قال لهم :
مالنا بكم من حاجة إنما نريد قومنا
ونادى مناديهم :
يامحمد أخرج لنا أكفاءنا من قومنا ..
وخرج إليهم حمزة بن عبد المطلب ، وعلى بن أبى طالب وعبيدة بن الحارث ولم يمهل حمزة شيبة ولا أمهل "على" الوليد أن قتلاهما ...
ثم أعانا عبيدة - وقد ثبت له عتبة - على قتله
وعن يوم احد قال على :
لما انجلى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  يوم أحد نظرت فى القتلى فلم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقلت :
والله ماكان ليفر .. وما أراه فى القتلى !
ولكن أرى الله غضب علينا بما صنعنا ، فرفع نبيه !
فمالى خير من أن أقاتل حتى أقتل ،
فكسرت جفن() سيفى ثم حملت على القوم ..
فأفرجوا لى .. فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم  بينهم
ودخل "على" على فاطمة رضى الله عنها يوم احد فقال : أفاطم هاك السيف غير ذميم
فلست برعديد .. ولا بلئيم
        لعمرى لقد ابليت فى نصر احمد
                        ومرضاة رب بالعباد عليم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :
إن كنت أحسنت القتال فقد أحسنه سهل بن حنيف وأبو دجانة سماك بن خرشة
فقال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم 
يامحمد هذا -لعمرك- المواساة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :
" ياجبريل إنه منى "
فقال جبريل عليه السلام : وأنا منكما
وعن سعيد بن المسيب قال :
لقد أصابت علياً يوم أحد ست عشرة ضربه كل ضربة تلزم الأرض ..
فما كان يرفعه إلا جبريل عليه السلام !
وعن ثعلبة بن  مالك قال :
كان سعد بن عبادة صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم  فى المواطن كلها.. فإذا كان وقت القتال أخذها :
" على بن أبى طالب "
ولفرط شجاعة الامام " على " واستبساله فى القتال .. وشدة يقظته عند لقاء الأعداء
كانت درعه صدراً لا ظهر لها
وقيل له : يا أمام : لماذا تجعل درعك
كذلك فقال :
" إذا استمكن عدوى من ظهرى فلا يُبْقِ ! "
أى أن ظهر المقاتل بالسيف لا ينكشف إلا فى حالة الفرار فقط ..
وهذا ليس من شيمته .. فهو يتمنى الموت ولا الفرار
وهو على شجاعته لم يكن يسمح للغرور أن يتسرب إلى نفسه قط ..
فكان لايبارز إلا من يتحداه أو يتحدى المسلمين عامة فى القتال ..
ولذا نرى نصيحته لابنة الحسن رضوان الله عليهما التى تعتبر درساً فى الشجاعة والقتال :
يابنى ..
لاتدعون أحدا إلى البراز ..
ولايدعونك أحد اليه إلا أجبته ..
فإنه بغى
والباغى مصروع
يوم الخندق ..
عظم البلاد بالمسلمين لغدر اليهود وتطويق المدينة بقبائل العرب والمشركين .. واشتد الخوف .. وأتاهم العدو من فوقهم ومن أسفل منهم .. حتى ظن المؤمنون كل ظن !
ونجم النفاق من بعض المنافقين ..
وحتى قال رجل من أهل بدر " معتب بن قشير :
" كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر "
وأحدنا اليوم لايأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط "
وحتى قال آخر (أوس بن قيظى) ..
على ملأ من رجال قوم :
" يارسول الله .. إن بيوتنا عورة من العدو فإذن لنا أن نخرج فنرجع إلى دارنا فإنها خارج من المدينة ! "
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم  والمسلمون بلا قتال إلا أن فوارس من قريش منهم
عمرو بن عبدود
وعكرمة بن أبى جهل وهبيرة بن أبى وهب المخزوميان وضرار بن الخطاب الشاعر بن مرداس
تأهبوا للقتال .. وخرجوا على خيلهم حتى مروا بمنازل بنى كنانة فقالوا :
تهيئوا يابنى كنانة للحرب فستعلمون منْ الفرسان اليوم ؟
ثم أقبلوا تسرع بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا :
والله إن هذه لمكيدة ماكانت العرب تكيدها
عبور الخندق !
ثم تيمم هؤلاء الفرسان مكانا ضيقاً من الخندق فضربوا خيلهم .. فاقتحمت منه
فجالت بهم فى السبخة بين الخندق وسلع (الجبل) فخرج لهم فارس الاسلام الذى قال له الرسول صلى الله عليه وسلم  " أنت منى .. وأنا منك "
فارس الاسلام .. الذى يحب الله ورسوله .. ويحبه الله ورسوله
فارس الاسلام الذى ثبت كالجبل الاشم مع رسول الله فى جميع مواقفه إنه على بن أبى طالب .
خرج فى نفر معه من المسلمين .. حتى أخذوا عليهم الثغرة التى أقحموا منها خيلهم
وأقبلت فرسان المشركين تسرع نحوهم
وكان عمرو بن ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراح فلم يشهد يوم "أحد"
لأن أجله لم يكن قد حان بعد
فلما كان يوم الخندق خرج وله علامة يعرف بها (معلما) لِيُرىَ مكانه..
فلما وقف هو وخيله قال : وهو مُقَنع ومستتر بالحديد من يبارز ؟
فقام على بن أبى طالب رضى الله عنه فقال :
أنا لها يا نبى الله
فقال النبى صلى الله عليه وسلم  :
" إنه عمرو ... إجلس "
ثم نادى عمرو : الا رجل يبرز ؟
أين جنتكم التى تزعمون أن من قُتِلَ منكم دخلها ؟!
أفلا تبرزون إلىَّ رجلاً ؟
فقام على رضى الله عنه فقال : أنا يارسول الله
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : " أجلس "
ثم نادى الثالثة .. فقال شعرا يزهو فيه بقوته
فقام "على" رضى الله عنه فقال :  يارسول الله أنا له  ..
فقال : " إنه عمرو !"
قال " على " : وإن كان عمرا
فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم  ودعا له
فمشى إليه حتى أتى وهو يقول :
        لاتعجلن فقد أتاك
                مجيب صوتك غير عاجز
        فى نية .. وبصيرة
                والصدق منجى كل فائز
        إنى لأرجو أن أقيم
                عليك نائحة الجنائز
        من ضربة نجلاء
                يبقى ذكرها عند الهزاهز()
فقال له عمرو : من أنت ؟            قال : أنا "على"
قال : ابن عبد() مناف ؟                قال : أنا على بن أبى طالب
فقال : يا ابن أخى .. من أعمامك من هو أسن منك فإنى أكره أن أهريق دمك
قال على : وكان لايحب أن يقاتل قبل أن يعرض الاسلام على خصمه ..
ياعمرو .. إنك قد كنت عاهدت الا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه ..
قال له : أجل
قال على : فإنى أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الاسلام
قال عمرو : لاحاجة لى بذلك
قال على رضى الله عنه :
إذن .. فإنى أدعوك إلى النزال
قال عمرو : لم ياابن أخى
فوالله ما أحب أن أقتلك ؟
قال على : لكنى والله أحب أن أقتلك !
فحَمِىَ عمرو عند ذلك ..
فاقتحم عن فرسه فعقره .. وضرب وجهه
ثم أقبل على "على"
فتنازلا .. وتجاولا .. وثار العجاج
وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم  التكبير
فعرف المسلمون أن عليا قتله
وقال على رضى الله عنه فى ذلك :
        أعلىَّ تُقْتَحَمُ الفوارس هكذا
                    عنى وعنهم أخروا أصحابى
        عبد الحجارة من سفاهة رأيه
                    وعبدت رب محمد بصوابى
        فصددت حين تركته متجدلاً
                    كالجذع بين دكادك() وروابى() 
        وعففت عن أثوابه ولوأننى
                    كنت المقنطر بزنى أثوابى
        لاتحسبن الله خاذل دينه
                    ونبيه يامعشر الأحزاب
ثم أقبل على رضى الله عنه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم  ووجهه يتهلل ، فقال له عمر بن الخطاب رضى الله عنه :
هلا استلبته درعه ؟ قال : ضربته فانكفأ على وجهه فاستحييت
قال عمر : أنه ليس للعرب درع خير منها
قال على : استحييت أن أسلبه درعه وهو منكفئ على وجهه .. كأنه يتقينى بسوءته
وذاع ذكر على بن أبى طالب رضى الله عنه  أكثر .. وأكثر .. بعد قتله عمرو بن ود .. أو عمرو بن عبد ود
حتى على لسان الأعداء
فقال ابن مسافع : فى بكائه شعراً يبكى فيه عمرو بن ود
ويذكر فيه على بن أبى طالب ويعيب على الفرسان الذين كانوا مع ابن ود وتركوه وولوا عنه :

        عمرو بن عبد كان أول فارس
                    جزع() المزاد() وكان فارس يليل()
        سمحُ الخلائق ماجد ذو مرة()
                    يبغى القتال بشكة لم ينكل()
        ولقد علمتم حين ولوا عنكم
                    أن ابن عبد فيهم لم يعجل
        حتى تكنفه الكماة وكلهم
                    يبغى مقاتلة وليس بمؤتلى()
        ولقد تكنفت الأسنة فارسا
                    بجنوب سلع غير نكس أميل
        نسل النزال "على" فارس غالب
                    بجنوب سلع ليته لم ينزل
        فاذهب "على" فما ظفرت بمثله
                    فخراً ولا لاقيت مثل المعضل
        نفسى الفداء لفارس من غالب
                    لاقى حمام الموت لم يتحلحل
        أعنى الذى جزع المذاد بمهره
                    طلبا لثأر معاشر لم يخذل
أراد الشاعر ابن مسافع أن يقول :
إن عمرو بن ود كان أول فارس عبر الخندق
وإنه كان ذا قوة إذا عزم على القتال لا يلجأ إلى الفرار خوفاً من الأخطار لقد تركه رفاقه وولوا عنه .. لكنه لم يهرب أو يسرع فى الهرب مثلهم وهو لم يقصر حين احاط به المقاتلون الكماه وكلهم يرجون قتله لقد قتلت طعنات على فارسا غير هياب ولافرار
فعلى ابن الحرب والطعان فياليته لم يكن فى هذا المكان ..
أو ياليت بن عبد ود لم ينزل فى هذا المكان الذى قتل فيه
فَعُدْ ياعلى بما ظفرت فإنك لم تظفر أبداً بمقاتل تفخر بأنك صارعته وصَرَعتهُ مثل هذا البطل المعضل
ثم يقول فى النهاية إنه كان يود أن يفدى ابن ود الشجاع الذى لم يتزحزح عن مكانه فى القتال ..
ابن ود هذا الفارس الذى قطع الخندق واجتازه طلباً للثأر ولكنه طلبه ممن لم ينهزم ولم يُخزل .
والذى يهمنا فى هذا الشعر ماجاء فيه من الاقرار ببطولة فارس الاسلام على بن أبى طالب ..
خاصة وأن هذا الاقرار جاء رغم أنوف الأعداء إذ لامهرب من الاعتراف به لأنه حقيقة واقعة مفجعة لهم ومفرحة لجميع المسلمين.
إن الشاعر عاد باللوم على من كانوا مع عمرو بن ود لاسراعهم فى الهرب ..
ولكن ماذا كان فى مقدورهم أن يفعلوه .. وقد رأوا فارسهم الذى كان يقوم على أقل التقديرات بأنه كان يعدل أربعين فارساً لقد فزعت الخيول وملأ الخوف والهلع قلوب الرجال المرافقين لابن عبد ود .. والذين عبروا معه الخندق .. ولاذ الجميع بالفرار إلى حيث كانوا خزايا .. أذلة .. فكانوا بداية انكشاف غمة الحصار المضروب على المدينة .. وعودة الجموع التى احتشدت لاستئصال الاسلام وجنوده

وفى خيبر ..
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  أبا بكرالصديق عنه برايته إلى حصن من حصون خيبر "حصن ناعم" الذى توجد به ذخائر اليهود كى يفتحه فقاتل ورجع دون أن يُفتَحُ الحصن .. وقد جهد .. ثم بعث عمر بن الخطاب فى الغداة ..
فقاتل ، فرجع ولم يكن فتح .. وقد جهد
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :
" لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله .. يفتح الله على يديه .. ليس بفرار "
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم " عليا رضوان الله عليه " وهو أرمد (أى أن بعينيه مرض الرمد)  فتفل فى عينه ، ثم قال :
خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك فخرج بها يُهرول هرولة وخلفه المسلمون يتبعون أثره حتى ركز رايته فى رضم من حجارة تحت الحصن ..
فاطلع إليه يهودى من رأس الحصن فقال :
من أنت ؟
قال : أنا على بن أبى طالب
قال اليهودى : علوتم .. وما أُنزِل على موسى
فخرج إليه أهل الحصن فقاتلهم..
فضربه رجل منهم من يهود فطرح ترسه من يده فتناول "على" عليه السلام بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه ..
فلم يزل فى يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه .. ثم ألقاه من يده حين فرغ
يقول أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم  :
فلقد رأيتنى فى نفر سبعة معى أن ثامنهم نجهد على ان نقلب ذلك الباب فما نقلبه
ــــــــ
البيعة
قال ابن سعد :
لما قتل عثمان رحمه الله يوم الجمعة لثمانى عشرة ليلة مضت من ذى الحجة سنة خمس وثلاثين
وبويع لعلى بن أبى طالب رحمه الله بالمدينة الغد من يوم قتل عثمان ، بالخلافة
بايعه طلحة ، والزبير ، وسعد بن أبى وقاص ، وسعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل ، وعمار بن ياسر ، وأسامة بن زيد وسهل بن حنيف ، وأبو أيوب الأنصارى ، ومحمد بن مسلمة وزيد بن ثابت ، وخزيمة بن ثابت ..
وجميع من كان بالمدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 
ثم ذكر طلحة والزبير أنهما بايعا كارهين غير طائعين وخرجا إلى مكة وبها عائشة.. ثم خرجا من مكة ومعهما عائشة إلى البصرة يطالبون بدم عثمان :
ثم كان ما كان من أمر القتال فى موقعة الجمل ..
وما كان بعد ذلك من قتال بين الامام " على " وبين معاوية بن أبى سفيان
وبعد أن كان المسلمون يقاتلون الأعداء المشركين أصبح يقاتل بعضهم بعضاً ..
مما جعل  أحد أحبار اليهود يتهكم فيسأل الامام عليا :
ما بلكم لم يمض على وفاة نبيكم أكثر من خمسة عشر عاما حتى تقاتلتم
قال له على : وما بالكم لم تجف أقدامكم من رهو البحر حتى قلتم : أجعل لنا إلها كما لهم آلهة !
الفتنة
لم يكد الرسول صلى الله عليه وسلم  ينتقل  إلى الرفيق الأعلى حتى ظهرت بوادر التنافس القبلى ..
أولاً : فى سقيفة بنى ساعدة .
أراد الأنصار أن يَخْلِفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم  فى قيادة جموع المسلمين .. أو يقتسموها بينهم وبين المهاجرين
فخرج صوت يقول : " منا أمير ومنكم أمير
وكان رد عمر حاسماً :
" لايجتمع سفيان فى غمد واحد "
ودعم قول عمر ما ساقه أبو بكر بأسلوبه الحازم الحكيم والله ماننكر فضلكم .. ولا .. ولا ..
ولكنكم عرفتم أن هذا الحى من قريش بمنزلة من العرب فليس بها غيرهم . وأن العرب لن تجتمع إلا على رجل منهم
" فنحن الأمراء وأنتم الوزراء "
وخمدت الفتنة إلى حين ..
وكان قد انفتح باب آخر للتنافس القبلى على النبوة نفسها فى أواخر عهد الرسول صلى الله عليه وسلم  بخروج مدعى النبوة الكاذبة تحت شعار
" كذاب اليمامة أفضل لديهم من صادق مضر "
وبديهى أن هذا الشعار لا يرفعه إلا مشرك ..
ولا يسير تحت رايته إلا مشركون
وما كاد المسلمون يجمعون على خلافة أبى بكر رضى الله عنه حتى أكل التنافس القبلى رافعاً رأسه فى صورة أخرى
قوم لا يخرجون على الاسلام فى ظاهر الأمر لكنهم يمتنعون علانية عن دفع الزكاة .. يتأولون القرآن تأويلا خاطئا يؤدى فى النهاية إلى التحلل من أركان الاسلام .. ركنا ركنا ..
قال تعالى :
     " خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها .. "         التوبة103
فاعتقد بعض مانعى الزكاة من العرب أن دفع الزكاة إلى الامام لايكون . وإنما كان هذا خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم  وقد رد عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد أبو بكر الصديق وسائر الصحابة وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال الصديق :
والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقاتلنهم على منعه ..
وقد عبر عن هذا الشعار -منع الزكاة- احد الشعراء فقال :
        أطعنا رسول الله ما كان بيننا
                        فيالعباد الله ما لأبى بكر
        أيورثها بكراً إذا مات بعده
                        وتلك لعمر الله قاصمة الظهر
بل أن أبا سفيان حاول أن يعيد التنافس القبلى بعد أن فاته السبق فى الإسلام واستحالة السبق على النبوة لأنها من اختبار الله تعالى :
"والله أعلم حيث يجعل رسالته "
أما التنافس على الاخلافة فيخضع لاختيار الناس
دخل أبو سفيان على "على" والعباس رضى الله عنهما
فقال : يا " على " .. وأنت يا عباس
مابال هذا الأمر - الخلافة - فى أذل قبيلة من قريش وأقلها ، والله لئن شئت لأملأنهما عليه خيلاً ورجالا !
فقال له "على" :
لا والله ما أريد أن تملأها عليه خيلا ورجالا ..
ولولا أنَّا رأينا أبا بكر لذلك أهلاً ماخليناه وإياها
ياأبا سفيان إن المؤمنين قوم نصحه بعضهم لبعض متوادون وإن بعدت ديارهم وابدانهم وإن المنافقين قوم غششة بعضهم لبعض وإن قربت ديارهم وأبدانهم.
وإنا قد بايعنا أبا بكر وكان لذلك اهلاً "
وكان هذا التنافس القبلى على الخلافة يدور فى ذهن أبى سفيان وزوجه هند حتى فى عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه وكانا ينصحان ابنهما معاوية بالأعداد لهذا اليوم الذى يمكن أن يكون فيه خليفة للمسلمين
" قَدِمَ معاوية مرة من الشام ، وكان عمر قد استعمله عليها ، فدخل على أمه هند فقالت له : " يابنى .. إنه قلما ولدت حرة مثلك
وقد استعملك هذا الرجل أو كأنها لاتعرف اسمه .. فاعمل بما وافقه
أحببت ذلك أم كرهت "
ثم دخل على أبيه أبى سفيان فقال له :
" إن هذا الرهط من المهاجرين .. سبقونا .. وتخلفنا عنهم
فدفعهم سبقهم .. وقصر بنا تخلفنا .. فصرنا تبعاً .. وصاروا قادة
وقد قلدوك جسيماً من أمرهم .. فإنك تجرى إلى أمد لم تبلغه !!
ولو قد بلغته .. لتنفست فيه "
ويتتابع النقل عن معاوية
" فعجبت من اتفاقهما فى المعنى على اختلافهما فى اللفظ "
والذى يتابع سيرة معاوية مع عمر بن الخطاب
يعرف تماماً أن معاوية قد استوعب الدرس الذى تلقاه عن أبيه أبى سفيان وأمه هند بنت عتبة والتى كان يفخر بها دائماً ويقول فى أعز المواقف لديه " أنا ابن هند "
كما كان يفخر كذلك بأبيه أبى سفيان
كما حدث عندما اجتمع برهط من أهل الكوفة ممن يسمون بالمؤلبين على عثمان رضى الله عنه
فقال لهم فيما قال :
"وقد عرفت قريش أن أبا سفيان كان أكرمها وابن أكرمها ..
وإنى لأظن أن أبا سفيان لو وَلَدَ الناسَ لم يلد إلا حازماً "
فانبرى له أحدهم وقال له : كذبت ..
قد ولدهم من هو خير من أبى سفيان ... "
فهل يا ترى .. فكر الامام على رضى الله عنه
أن معاوية بن أبى سفيان سينصاع له ولقرار عزله ويترك موقعه بعد كل هذه السنوات التى أمضاها فى الاعداد والتمكين لمثل هذا اليوم ؟
دخل عليه المغيرة بن شعبة فقال :
" إن لك حق الطاعة والنصيحة ، وإن الرأى اليوم تُحِرزُ به ما فى غد ، وإن الضياع اليوم تُضَيعُ به ما فى غد
" أقرر معاوية على عمله .. وأقرر ابن عامر على عمله .. وأقرر العمال على أعمالهم حتى إذا أتتك طاعتهم وبيعة الجنود استبدلت .. أو تركت "
قال " على " : حتى أنظر
وخرج المغيرة من عنده وعاد إليه من الغد فقال:
إنى أشرت عليك بالأمس برأى
وإن الرأى أن تعاجلهم بالنزوع ! (غير رأيه)
فَيُعْرَفُ السامعُ من غيره (أى يعرف المطيع من العاصى)
ثم خرج وتلقاه ابن عباس خارجاً .. وهو داخل فلما انتهى إلى "على" قال :
رأيت المغيرة خرج من عندك ففيم جاءك ؟
قال : جاءنى أمس بذيةٍ وذية .. أى بكذا .. وكذا وجاءنى اليوم بذية وذية
قال ابن عباس :
أما أمس فقد نصحك ، وأما اليوم فقد غشك
قال : فما الرأى ؟
قال : كان الرأى أن تخرج حين قُتِلَ الرجل (عثمان) أو قبل ذلك فتأتى مكة فتدخل دارك وتغلق عليك بابك ، فإن كانت العرب جائلة مضطربة فى أثرك  لا تجد غيرك فأما اليوم فإن فى بنى أمية من يستحسنون الطلب بأن يلزموك شعبة من هذا الأمر، ويشبهون على الناس .. ويطلبون مثل ما طلب أهل المدينة ، ولاتقدر على ما يريدون ولايقدرون عليه ولو صارت الأمرو إليهم ..
وقال المغيرة : نصحته والله ، فلما لم يقبل غششته وخرج المغيرة حتى لحق بمكة
وقال الإمام على : والله لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فيها رأيى ، ولا وليت هؤلاء ولامثلهم يولى.
انصرف من عندى المغيرة وأنا أعرف فيه أنه يرى أنى مخطئ فقال إنى أشرت عليك أول مرة بالذى أشرت عليك أن أرسل إلى عبد الله بن عامر وإلى معاوية وإلى عمال عثمان بعهودهم تقرهم على أعمالهم ويبايعون لك الناس ، فإنهم يهدئون البلاد ويسكنون الناس
ثم رأيت بعد ذلك رأياً ، وأنا أرى أن تصنع الذى رأيت فتنزعهم وتستعين بمن تثق به ، فقد كفى الله وهم أهون شوكة مما كانوا
قال ابن عباس : أما المرة الأولى فقد نصحك .. وأما المرة الآخرة فقد غشك
قال على : ولم نصحنى ؟
قال ابن عباس : لأنك تعلم أن معاوية وأصحابه أهل دنيا فمتى تثبتهم لا يبالوا بمن ولى هذا الأمر ومتى تعزلهم يقولوا :
أخذ هذا الأمر بغير شورى ، وهو قتل صاحبنا .. ويؤلبون عليك فينتتقض عليك أهل الشام وأهل العراق ، مع أنى لا آمن عليك أن يكر طلحة والزبير
قال على :  أما ما ذكرت من إقرارهم فوالله ما أشك أن ذلك خير فى عاجل الدنيا لاصلاحها .. وأما الذى يلزمنى من الحق والمعرفة بعمال عثمان ..فوالله لا أُولى منهم أحداً أبدا
فإن أقبلوا فذلك خير لهم .. وإن أدبروا بذلت لهم السيف
قال ابن عباس : فأطعنى وادخل دارك ، والْحَقْ بمالك بينبع ..
وأغلق بابك عليك ، فإن العرب تجول جولة وتضطرب ولاتجد غيرك .. فإنك والله لئن نهضت مع هؤلاء ليحملنك الناس دم عثمان غداً
فأبى "على" وقال لابن عباس : " سر إلى الشام فقد وليتكها "
فقال ابن عباس : ما هذا برأى .. معاوية رجل من بنى أمية .. وهو ابن عم عثمان وعامله على الشام .. ولست آمن أن يضرب عنقى أو أدنى ماهو صانع : أن يحبسنى فيتحكم علىَّ
قال على : ولم ؟
قال ابن عباس : لقرابة مابينى وبينك .. وإن كل ما حُمِلَ عليك حُمِلَ علىَّ ولكن أكتب إلى معاوية فعده ومَنِّهِ
فأبى "على" وقال : والله لايكون هذا أبداً
وعاود المغيرة النصح فقال :
أُشِيرُ عليك برد عمال عثمان عامك هذا .. فاكتب إليهم بإثباتهم على اعمالهم ، فإذا بايعوا لك .. وأطمأن الأمر لك ..
عزلت من احببت .. وأقررت من أحببت
قال على : والله لا أداهن فى دينى .. ولا أعطى الدنىَّ فى أمرى
قال المغيرة : فإن كنت قد أبيت علىَّ .. فانزع من شئت .. واترك معاوية .. فإن لمعاوية جرأة .. وهو فى أهل الشام يُسْمَعُ منه ولك حجة فى إثباته .. كان عمر بن الخطاب ولاه الشام كلها
قال : والله لا أستعمل معاوية يومين أبداً
ثم عاد المغيرة : فقال : أنت مصيب .. لاينبغى أن تأخذ أمرك بخدعة ولايكون فى أمرك دلسة ..
قال ابن عباس : لقد نصحك أولاً وغشك آخر
وأنا أشير عليك بأن تثبت معاوية ، فإن بايع لك فعلىَّ أن أقلعه من منزله
قال " على " : لا والله .. لا أعطيه إلا السيف ثم تمثل بهذا البيت
        ماميتة إن متها غير عاجز
                    بعار إذا ما غالت النفس غولها 
فقلت : يا أمير المؤمنين .. أنت رجل شجاع لست بأرِبٍ (فطن) بالحرب .. أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "الحرب خدعة"  .. قال : بلى
فقال ابن عباس : أما والله لئن أطعتنى لأصدرن بهم بعد ورد .. ولأتركنهم ينظرون فى دبر الأمر لايعرفون ما كان وجهها .. فى غير نقصان عليك ولا إثم لك.
قال : يا ابن عباس : لست من هنياتك وهنيات معاوية فى شئ .. تشير علىَّ وأرى فإذا عصيتك فأطعنى .. قال ابن عباس : فقلت له : أفعل
إن أيسر مالك عندى الطاعة
وعلى أية حال .. فقد حدثت الفتنة وتكشفت أنيابها
رفض معاوية أن يبايع " عليا " وكان رسول " على " إلى معاوية سبرة الجهنى قدم عليه فلم يكتب معاوية بشئ ولم يجبه ورد رسوله وجعل كلما استحثه على الجواب لم يزد على قوله :
        أدم إدامة حصن او خذا بيدى
                    حربا ضروسا تشب الجزل والضرما
        فى جاركم وابنكم إذ كان مقتله
                    شنعاء شيبت الصداغ واللمما
        أعيا المسؤدبها والسيدون فلم
                    يوجد لها غيرنا مولا ولا حكما
وفى التمثل بهذه الأبيات اشارة إلى الحرب الضروس وإلى مقتل عثمان رضى الله عنه وأنه أى معاوية هو ولى الدم الوحيد له
رد معاوية على "على"
فى الشهر الثالث من مقتل عثمان رضى الله عنه فى صفر ..
دعا معاوية برجل من بنى عبس ، ثم أحد بنى رواحة يدعى "قبيصة" فدفع إليه طومارا (كتاب) مختوما عنوانه :
"من معاوية إلى على "
فقال : إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار ،
ثم أوصاه بما يقول : وسرَّحّ رسول " على "
وخرج الرجلان فدخلا المدينة فى غرة ربيع الأول ..
فلما دخلا المدينة رفع العبسى الطومار كما أمره معاوية وخرج الناس ينظرون إليه، فتفرقوا إلى منازلهم وقد علموا أن معاوية معترض ومضى حتى يدخل على "على"
فدفع إليه الطومار ..
ففض "على" خاتمه فلم يجد فى جوفه كتابة
فقال للرسول : " ماوراءك ؟ "
قال : أأمن أنا ؟
 
 قال : نعم .. إن الرسل آمنة لاتقتل
قال : ورائى أنى تركت قوماً لايرضون إلا بالقود
قال على : ممن ؟
قال : من خيط نفسك .. من رقبتك ،
وتركت ستين ألف شيخ يبكى تحت قميص "عثمان" وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق .
قال " على " : أمنى يطلبون دم عثمان ؟ ! ألست موتورا كترة عثمان ؟!(ألست مصاباً بما حدث لعثمان ؟)
اللهم إنى أبرأ إليك من دم عثمان ،
نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله ، فإنه إذا أراد أمر أصابه.
أخرج ..
قال : وأنا آمن ؟
قال : وأنت آمن
فخرج العبسى .. وصاحت السبئية المتشددين) قالوا :
هذا الكلب ، هذا وافد الكلاب ، اقتلوه
فنادى : يا آل مضر .. يا آل قيس الخيل والنبل
إنى أحلف بالله جل اسمه.. ليردنها عليكم أربعة آلاف خصى
فانظروا كم الفحولة والركاب
وتعاووا عليه .. ومنعته مضر .. وجعلوا يقولون له ! أسكت
فيقول : لا والله .. لا يفلح هؤلاء أبداً
فلقد أتاهم مايوعدون
فيقولون له : اسكت
فيقول : لقد حل بهم ما يحذرون
انتهت والله أعمالهم .. وذهبت ريحهم ..
فوالله ما أمسوا حتى عرف الذل فيهم .
ولنتأمل ما فعل معاوية
فى الشهر الثالث لمقتل عثمان رضى الله عنه
أرسل رده على مكاتبة "على" بعد أن عبأ الناس وشحنهم بما يريد أن يعبئهم به.
جعل من قميص عثمان ثوباً يرتديه المنبر ..
أى أكثر الأشياء تأثيراً على المسلمين ليخاطب مشاعر جميع المسلمين الداخلين للصلاة والخارجين منها وكأن المنبر هو شخص عثمان بقميصه المطعون فيه وهو طوال هذه المدة لا يركز على القتلة الحقيقيين بل أن التعبئة تتم على أن القاتل الذى يستحق أن يقاد منه هو على بن أبى طالب..
أى أن معاوية جعل هدفه الخاص وهو مغالبة "على" هدفاً لأتباعه ولجميع المسلمين فى الشام .. بحيث لا يُتِيحُ لأحد أن يقول إن هدف معاوية هو الخلافة وليس القصاص من قتلة "عثمان"
ويتضح هذا التخطيط من الطومار (أى الصحيفة) التى حملت رده إلى "على" رضى الله عنه
إنها صحيفة بيضاء ليس بها كتابة تدينه فى شئ .. وعنوانها
" من معاوية إلى على "
أى من رجل إلى رجل .. ومن ند إلى ند ..
وهى تفيد أنه لايقر لعلى بالخلافة .. ولم يحن الوقت بعد لينسبها إلى نفسه ..
ثم إنه حَمَّلَ مايريد أن يقوله فى الصحيفة وحفظه كرسالة شفهية للرجل الذى أرسله إلى "على" ثم نلاحظ هذه الحركة الاعلامية التى صاحبت دخول رسولى معاوية إلى المدينة ورفعهما الصحيفة إلى أعلى مما فهم الناس منه أن معاوية يعترض على "على" وما توحى به من قوة .. فهم الناس مضمونها دون فضها وانصرفوا إلى بيوتهم !
ثم انظر إلى مضمون الرسالة الشفهية التى حملها الرجل .. وطلبه للأمان قبل أن يبوح بها .. وحصوله عليه : القوم يطلبون رقبة الامام على .. لاغيره ستون ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان
لم يرد معاوية أن يوجه أهل الشام إلى هدف لايستطيع هو تحقيقه ..
إنه لايستطيع القبض أو الحكم أو التنفيذ على جميع قتلة عثمان والمشاركين معهم .
التاريخ يقول أن عمرو بن العاص كان من المحرضين أو المرددين لما كان يؤخذ على عثمان .. وعمرو فى حضن معاوية .. ومعاوية فى حضن عمرو ..
فاختار معاوية الهدف .. إنه خيط نفس على لاغيره.
هذا جانب معاوية .. فلننظر إلى الجانب الآخر إلى رسول على رضى الله عنه إلى معاوية "سبرة الجهنى" وماذا قال ؟ وماذا فعل ؟
مكث الثلاثة أشهر فى انتظار الرد ..
وكلما ذهب يستنجز معاوية الرد لم يزد معاوية على ذكر الأبيات الشعرية التى ذكرناها وهذه الأبيات تحمل الرد على الرسالة ولكن هناك فرق بين رسول .. ورسول .. وإعداد .. وإعداد .. ودهاء .. ودهاء .. وصراحة الامام على رضى الله عنه .. ما فى قلبه على لسانه ومعاوية ما فى قلبه .. على لسان اتباعه .
الإمام " على " تربى فى بيت النبوة ومعاوية تربى فى بيت أبى سفيان
الإمام " على " : قيل أنه أول من أسلم ، وقيل أنه الثالث ومعاوية أسلم متأخرا
ومعاوية يقر له بكل سوابقه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس الأمر أمر انتقاص من أحد ..  ونعوذ بالله من ذلك
دعوة معاوية إلى الجماعة :
أرسل "على" إلى معاوية بشير بن عمرو بن محصن الأنصارى وشبث بن ربعى التميمى وسعيد بن قيس الهمدانى يدعونه إلى الطاعة والجماعة
قال بشير بن عمرو :
يا معاوية : إن الدنيا عنك زائلة ..
أنشدك الله عز وجل ألا تفرق جماعة هذه الأمة ولا تسفك دماءها بينها
فقطع معاوية عليه الكلام فقال :
هلا أوصيت بذلك صاحبك ؟
قال أبو عمرة (بشير) :
إن صاحبى ليس مثلك .. صاحبى أحق البرية كلها بهذا الأمر فى الفضل والدين والسابقة فى الإسلام والقرابة من الرسول صلى الله عليه وسلم 
قال معاوية : فيقول ماذا ؟
قال بشير : يأمرك بتقوى الله عز وجل واجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق ، فإنه أسلم لك فى دنياك و خير لك فى عاقبة أمرك
قال معاوية : ونطل دم عثمان رضى الله عنه .. لا والله لا أفعل ذلك أبداً ..
ونتوقف هنا نتأمل لحظة .. فربما كان معاوية يرغب فى التصالح حول هذه المسالة التى عرضها بما يرفع عنه حرج الانغماس فى الحرب وما تجره من سفك الدماء.
لكن نتأمل ما حدث بعد هذا الحوار الهادئ
فذهب سعيد بن قيس يتكلم فبادره شبث بن ربعى فتكلم (وليته سكت)
قال : يا معاوية .. إنى قد فهمت ما رددت على ابن محصن ، إنه والله لا يخفى علينا ما تغزو وما تطلبه !
إنك لم تجد شيئاً تستغوى به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم ، إلا قولك :
" قتل إمامكم مظلوماً ، فنحن نطلب بدمه "
فاستجاب له سفهاء طغام !
وقد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصر ، وأحببت له القتل لهذه المنزلة التى أصبحت تطلب ،
ورب متمنى أمر وطالبه ، الله عز وجل يحول دونه بقدرته وربما أوتى المتمنى أمنيته وفوق أمنيته ..
والله مالك فى واحدة منهما خير ، لئن أخطأت ما ترجو إنك لشر العرب حالاً فى ذلك ولئن أصبت ما تتمنى لا تصيبه حتى تستحق من ربك صُلِىَ النار .
فاتق الله يامعاوية ودع ما أنت عليه ، ولاتنازع الأمر أهله
هل هذا أسلوب دعوة إلى الله تعالى ؟
أم أنه أسلوب سباب على أعلى المستويات أو فى الحقيقة على أدنى المستويات ؟
وللنظر إلى مدى ما حققه هذا الأسلوب من استجابة لدى معاوية
قال : أما بعد .. فإن أول ما عرفت فيه سفهك وخفة حلمك قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه .. ثم عُنِيتَ فيما لا علم لك به .
فقد كذبت ولؤُمتَ أيها الأعرابى الجلف الجافى فى كل ما ذكرت ووصفت .
انصرفوا من عندى ، فإنه ليس بينى وبينكم إلا السيف وغضب ، وخرج القوم وشبث يقول :
أفعلينا تهول بالسيف ! أقسم بالله لُيعَجِلنَ بها إليك ..
أسلوب مستفز يقطع الحوار ولا يُوصِل بينه .
ورحم الله مصعب بن عمير الذى كان يدعو المشركين بأسلوبه الجاذب الرفيق الذى يدعو إلى التأمل والتواصل مع صاحبه ..
حقا إن سيرة الإمام "على" رضى الله عنه ..
تدعو .. بل تثير الأعجاب .. وتأخذ بالألباب
لأن الله عز وجل منحه من فيض فضله كثيرا من الصفات الانسانية السامية .. فحيثما طرق الراغب بابا من أبواب البطولة البشرية الحميدة وجده هناك فى العلم .. فى العدل .. فى الشجاعة .. فى الصدق .. فى المروءة .. فى العطاء .. فى الايثار فى الزهد .. فى الفقه .. فى التفسير .. فى التصوف .. إلخ
جاء عن ابن عباس فى قوله تعالى :
" الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية "
أنها نزلت فى على بن طالب ..
كان عنده أربعة دراهم .. فأنفق بالليل واحدا ..
وبالنهار واحدا .. وفى السر واحدا .. وفى العلانية واحدا
وجاء عن عامر بن سعد بن أبى وقاص عن ابيه قال :
" أمر معاوية سعدا فقال :
مايمنعك أن تسب أبا تراب (يعنى عليا) ؟
قال : أما ماذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم  فلن اسبه :
لأن يكون لى واحدة منهن أحب إلى من حمر النعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول لعلى وقد خلفه فى بعض مغازيه ، فقال له "على" :
يارسول الله تخلفنى مع النساء والصبيان ؟!
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم 
" أما ترضى أن تكون منى بمنزله هارون من موسى إلا أنه لانبوة بعدى ؟ "
وسمعته يقول يوم خبير :
لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله "
فتطاولنا لها .. فقال : أدعو لى عليا
فأتاه وبه رمد .. فتفل فى عينيه .. ودفع الراية إليه ففتح الله عليه .. وأنزلت هذه الآية :
" فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وأنفسكم " آل عمران/61 فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم  عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال :
" اللهم هؤلاء أهلى "
وعن ربعى بن حراش عن على بن أبى طالب قال :
لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم :
سهيل بن عمرو ، وأناس من رؤساء المشركين
فقالوا : خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا وليس بهم فقه فى الدين ، وإنما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا ، فارددهم إلينا
فقال النبى صلى الله عليه وسلم  :
يا معشر قريش ، لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين ، قد امتحن قلبه على الايمان .
قالوا : من هو يارسول الله ؟
فقال أبو بكر : من هو يارسول الله ؟
وقال عمر : من هو يارسول الله ؟
قال : خاصف النعل ، وكان قد أعطى عليا نعلا يخصفها
قال : ثم التفت إلينا " على " فقال :
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال :
" من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار "
قال (أى سعد بن وقاص) .. عن زر بن حبيش عن "على" قال :
لقد عهد إلىَّ النبى صلى الله عليه وسلم  :
" إنه لايحبك إلا مؤمن ولايغضبك إلا منافق "
وعن أم عطية قالت :
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  جيشاً فيهم "على"
فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول :
"اللهم لاتمتنى حتى ترينى عليا"
وعن جابر قال :
لما كان يوم الطائف دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم  عليا
ففاجاه طويلا .. فقال بعض أصحابه :
لقد أطال النجوى لابن عمه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :
" ما أنا أنتجيته ولكن الله انتجاه "
وعن عمران بن حصين قال :
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  جيشاً واستعمل عليهم على بن أبى طالب فمضى فى السرية ، فأصاب جارية ، فأنكروا عليه ..
فتعاقد أربعة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم  فقالوا :
إذا لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم  أخبرناه بما صنع "على"
وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول الله صلى الله عليه وسلم  فقام أحد الأربعة فقال :
يارسول الله .. ألم تر إلى على بن أبى طالب صنع كذا .. وكذا ؟
فأعرض عنه رسول الله ..
ثم قام الثانى فقال مثل مقالته ..
فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم 
ثم قام الثالث فقال مثل مقالته .. فأعرض عنه ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا :
فأقبل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  والغضب يُعرفُ فى وجهه فقال :
ماتريدون من "على" ؟ ماتريدون من "على" ؟ ماتريدون من "على" ؟ إن عليا منى وانا من على وهو مولى كل مؤمن من بعدى .
ومن قواعد الإسلام التى أكد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم  ضرورة الدعوة إلى الإسلام قبل بدأ القتال
حينما أعطى الرسول الراية لعلى يوم خيبر قال على :
يارسول الله : أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟
فقال : لتغد على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم أدعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله ، فوالله لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم
وعن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال :
شهدت عليا فى الرحبة() يناشد الناس :
أُنشدُ الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول : يوم غدير خم
ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجى أمهاتهم ؟
قلنا : بلى يارسول الله
فقال أى الرسول : من كنت مولاه " فعلى "مولاه
اللهم وال من والاه .. .. وعاد من عاداه
وجاء رجل إلى سعيد بن زيد -يعنى ابن عمرو بن نفيل-
فقال : إنى أحببت عليا حبا لم أحبه أحدا
قال : أحببت رجلاً من أهل الجنة
وعن ابن عمر قال :
آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم  بين أصحابه فجاء على تدمع عيناه فقال : يارسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤخ بينى وبين أحد
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : " أنت أخى فى الدنيا والآخرة "
التعرف على المنافقين :
قال أبو سعيد الخدرى : كنا نعرف المنافقين - نحن معاشر الأنصار ببغضهم "على" بن أبى طالب
ولم يُخفِ أنس رضى الله عنه أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم  - وقد أُهدىَ إليه طير - يدعو بدعوة صالحة هى :
" اللهم أتنى برجل يحبه الله ويحبه رسوله "
وأراد أنس أن ينال هذه الدعوة رجل من الأنصار ولكن جاء "على" فقرع الباب ..
ويقول أنس : فقلت :
" إن رسول الله مشغول "
ورجع "على" ثم عاد للمرة الثانية ..
واعتذر أنس كما فعل فى المرة الأولى
ورجع على رضى الله عنه وجاء للمرة الثالثة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  وكأنه يعاتب أنس :
" يا أنس ادخله فقد عنيته "
فلما أقبل قال الرسول : اللهم وال ، اللهم وال.
هذا قليل من كثير فى فضائل الإمام على كرم الله وجهه ذُكِرَ على عند عائشة فقالت:
مارأيت رجلاً أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  منه
ومارأيت امرأة كانت أحب إليه من امرأته
وقال على : أنا أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم  وابن عمه ..
لايقولها بعدى إلا كذاب ..
كان لشخصيته بريق خاص يجذب إليه أضداد الناس ..
المسرفين فى حبه -والمسرفين فى بغضه على السواء ولذا قيل فيه إنه فى هذه الأمة مثل المسيح بن مريم فى بنى اسرائيل .. أحبه قوم فكفروا فى حبه ‍‍‍‍!
وأبغضه قوم فكفروا فى بغضه !
دخل رجل على الحسن البصرى فقال :
يا أبا سعيد .. إنهم يزعمون أنك تبغض عليا ..
فبكى الحسن حتى اخضلت لحيته ثم قال :
كان على بن أبى طالب سهما صائباً من مرامى الله على عدوه وكان ربانى هذه الأمة وذا فضلها وسابقتها ، وذا قرابة قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، لم يكن بالنومة() عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  ولا اللومة() فى ذات الله ولا السروقة() لمال الله ..
أعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة ذلك على بن أبى طالب يالكع !
بائع الجمل .. وماء الحوءب .. ونباح كلابها
حَدَّثَ العرنى صاحب الجمل فقال :
بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لى راكب فقال :
ياصاحب الجمل .. تبيع جملك ؟ قلت : نعم
قال : بكم ؟ قلت : بألف  درهم
قال : مجنون أنت .. جمل يباع بألف درهم
قلت : نعم جملى هذا قال : ومم ذلك
قلت : ما طلبت عليه أحدا قط إلا ادركته
ولاطلبنى وأنا عليه أحد إلا فته
قال : لوتعلم لمن نريده لأحسنت بيعنا
قلت : ولمن تريده ؟ قال : لأمك :
قلت : لقد تركت أمى فى بيتها قاعدة ماتريد براحا
قال : إنما أريده لأم المؤمنين عائشة
قلت : فهو لك ، فخذه بغير ثمن
قال : لا ، ولكن ارجع معنا إلى الرحل فلنُعْطِك ناقة مهرية ونزيدك دراهم
فرجعت فأعطونى ناقة مهرية وزادونى أربعمائة أو ستمائة درهم
فقال لى : يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق ؟
قلت : نعم ، أنا من أدرك الناس .
قال : فسر معنا فسرت معهم فلا أمر على واد ولا ماء إلا سألونى عنه حتى طرقنا ماء " الحوءب" فنبحتنا كلابها
قالوا : أى ماء هذا ؟ قلت : ماء الحوءب
فصرخت عائشة بأعلى صوتها ، ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته
ثم قالت : أنا والله صاحبة كلاب الحوءب طروقا .. ردونى .. ردونى .. ردونى.. فأناخت وأناخوا حولها وهم على ذلك ، وهى تأبى حتى كانت الساعة التى أناخوا فيها من الغد
فجاءها ابن الزبير فقال :
النجاء النجاء فقد أدرككم والله على بن أبى طالب فارتحلوا ، وشتمونى .. وانصرفت
فما سرت إلا قليلا وإذا أنا بعلى وركب معه نحو من ثلثمائة
فقال لى على : ياأيها الراكب ! فأتيته فقال :
أين أتيت الظعينة ؟  قلت : فى مكان كذا وكذا ..
وهذه ناقتها .. وبعتهم جملى.
قال : وقد ركبته ؟ قلت : نعم وسرت معهم حتى أتينا ماء الحوءب فنبحت عليها كلابها فقالت كذا وكذا ..
فلما رأيت اختلاط أمرهم انفتلتُ وارتحلوا
قال " على " : هل لك دلالة بذى قار ؟ قلت : لعلى أدل الناس
قال : فسر معنا ، فسرنا حتى نزلنا ذا قار
فأمر على بن أبى طالب بجوالقين() فضم أحدهم إلى صاحبه ثم جئ برجل فوضع عليهما ثم جاء يمشى حتى صعد عليه وسدل رجليه من جانب واحد . ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد صلى الله عليه وسلم. ثم قال :
قد رأيتم ما صنع هؤلاء القوم وهذه المرأة فقام إليه الحسن فبكى .. فقال له على : قد جئت تخن خنين الجارية فقال : أجل ، أمرتك فعصيتنى ، فأنت اليوم تُقْتلُ بمضيعة()  لا ناصر لك.  
قال على : حدث القوم بما أمرتنى به ‍!
قال : أمرتك يوم أحيط بعثمان رضى الله عنه أن تخرج من المدينة فيقتل ولست بها ثم  امرتك يوم قُتِلَ ألا تبايع حتى يأتيك وفود أهل الأمصار والعرب وبيعة كل مصر
ثم أمرتك حين فعل هذان الرجلان ما فعلا أن تجلس فى بيتك حتى يصتلحوا ، فإن كان الفساد كان على يدى غيرك وأمرتك حين سارت هذه المرأة وصنع هؤلاء القوم ماصنعوا أن تلزم المدينة وترسل إلى من استجاب لك من شيعتك
قال على : صدق والله . ولكن يابنى قولك لو خرجت من المدينة حين أحيط بعثمان فوالله لقد أحيط بنا كما احيط به
وأما قولك : لاتبايع حتى تأتى بيعة الأمصار فإن الأمر أمر أهل المدينة ، وكرهنا أن يضيع هذا الأمر وأما قولك حين خرج طلحة والزبير ،
فإن ذلك كان وهناً على أهل الإسلام
يابنى ما كنت أكون كالضبع التى يحاط بها ويقال :
دباب دباب : ليست هاهنا حتى يحل عرقوباها ثم تخرج
إن النبى صلى الله عليه وسلم  قبض وما أرى أحداً أحق بهذا الأمر منى فبايع الناس أبا بكر فبايعت كما بايعوا
ثم إن أبا بكر رضى الله عنه هلك ..
وما أرى احداً أحق بهذا الأمر منى فبايع الناس عمر بن الخطاب فبايعت كما بايعوا ثم إن عمر رضى الله عنه هلك وما أرى أحداً أحق بهذا الأمر منى فجعلنى سهماً من ستة أسهم فبايع الناس عثمان رضى الله عنه فقتلوه .. ثم أتونى فبايعونى طائعين غير مكرهين فأنا مقاتل من خالفنى بمن اتبعنى حتى يحكم الله بينى وبينهم وهو خير الحاكمين!
أرأيت إلى هذا الحوار الذى دار ومازال يدور على صفحات التاريخ حتى الآن بين الأب وأبنه .
الأب أمير المؤمنين المقاتل المغوار الذى لايعبأ بالأخطار على بن أبى طالب .. والأبن هو الحسن الذى يكنى به ابوه الأب ينعى على أبنه أن يبكى بكاء الجارية الضغيرة والابن ينعى أباه الذى يراه وكأنما كشف عنه الغطاء مقتولاً بدار ضياع بلا ناصر.
الأب يرى أنه صاحب حق .. ولكن الناس بايعوا سواه فى كل مرة وهو يقبل بما قبله الناس إلى أن بايعوه بمحض اختيارهم دون قهر أو اجبار .. فلماذا النكول عن البيعة؟
إنه متمسك بها وسيحارب من أجلها
إنه مُصِرُ على قتال من خالفه بمن اتبعه .. مهما كانت نبوءة ابنه .
أتذكر يا زبير ؟
سار " على " من "الزاوية" يريد طلحة والزبير وعائشة وساروا من "الغرضة" يريدون عليا. وكان اللقاء عند موضع قصر عبيد الله بن زياد فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح قالوا " لعلى " : هذا الزبير
قال : أما أنه أحرى الرجلين إن ذُكِرَ بالله أن يذكره وخرج طلحة ، فخرج إليهما على .. فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابهما
فقال على : لعمرى لقد أعددتما سلاحاً وخيلا ورجالا إن كنتما أعددتما عند الله عذرا فاتقيا الله سبحانه ولاتكونا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا
ألم أكن أخاكما فى دينكما تحرمان دمى وأحرم دماءكما ؟
فهل من حدث أحل لكم دمى ؟
قال طلحة : ألبت الناس على عثمان رضى الله عنه
قال على :
" يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق
        ويعلمون أن الله هو الحق المبين "         النور 25
يا طلحة .. تطلب بدم عثمان رضى الله عنه !
فلعن قتلة عثمان !
يازبير أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  فى بنى غنم فنظر إلىَّ الرسول فضحك وضحكت إليه
فقلت أنت : لايدع ابن أبى طالب زهوة ..
فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم  :
صه ، إنه ليس به زهو ، ولتقاتلنه وأنت له ظالم ؟
فقال الزبير : اللهم نعم ، ولو ذكرت ماسرت مسيرى هذا والله لا أقاتلك أبدا..
فانصرف على إلى أصحابه فقال :
ام الزبير فقد أعطى الله عهداً ألا يقاتلكم.
ونادى على طلحة وقال له :
يا طلحة : جئت بعرْسِ (زوجته السيدة عائشة) رسول الله صلى الله عليه وسلم 
تقاتل بها وخبأت عِرْسَكَ فى البيت  ..
أما بايعتنى ؟
قال : بايعتك وعلى عنقى اللّج
فقال على لأصحابه :
أيكم يعرض عليهم هذا المصحف وما فيه
فإن قطعت يده أخذه بيده الأخرى وإن قطعت أخذه بأسنانه ؟
قال فتى شاب : أنا
فطاف على على أصحابه يعرض ذلك عليهم
فلم يقبله إلا ذلك الفتى
فقال على : أعرض عليهم هذا وقل :
هو بيننا وبينكم من أوله إلى أخره
والله فى دمائننا ودمائكم
فَحُمِلَ على الفتى وهو فى يده المصحف ، فقطعت يداه
فأخذه بأسنانه حتى قتل
فقال على : قد طاب لكم الضِّراب (أى القتال)
فقاتلوهم .. فقتل يومئذ سبعون رجلاً كلهم يأخذ بخطام الجمل
فقالت أم الفتى بعد ذلك فى رثاء أبنها :
        اللهم إن مسلما دعاهم
                يتلو كتاب الله لا يخشاهم
        وأمهم قائمة تراهم
                يأتمرون الغى لاتنهاهم
        قد خضبت من علق لحاهُمُ

وهكذا لم يبدأ الامام على القتال إلا بعد حوارهم واثبات أنهم بايعوه بالخلافة .. واستحلفهم بالمصحف فقتلوا حامله .
ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها :
ما كنت فى موطن منذ عقلت إلا وأنا أعرف فيه أمرىغير موطنى هذا .
قالت : فما تريد أن تصنع ؟
قال : أريد أن أدعهم وأذهب
قال له ابنه عبد الله :
جمعت بين هذين الجيشين حتى إذا حدد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب !
أحسست رايات ابن أبى طالب وعلمت أنها تحملها فتية أنجاد
قال : إنى قد حلفت ألا أقاتله - أحفظه ماقاله ابنه له -
فقال ابنه وكأنه يأتى له بأفضل الحلول :
كفر عن يمينك وقاتله
وانتصر شيطان الفرقة فدعا بغلام له يقال له مكحول فأعتقه
فقال عبد الرحمن بن سليمان التيمى :

        لم أرى كاليوم أخا أخوانى
        أعجب من مكفر الايمان
        بالعتق فى معصية الرحمن
وقال  آخر :
        يعتق مكحولاً لصون دينه
        كفارة لله عن يمينه
        والنكث قد لاح على جبينه
لقاء أخوة الإسلام :
انهزم الناس فى صدر النهار فنادى الزبير فيهم ..
أيها الناس هلم إلىَّ .. أنا الزبير ومعه مولى له ينادى  :
أعن حوارى رسول الله تنهزمون
وأقبل عمار .. والتقى به وجهاً لوجه وجعل يحوزه بالرمح .. ونظر له الزبير وفى لحظة أسرع من سرعة الضوء عاد إلى عمار ماضيهما كله .. يرفرف بجناحيه الجليلين سبقهما إلى الإسلام .. صحبتهما للرسول عليه الصلاة والسلام  قتالهما المتوحد ضد المشركين ، ما أبعد المواقف بين الأمس واليوم
قال الزبير : وقد حازه عمار بالرمح :
أتريد أن تقتلنى يا أبا اليقظان ،! قال عمار والدموع تملأ عينيه :
لا يا أبا عبد الله
قال محمد بن الحنفيه "بن على بن أبى طالب" دفع إلىَّ أبى الرايا يوم الجمل وقال :
تقدم فتقدمت حتى لم أجد متقدماً إلا على رمح قال :
تقدم لا أم لك .. فتكأكأت وقلت :
لا أجد متقدماً إلا على سنان رمح فتناول الراية من يدى متناول لا أدرى من هو !
فنظرت فإذا أبى بين يدى وهو يقول :
        أنت الذى غرك منى الحُسنى
        ياعيش إن القوم قوم أعدا
        الخفض خير من قتال الأبنا
سيف الزبير :
لما أنهزم الناس يوم الجمل عن طلحة والزبير مر الزبير بعسكر الأحنف فلما رأه وأخبر به قال :
والله ما هذا باختيار لهم .. من يأتينا بخبره ؟
قال عمرو بن جرموز لأصحابه : أنا ..
فلما لحقه نظر إليه الزبير وكان شديد الغضب - قال : ما ورائك ؟
قال : إنما أردت أن اسألك فقال غلام للزبير كان معه : إنه مُعد (عدو)
قال الزبير : ما يخيفك من رجل ؟ وحضرت الصلاة
قال ابن جرموز : الصلاة
فقال الزبير : الصلاة
فنزلا واستدبره ابن جرموز فطعنه من خلفه فى جيب درعه فقتله وأخذ فرسه وخاتمه وسلاحه وخلى عن الغلام فدفنه بوادى السباع .. رجع للناس بالخبر
فأما الأحنف فقال : والله ما ادرى أحسنت أم أسأت
ثم انحدر إلى " على " وابن جرموز معه فدخل عليه فأخبره فدعا بالسيف فقال :
سيف طالما جلّى الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأقبل على الأحنف فقال : تربصت
قال الأحنف : ما كنت أرانى إلا أحسنت ، وبأمرك كان ما كان يا أمير المؤمنين فأرفق فإن طريقك الذى سلكت بعيد وأنت إلىّ غداً أحوج منك أمس ..
فاعرف احسانى واستصف مودتى لغد ولا تقولن مثل هذا فإنى لم أزل لك ناصحاً!
الخطام ..
قال عبد الله بن الزبير :
مشيت يوم الجمل وبى سبع وثلاثون جراحة من ضربة وطعنة وما رأيت مثل يوم   الجمل قط ، ما ينهزم منا أحد ...
وما نحن إلا كالجبل الأسود . ومايأخذ بخطام الجمل أحد إلا قُتِلَ فأخذه عبد الرحمن بن عتاب فقتل .. فأخذه الأسود بن أبى البخترى فصرع .. وجئت فأخذت بالخطام فقالت عائشة : من أنت ؟
قلت عبد الله بن الزبير
قالت : واثكل أسماء !
ومر بى الأشتر فعرفته فعانقته فسقطنا جميعاً وناديت : (أقتلونى ومالكاً)
فجاء ناس منا ومنهم فقاتلوا عنا حتى تحاجزنا .. وضاع الخطام . ونادى " على " :
أعقروا الجمل فإنه إن عقر تفرقوا فضربه رجل فسقط .. فما سمعت صوتاً قط أشد من عجيج الجمل وأمر "علّى" محمد بن أبى بكر فضرب عليها قبة وقال :
انظر هل وصل إليها شئ ؟ فأدخل رأسه
فقالت : من أنت ويلك ؟!
فقال أبغض أهلك إليك ، قالت : ابن الخثعمية ؟
قال : نعم ، قالت : بأبى أنت وأمى
الحمد لله الذى عافاك
ــــــــــ
ولما أمسى الناس وتقدم " على " وأحيط بالجمل ومنْ حوله وعقره بُجير بن دُلجة .. وقال : إنكم أمنون  ، كف بعض الناس عن بعض .
قال " على " :

        إليك أشكو عُجَرى وبجرى
                    ومعشراً غشَّوْا علىَّ بصرى
        قتلت منهم مضرا بمضرى
                    شفيت نفسى وقتلت معشرى !
وسُئِلَ بجير : لم عقرت الجمل ؟
فقال : رأيت قومى يقتلون فخفت أن يفنوا ورجوت إن عقرته أن يبقى لهم بقية
ثأر عثمان ممن يطالب بدمه !
يبدو ان طلحة رضى الله عنه راجع نفسه واستعاد ما كان منه لعثمان رضى الله عنهما .. واتته لحظة صفاء النفس وهو يقاتل فى وقعة الجمل فاتجه إلى الله تعالى طالباً منه أن يطهره مما فعل فقال :
" اللهم اعط عثمان منى حتى يرضى "
وكأنما استجاب الله دعوته .. فجاءه سهم لايدرى من أين جاء وهو واقف بفرسه فسال دمه فلما شعر بالتعب والثقل وقرب النهاية قال لمولاه : أردفنى  وابغنى مكانا لا أُعرفُ فيه ..فلم أر كاليوم شيخاً اضيع دماً منى فركب مولاه وأمسكه وجعل يقول:
قد لحقنا القوم حتى انتهى به إلى دار من دور البصرة خربة وأنزله فى ساحتها فمات فى تلك الخربة ، ودفن رضى الله عنه فى بنى سعد
لقاء عمار وعائشة رضى الله عنهما :
قال عمار بعدما عُقِرَ الجمل :
كيف رأيت ضرب بنيك اليوم يأمة ؟ !
قالت : من أنت ؟ 
قال : أنا ابنك البار عمار
قالت : لست لك بأم
قال : بلى وإن كرهت
قالت : فخرتم أن ظفرتم .. وأتيتم مثل ما نقمتم -هيهات والله لن يظفر من كان هذا دأبه.
وأبرزوها بهودجها من القتلى ، ووضعوها ليس قربها أحد .. وكان هودجها كأنه قنفذ مما رمى فيه من النبل
وجاء " أعين بن ضبيعة المجاشعى حتى نظر فى الهودج فقالت : إليك لعنك الله
فقال : والله ما أرى إلا حميراء
قالت : هتك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك !
فقتل بالبصرة وسلب وقطعت يده ورمى به عرياناً فى خربة من خربات الأزد
حلم .. عفو .. تكريم
دخل " على " وتوجه للقاء عائشة رضى الله عنها بدار عبد الله بن خلف أعظم دار بالبصرة فوجد النساء يبكين على عبد الله وعثمان ابنى خلف مع عائشة ، وصيفة ابنة الحارث مختمرة تبكى فلما رأته قالت :
يا على ، يا قاتل الأحبة ، يامفرق الجمع ، أيتم الله بنيك منك كما أيتمت ولد عبد الله منه !
فلم يرد عليها بشئ
ولم يزل على حاله حتى دخل على عائشة فسلم عليها وقعد عندها وقال لها : جبهتنا صفية (أى واجهتنا بكلام لايليق)
أما إنى لم أرها منذ كانت جارية صغيرة حتى اليوم
فلما خرج أقبلت عليه فأعادت عليه الكلام ..فكف بغلته وقال :
إنى هممت - وأشار إلى أبواب من الدار - أن افتح هذا الباب وأقتل من فيه ، ثم هذا فأقتل من فيه ثم هذا فأقتل من فيه - وكان أناس من الجرحى قد لجئوا إلى عائشة فأُخبِر على بمكانهم عندها ، فتغافل عنهم
فسكتت
فخرج على فقال رجل من الأزد
والله لاتفلتن هذه المرأة فغضب على وقال :
صه ! لا تهتكن سترا ولا تدخلن دارا ..
ولا تهيجن امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسفهن أمراءكم وصلحاءكم .. فإنهن ضعاف ولقد كنا نؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات وإن الرجل ليكافئ المرأة ويتناولها بالضرب فَيُعيَر بها عقبة من بعده .. فلا يبلغنى عن أحد عرض لأمرأة فأنكل به شرار الناس ..
ومضى " على " .. فلحق به رجل فقال :
يا أمير المؤمنين .. قام رجلان ممن لقيت على الباب فتناولا من هو أشد لك شتيمة من صفية
قال : ويحك .. لعلها عائشة
قال : نعم قام رجلان منهم على باب الدار فقال أحدهما :
" جُزيتَ عنا أمنا عقوقاً "
وقال الآخر :
" يا أمنا توبى فقد خطيت "
فبعث القعقاع بن عمرو إلى الباب .. فأقبل بمن كان عليه فأحالوا على رجلين فقال :
أضرب أعناقهما ، ثم قال : لأنهكنهما عقوبة فضربهما مائة مائة ، وأخرجهما من ثيابهما
وهما رجلان من أزد الكوفة يقال لهما عجل وسعد ابنا عبد الله
ــــــــــــــــــــ
كان من سيرته فيمن قاتل يوم الجمل :
ألا يقتل مدبرا وألا يذفف (يجهز) على جريح -ولايكشف سترا- ولايأخذ مالا
فقال قوم يومئذ ينتقدونه :
    يحل لنا دماءهم         .........    ويحرم علينا أموالهم
فقال : القوم أمثالكم         .........     من صفح عنا فهو منا ونحن منه          
ومن لجَّ حتى يصاب فقتاله منى على الصدر والنحر
    وإن لكم فى خمسة لغنى         ......        فيومئذ تكلمت الخوارج
ــــــــــــــ
كان قتلى الجمل حول الجمل عشرة آلاف ..
نصفهم من أصحاب " على " ونصفهم من أصحاب عائشة من الأزذ الفان -من اليمن خمسمائة- من مضر الفان
من قيس خمسمائة ، ومن تميم خمسمائة وألف من بنى ضبة وخمسمائة من بكر وائل
وقيل : قتل عشرة ألاف من أهل البصرة وخمسة آلاف من الكوفة ..
وقتل من بنى عدى سبعون شيخاً كلهم قد قرأ القرآن سوى الشباب ومن لم يقرأ القرآن ....
تكريم  عائشة رضى الله عنها
جهز " على " رضى الله عنه عائشة أم المؤمنين بكل ما ينبغى لها من زاد أو متاع ، وأخرج معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام . واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات وقال :
تجهز يا محمد فبلغها ..
فلما كان اليوم الذى ترتحل فيه جاءها حتى وقف لها وحضر الناس ، فخرجت عليهم وودعوها وودعتهم وقالت : يا بنىَّ .. تعتب بعضنا على بعض استبطاءً واستزاده فلا يَعْتَدَّنَّ أحد منكم على أحد بشئ بلغه من ذلك إنه والله ما كان بينى وبين " على " فى القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها ..
وإنه عندى - على معتبتى - من الأخيار
وقال على :
أيها الناس .. صدقت والله برت .. وما كان بينها وبينى إلا ذلك وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم  فى الدنيا ولآخرة
ــــــــــ
قال لها عمار بن ياسر حين فرغ القوم :-
يا أم المؤمنين ..
ما أبعد هذا المسير
من العهد الذى عهد إليك !
قالت : أبو اليقظان
قال : نعم
قالت : والله إنك - ما علمت - قوال بالحق
قال : الحمد لله الذى قضى لى على لسانك .
وقفة أمام وقعة الجمل ..
كان صراع الثلاثة الكبار من الصحابة - على والزبير وطلحة ومعهم أم المؤمنين عائشة رضى الله عنهم اجمعين ...
فرصة يفيد منها معادية فى صراعه مع الإمام على ..
فقد أسفر الصراع عن مقتل اثنين من كبار الصحابة ومن أهل الشورى الستة الذين توفى الرسول صلى الله عليه وسلم  وعنهم راض .. ولم يبق منهم سوى اثنين احدهما المطالب بالخلافة والاخر سعد بن ابى  وقاص الذى لم يشارك فى هذا الصراع قائلاً  كلماته المشهوره  التى يرد بها على كل من يسأله :
ما يمنعك من القتال ؟
يقول : لا أقاتل حتى تاتونى بسيف ذى عينين  ولسان وشفتين فيقول : هذا مؤمن وهذا كافر . . او بسيف يعرف المؤمن من الكافر
هذا الصحابى رأى ما يحدث : فتنة فاعتزلها ورفض ان يشارك فيها
فمعاويه آمن من جهة هذا  الصحابى الجليل .. ولم يعد احد ينازعه سوى " على " الذى خاض معركة الجمل فكانت الخسائر فيها ما يقرب من عشرين ألف قتيل نصفهم من أتباعه والنصف الآخر من أتباع الزبير وطلحة .. وهى خسارة فادحة حتى مع الانتصار فى ميدان القتال ..
ولايشك أحد فى أنه قتال بين مسلمين ومسلمين أهل ملة واحدة .. وليس قتالاً بين مؤمنين ومشركين أيام كانوا تحت قيادة خاتم المرسلين.
ألا يعتبر هذا تحولا خطيرا فى التاريخ الاسلامى حزن له على ابن طالب رغم انتصاره وصلى على جميع القتلى من أهل البصرة أو أهل الكوفة وصلى على قريش من هؤلاء وهؤلاء فكانوا مدنيين ومكيين ، وجعل كلما مر برجل فيه خير قال :
زعم من زعم أنه لم يخرج إلينا إلا الغوغاء !
إنه لا تنافس على رسالة الرسل ونبوة الأنبياء لأنها من اختيار الله عز وجل .. فالتنافس عليها كفر ..
أما التنافس على الخلافة فهو من اختيار الناس
والتنافس عليها يدور فى نطاق المشروع طالما أنه لاتتخذ وسائل غير مشروعة فى التنافس.
وقد اختلفت صورة الاختيار خلال عهد بن قصيرين من عهود الاسلام. فالطريقة التى تم اختيار أبى بكر بها تختلف عن الطريقة التى أُتِخذَت فى اختيار عمر تختلف عن الطريقة التى وضعها عمر لاختيارالخليفة من بعده
فاختيار أبى بكر رضى الله عنه تم بعد أخذ ورد بين المهاجرين والأنصار وبعد طرح أسماء المرشحين لها .. ثم بايعه المسلمون .. ووجد من تأخر عن بيعة وقتا طال أو قصر ..
واختيار عمر تم باختيار أبى بكر رضى الله عنهما ولم يعلم به عامة المسملين إلا بعد وفاة أبى بكر وتلاوة كتاب ترشيحه أو تعيينه .. ثم تمت البيعة العامة له.
واما عمر فقد اتخذ  أسلوباً آخر لاختيار خليفة المسلمين
وقال : إن تركت تحديد الخليفة فقد تركه من هو خير منى ..
يعنى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم  .. وإن اخترت واحداً للمسلمين فقد فعل ذلك أبو بكر .. فجعل اختيار الخليفة يكون من بين ستة حددهم وهم الذين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.
فاختيار خليفة للمسلمين أمر مرن غير جامد ولا متجمد تشارك فيه الظروف والملابسات المحيطة بالمجتمع الاسلامى وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لايدخل فى حلبة التنافس جيل آخر خاصة وأن الجيل الذى حدده عمر لم يبق ممن يصلح للترشيح إلا اثنان بعد مقتل اثنين فى نزاع مسلح ..
ولماذا لايدور بذهن معاوية أنه مرشح عمر بن الخطاب الذى اختاره واليا على الشام ولم يعزله عنه طوال حياته واستمر بعده طوال حياة الخليفة الثانى .. حافظاً موقعه باذلاً جهده فى الجهاد عابراً البحار لأول مرة فى التاريخ الاسلامى .
لا أقول بذلك تفضيلاً لمعاوية على " على " وإلا اختلت موازين كثيرة .. ولكنا نقوله بمنطق ما طرأ على الأمة الاسلامية من أحداث وتطورات حفرت طريقها فى المجتمع الاسلامى . ساعدت على ابراز معاوية وظهوره على الساحة فى الوقت الذى تم فيه اختيار الإمام على كرم الله وجهه خليفة أو أميراً للمؤمنين.
بل لقد رأينا شيئاً من هذا الاحتجاج على لسان معاوية   مع بعض المتمردين حين طالبه بالاعتزال لوجود من هو أحق منه بالخلافة .. ولم يجبن معاوية عن الإجابة رغم أنه يعرف إلى من يشير الرجل .. وأنه يشير إلى على رضى الله عنه
قال معاوية : من هو ؟
قال صعصعة :  " من كان ابوه أحسن قدماً من أبيك وهو بنفسه أحسن قدماً منك فى الاسلام "
قال معاوية :
والله إن لى فى الإسلام قدماً ، ولغيرى كان أحسن قدماً منى ، ولكنه ليس فى زمانى أحد أقوى على ما أنا فيه منى ..
" ولقد رأى ذلك عمر بن الخطاب "
فلو كان غيرى أقوى منى لم يكن لى عند عمر هوادة ولا لغيرى ولم أُحدث من الحدث ما ينبغى لى أن أعتزل عملى ..
ظروف جديدة فتحت الطريق أمام معاوية ووضعت ما يقابله من الصعاب والعقبات أمام "على" رضى الله عنه :
إن تصارع الكبار يُطمِعُ فيهم من هم أقل منهم .. ويقلل الهيبة فى النفوس .. ويفتح الباب والنوافذ لرياح الجراءة إلى حد السباب على المنابر .. ولعن من يحرم الاسلام لعنه لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن لعن شارب الخمر الذى يقام عليه الحد بقوله :
" لاتعينوا الشيطان على أخيكم فكيف بمن يستبيح لنفسه ولغيره لعن رجل من آل بيت النبى وله فى التاريخ الاسلامى وأمجاده ماتضيق عنه الصفحات الطوال"
لكنه العصر الذى تخلخلت فيه القيم وهبط فيه مؤشر الوازع الدينى.
ـــــــــــ
كان " على بن أبى طالب" يمثل عصر الطهارة .. عصر العفة فى كل شئ عفة اليد وعفة اللسان حتى مع مقاتليه .. كان يعيش فى العصر النبوى لأنه تربى فيه .. رضع الايمان صغيراً .. ونمت عضلاته عليه كبيراً .. ولكنه عصر النبوة لم يعد هو نفس العصر فى عهد معاوية فقد جرت مياه كثيرة فى النهر حملت معها كثيراً من رواسب ما قبل الاسلام فضلاً عن رواسب ما استجد بعد ذلك .
ـــــــــــ
كان الإمام  منصفاً لمقاتليه ..
سئل أهم من الكافرين حتى تقاتلهم ؟
فقال بل من الكفر فروا
قيل : فلم تقاتلهم إن كانوا مؤمنين ؟
قال : لأنهم نكثوا البيعة وفرقوا جماعة المسلمين
قالوا : من هم إذن ؟
قال : إخواننا بغوا علينا

بل إنه عاقب من اساءوا إلى أم المؤمنين عائشة بالقول .. كاد يقتلهم ثم عاقبهم بجلد الواحد منهم مائة جلدة.
وبعد عقر الجمل الذى قتل من حوله من قتل وانفضاض الناس من حولها دنا "على" رضى الله عنه من هودجها وحادثها فقالت له :
يا ابن أبى طالب ملكت فاسجح .. والسجيحة كانت خلقه والعفو كان من شيمته .. فجهزها بأحسن الجهاز ، وبعث معها أربعين امرأة قيل إنهم كانوا يرتدون ملابس الرجال وودعها عند رحيلها وقال لمن حضر : إنها زوجة نبيكم فى الدنيا والآخرة ..
قيل أن القعقاع  بن عمر دخل على عائشة فى أول من دخل دار عبد الله بن خلف  .. فسلم عليها فقالت :
إنى رأيت بالأمس رجلين واجتلدا بين يدى وارتجز بكذا فهل تعرف كوفيك منهما ؟
قال : نعم . ذاك الذى قال : "أعقُ أم نعلم"
وكذب والله .. إنك لأبر أم نعلم ، ولكن لم تطاعى
فقالت : والله لوددت أنى مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة وخرج فأتى عليا فأخبره أن عائشة سألته ..
فقال له " على " : ويحك .. من الرجلان ؟
قال : ذلك أبو هالة الذى يقول :
"كيما أرى صاحبه عليا"
فقال : والله لوددت أنى مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة فكان قولهما واحد.
ــــــــــــ
عن أبى وائل قال :
قلت لعبد الرحمن بن عوف :
كيف بايعتم عثمان وتركتم عليا ؟
فقال : ماذنبى ؟ قد بدأت بعلى فقلت :
أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبى بكر وعمر فقال : فيما استطعت
ثم عرضتها على عثمان فقبلها
ـــــــــــــ
ولما بايعه الناس تخلف عن بيعة جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وسعد وأسامة وغيرهم .. فلم يلزمهم بالبيعة وسئل "على" عمن تخلف عن بيعته فقال :
أولئك قعدوا عن الحق ، ولم ينصروا الباطل

سئل أبو أيوب الأنصارى : قاتلت بسيفك هذا المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  ثم جئت تقاتل المسلمين ، قال :
امرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم  بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين إذن فقتال الناكثين كان وارداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 
عن على بن ربيعة قال :
سمعت عليا على منبركم هذا يقول :
عهد إلىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن أقاتل الناكثين والمقاسطين والمارقين
وروى أن ابن عمر قال حين حضره الموت :
" ما أجد فى نفسى من الدنيا إلا انى لم اقاتل الفئة الباغية "
وقال ابن عمر فى رواية أخرى :
ما آسى على شئ إلا أنى لم أقاتل مع على بن أبى طالب الفئة الباغية
وقال الشعبى : ما مات "مسروق" حتى تاب إلى الله تعالى من تخلفه عن القتال مع على
القتال على تأويله !!
عن أبى سعيد قال :
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  فانقطع شسعه() فأخذها "على" يصلحها ، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال :
" إن منكم رجلاً يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله "
فاستشرف لها القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :
" لكنه خاصف الفعل "
فجاء فبشرناه بذلك ، فلم يرفع به رأسا .. كأنه شئ قد سمعه من النبى صلى الله عليه وسلم  .
وثبت فى صحيح البخارى من حديث الحسن عن أبى بكرة رضى الله عنه
قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم  خطب يوماً ومعه على المنبر الحسن بن على رضى الله عنهما فجعل ينظر إليه مرة وإلى الناس أخرى ويقول :
إن ابنى هذا سيد ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظمتين من المسلمين"
 ـــــــــــــــ

فكان الحسن كما قال صلى الله عليه وسلم  أصلح الله تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق بعد الحروب الطويلة والواقعات المهولة
قال الله تعالى :
" وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بيننهماصلى فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر اللهج فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطواصلى إن الله يحب المقسطين "                     الحجرات/9
" إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكمصلى وأتقوا الله لعلكم ترحمون "
                                        الحجرات الآية 10
هكذا يأمر الله عز وجل بالاصلاح بين الفئتين الباغيتين بعضهم على بعض ، فسماهم "مؤمنين" مع الاقتتال وبهذا استدل البخارى وغيره على أن المعصية وإن عظمت لاتخرج المؤمن عن الايمان. وهذا يخالف ما يقول به الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم
فإن بغت أحداهما على الأخرى فقالوا الفئة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله ورسوله وتسمع للحق وتطيعه كما ثبت فى الصحيح عن أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال : " انصر أخاك ظالما أو مظلوما "
قال أنس : " يارسول الله هذا نصرته مظلوماً فكيف انصره ظلماً ؟
قال صلى الله عليه وسلم : " تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه "
وجاء عن أنس أنه قال فى أسباب نزول هذه الآيات :
قيل للنبى صلى الله عليه وسلم  لو أتيت عبد الله بن أُبىُ - كان رأس المنافقين فى المدينة - لدعوته إلى الإسلام ، وكان رسول الله لايكف عن جهد يبذله فى سبيل نشر الدعوة إلى الله تعالى:
فانطلق النبى صلى الله عليه وسلم  إلى ابن أبى راكباً حماراً وانطلق المسلمون يمشون وكانت الأرض سبخة فلما جاءه الرسول وألقى عليه السلام
قال له عبد الله بن أبى رأس المنافقين فى المدينة :
" إليك عنى فوالله لقد  آذانى ريح حمارك " !
فقال رجل من الأنصار : " والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم  أطيب ريحاً منك "
فغضب لعبد الله رجال من قومه . وغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدى والنعال ، فقيل إنها أنزلت فيهم " وإن طائفتان من المؤمنين..
ولكن الحكم الوارد فى هذه الآيات حكم عام يشمل جميع أنواع الاقتتال وبكل أنواع الأسلحة ..
ولايتصور أنه قاصر على الاقتتال بالنعال !
أو بالأيدى أو بالجريد .. فكل هذه أدوات بدائية لاتشكل خطراً يذكر .. وميزة القرآن أنه كلام الله تعالى الصالح لكل زمان ومكان !
ولعل المؤمنين يصبحون قادرين ذات يوم على تشكيل قوة اسلامية قوية قادرة على التدخل إذا ما نشب  قتال بين طرفين مؤمنين دون حاجة إلى الالتجاء إلى التدخلات الأجنبية التى لها أهدافها الخاصة المدمرة لقدرات العالم الاسلامى سواء الحربية أو المدينة كما نلاحظ فى العصر الذى نعيشه أو بالأحرى فى العصر الذى يعيشنا طبقاً لمطامعه وأهوائه وليس طبقاً لمصالحنا الحيوية وأهدافنا القومية.
وقد ذكر المفسرون عدة صور لهذه الاشتباكات القديمة التى يمكن أن تطبق عليها هذه الآيات .. اكتفينا بذكر إحداها لنعلم أنها ليست قاصرة على تلك الصور البدائية التى نشبت فى الماضى وقت نزولها .والنص القرآنى الكريم يحدد من يجب عليه التدخل لفض النزاع بين المؤمنين بأنه منهم وليس طرفاً أجنبياً "فأصلحوا" أى أنتم و"قاتلوا" أى أنتم وليس أحد سواكم .
قدم " على " بجيشه على معاوية وأهل الشام بصفين . وكان معاوية قد سبقهم إلى مكان منبسط واسع نزل فيه برجاله بحيث يتحكمون منه فى مورد الماء وصفوا الخيل والرجال وقدموا الرماة أمامهم واجمعوا على منع الماء عن " على " ورجاله.
دعا " على " صعصعة فقال له :  أمض إلى معاوية فقل له :
إنا سرنا سيرنا هذا إليكم ، ونحن نكره قتالكم قبل الاعذار إليكم وإنك قدمت إلينا خيلك ورجالك فقاتلنا قبل أن نقاتلك وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك ونحتج عليك .. وهذه أخرى قد فعلتموها ، قد حلتم بين الناس والماء والناس غير منتهين أو يشربوا ، فابعث إلى أصحابك فليخلوا بين الناس وبين الماء ويكفوا حتى ننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا له وقدمتم له :
وإن كان أعجب إليك أن نترك ما جئنا له ..
ونترك الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا.
فقال معاوية لأصحابه : ماترون
فقال الوليد بن عقبة :
امنعهم الماء كما منعوه عثمان بن عفان رضى الله
حصروه أربعين صباحاً يمنعون برد الماء ولين الطعاما اقتلهم عطشا قتلهم الله عطشا
قال عمرو بن العاص :
خل بينهم وبين الماء ، فإن القوم لن يعطشوا وأنت ريان ولكن بغير الماء ، فانظر ما بينك وبينهم
قال عبد الله بن أبى السرح :
امنعهم الماء إلى الليل ، فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا ورجوعهم يعتبر فلاً (هزيمة)
أمنعهم الماء منعهم الله يوم القيامة !
فقال صعصعة :
إنما يمنعه الله عز وجل يوم القيامة الكفرة الفسقة وشربة الخمر ضربك وضرب هذا الفاسق - يعنى  الوليد بن عقبة -
فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهددونه
فقال معاوية : كفوا عن الرجل فإنه رسول
قال صعصعة لمعاوية :
فماردك على ماقلنا
قال معاوية : سيأتيكم رأيى
قال صعصعة : فوالله ماراعنا إلا تسريته الخيل إلى القائد أبى الأعور ليكفهم عن الماء ..
فأبرزنا " على " إليهم ، فارتمينا ثم اطَّعنا ، ثم اضطربنا بالسيوف فنُصِرنا عليهم ، فصار الماء فى أيدينا ..
فقلنا : لا والله لانسقيهموه
فأرسل إلينا "على" : أن خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا إلى عسكركم ، وخلوا عنهم فإن الله عز وجل قد نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم
وهكذا يبدو الفارق واضحاً جليا بين الليل والنهار فريق لايبدأ بالقتال إلا بعد أن يقدم مالديه من حجج وبراهين على سلامة موقفه ويعرف رأى غريمة ثم إنه يُمنعُ من الماء فيجد نفسه مضطراً للقتال عليه حتى لايموت ظمأ فهو قتال حتمى يرتفع إلى الله تعالى ومعه العذر فى الاقدام عليه .. وحينما ينتصر ويحوز الماء ويصبح فى موقف يُجيز له منعه عن غريمه معاملة له بالمثل لايستغل هذا الموقف ليحقق منه انتصارات أخرى تبدو فروسية الإمام وشهامته وشجاعته فيأمر أتباعه الشجعان بالسماح لهم بالشرب وأخذ ما يحتاجون إليه من الماء الذى جعل الله منه كل شئ حى ..
وهذه هى أخلاق الإمام الملازمة له فى جميع المواقف
مقياس الحق (الترمومتر البشرى) عمار بن ياسر
التفرق والتشرذم القبلى صهره محمد عليه فى بوتقة الايمان على مدى ثلاث وعشرين سنة وجعل منه وحدة اسلامية
وأخوة ايمانية تقتحم الكفر وتقف متراصة كالبنيان المرصوص فى وجه المشركين
" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار "
 رحماء بينهم " .. آخر سورة الفتح
حتى إذا جاء هذا العهد الذى أُمتشقت فيه السيوف والرماح بين أهل الملة الواحدة .. اختلفت نوعية المواجهة ..
بعدما كانت المعارك تجرى بين مؤمنين وكافرين صارت تدور رحاها بين فريق واحد من المؤمنين يقاتل بعضهم بعضاً وكانوا فيما مضى يقاتلون جنبا إلى جنب .. واختلفت الآراء حتى فيما بين كبار الصحابة وان اتفق الجميع على أن هذه الحروب كانت ابتلاء من الله تعالى .. وفتنة كبرى ما تزال آثارها تعمل حتى الآن .. فنجد من كبار الصحابة من اعتزلها ورأى السلامة فى هذا الاعتزال لأنه ليس لديه السيف الذى يفرق بين المسلم والكافر على حد قول سعد بن أبى وقاص .. كما أن منهم من اعتزلها ثم ندم على ما فعل فى نهاية العمر. كما أن فريقاً آخر كان يقاتل وهو يعلم أنه على الحق المبين.
انطلق أبو مسعود وحبة بن جوين العرنى إلى حذيفة بالمدائن فقال مرحباً بهما :
ماخلفتما من قبائل العرب أحدا أحب إلى منكما
فقالا له : يا أبا عبد الله : حدتنا فأنا نخاف الفتن
فقال : عليكما بالفئة التى فيها ابن سمية إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول : " تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق ، وإن آخر رزقه ضياح() من لبن"
قال حبة بن جوين : فشهدته يوم صفين وهو يقول : ائتونى بآخر رزق لى من الدنيا ، فأُتى بضياح من لبن فى قدح فيه سعة (أروح) له حلقة حمراء ، فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة .
فقال عمار:
اليوم ألقى الأحبة محمداً وصحبه
والله لو ضربونا حتى يبلغوا منا سعفات هجر لعلمنا أنَّا على الحق وأنهم على الباطل، وجعل يقول :
الموت تحت الأسل() ، والجنة تحت البارقة()
وقال عمار يومئذ :
اين من يبتغى رضوان الله عليه ، ولايثوب إلى مال ولا ولد فأتته عصابة من الناس ، فقال :
أيها الناس ، اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفان ، ويزعمون أنه قتل مظلوما ، والله ما طلبتهم بدمه ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرءوها ..
وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه من دنياهم ، ولم يكن للقوم سابقه فى الإسلام يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم ، فخدعوا أتباعهم أن قالوا :
إما منا قتل مظلوماً ، ليكونوا بذلك جبابرة ملوكاً ، وتلك مكيدة بلغوا بها ما ترون ، ولولا هى ما تبعهم من الناس رجلان اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت ..
وإن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا فى عبادك العذاب الأليم ثم مضى ومضت تلك العصابة حتى دنا من عمرو
مخاطبته عمرو بن العاص
قال : ياعمرو ، بعت دينك بمصر ، تبا لك تبا طالما بغيت فى الاسلام عوجاً
وخاطب عبيد الله بن عمر بن الخطاب
فقال : صرعك الله ! بعت دينك من عدو الاسلام وابن عدوه
قال عبيد الله بن عمر : لا ولكن أطلب بدم عثمان بن عفان رضى الله عنه
قال عمار : أشهد على علمى فيك أنك لاتطلب بشئ من فعلك وجه الله عز وجل ، وإنك إن لم تقتل اليوم تمت غدا ، فانظر اذا أعطى الناس على قدر نياتهم مانيتك
وكما كان عمار يقاتل وهو على يقين من أنه على الحق
كذلك كان الأمام على رضى الله عنه .. مع قوة وشجاعة لا تبارى
قال أبو عبد الرحمن السلمى :
كنا مع "على" بصفين ، فكنا قد وكلنا بفرسه رجلين يحفظانه ويمنعانه من أن يحمل (يقاتل بنفسه) فكانت إذا حانت منهما غفلة يحمل فلا يرجع حتى يخضب سيفه.
وإنه حمل ذات يوم فلم يرجع حتى انثنى سيفه
فألقاه إليهم وقال :
لولا أنه انثنى ما رجعت
فقل الأعمش : هذا والله ضرب غير مرتاب
فقال أبو عبد الرحمن : سمع القوم شيئاً فأدوه وماكانوا بكاذبين
وكان عمار لا يأخذ واديا من أودية صفين إلا تبعه من كان هناك من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم 
جاء عمار إلى المرقال هاشم بن عتبة وهو صاحب راية على (وكان اعورا)
فقال له : يا هاشم .. اعورا وجنبا !
لاخير فى أعور لايغشى البأس
فإذا رجل بين الصفين قال :
هذا والله ليخلفن إمامه ، وليخذلن جنده ، وليصبرن جهده اركب يا هاشم ، فركب هاشم ومضى يقول :
أعور يبغى أهله محلا .. قد عالج الحياة حتى ملا لابد أن يفل أو يفلا
وعمار يقول : تقدم يا هاشم ، الجنة تحت ظلال السيوف والموت فى اطراف الأسل ، وقد فتحت أبواب السماء وتزينت الحور العين.
اليوم ألقى الأحبة .. محمدا وصحبه فلم يرجعا .. وقتلا


أثر مقتل عمار على معسكر معاوية :
أراد أبو عبد الرحمن السلمى أن يعرف صدى مقتل عمار فى معسكر معاوية وهل بلغ منهم ما بلغ بمعسكر "على" .. وكان الفريقان إذا أنهو القتال تحادث بعضهم إلى بعض
قال : فركبت فرسى وقد هدأت الرجل ثم دخلت فإذا أنا بأربعة يتسايرون :
معاوية : وأبو الأعور السلمى - وعمرو بن العاص - وعبد الله بن عمرو وهو خير الأربعة
فأدخلت فرسى بينهم مخافة أن يفوتنى ما يقوله أحدهم
فقال عبد الله لأبيه :
يا أبت ، قتلتم هذا الرجل فى يومكم هذا ، وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم  ما قال :
قال عمرو : وماذا قال ؟
قال عبد الله : ألم تكن معنا ونحن نبنى المسجد والناس ينقلون حجرا حجرا ولبنة لبنة ، وعمار ينقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين فغشى عليه ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم  فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: " ويحك يا ابن سمية ، والناس ينقلون حجرا حجرا ولبنة لبنة وأنت تنقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين رغبة منك فى الأجر "!
وأنت ويحك مع ذلك تقتلك الفئة الباغية "
فدفع عمرو صدر فرسه ، ثم جذب معاوية إليه ، فقال :
يا معاوية ، أما تسمع ما يقول عبد الله ؟
قال : وما يقول ؟ .. فأخبره الخبر
فقال معاوية : إنك شيخ أخرق ، ولا تزال تحدث بالحديث
وأن تدحض فى بولك ! .. أو نحن قتلنا عمارا ؟
إنما قتل عمارا من جاء به
فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون :
إنما قتل عمارا من جاء به
فلا أدرى من كان اعجب ؟ هو أو هم
معاوية لايستجيب للمبارزة الثنائية :
لما قُتِلَ عمار بن ياسر غضب "على" غضباً شديداً لمقتله وازداد يقيناً أن قتلته هم البغاة كما أنبأ منذ سنوات رسول الله صلى الله عليه وسلم  .. وقال لربيعة وهمدان: " أنتم درعى ورمحى " فانتدب له نحو من اثنى عشر ألف وتقدمهم " على " على بغلته فحمل وحملوا معه حملة رجل واحد .
فلم يبق لأهل الشام صف إلا انتقض ، وقتلوا كل من انتهوا إليه حتى بلغوا معاوية ، وعلى يقول :
        أضربهم ولا أرى معاوية
                    الجاحظ العين العظيم الحاوية()
ثم نادى معاوية .. فقال على :
" علام يقتل الناس بيننا ..
هلم أحاكمك إلى الله
فأينا قتل صاحبه استقامت له الأمور "
فقال له عمرو :
أنصفك الرجل :
فقال معاوية :
ما أنصف
وإنك لتعلم أنه لم يبارزه رجل قط إلا قتله
قال له عمرو : وما يجملُ بك إلا مبارزته
قال معاوية : طمعت فيها بعدى !
هل كان عمرو يستطيع أن يخدع معاوية على نفسه فيجعله يندب فى مبارزة قاتلة محسومة مسبقاً .. أغلب الظن أنه حرضه على البراز من باب المفاكهة أو من باب إحصاء المواقف المهينة عليه يختزنها لوقت الحاجة .. إنه داهية ويتعامل مع داهية مثله ولذا فإنه حين أصر على التمادى فى التحريض قال له معاوية :
" طمعت فيها بعدى ! " 
أى أنه يحرضه طمعا فى أن يقتله "على" ويتولى عمرو الخلافة أو الامارة العامة من بعده !
خدعة رفع المصاحف
اشتد القتال فى صفين إلى الحد الذى نادى فيه الأشتر أصحابه فقال :
شدوا شدة - فداً لكم عمى وخالى- ترضون بها الرب وتعزون بها الدين ، إذا شددت فشدوا .. ثم نزل فضرب وجه دابته ثم قال لصاحب رايته : قدم بها ، ثم شد على القوم ، وشد معه أصحابه ، فضرب أهل الشام حتى انتهى بهم إلى عسكرهم ، ثم إنهم قاتلوه عند العسكر قتالاً شديدا ، فقتل صاحب رايته وأخذ "على" يمده بالرجال لما رأى من الظفر من قبله.
فلما رأى عمرو بن العاص أن أمر أهل العراق قد اشتد ، وخاف فى ذلك الهلاك
 قال لمعاوية :
هل لك فى أمر أعرضه عليك لايزيدنا إلا اجتماعا ولايزيدهم إلا فرقة ؟
قال : نعم
قال عمرو : نرفع المصاحف ثم نقول : مافيها حكم بيننا وبينكم فإن أبى بعضهم أن يقبلها وجدت فيهم من يقول : بلى ينبغى أن نقبل ، فتكون فرقة تقع بينهم
وإن قالوا : بلى ، نقبل ما فيها ، رفعنا هذا القتال عنا أو هذه الحرب إلى أجل أو إلى حين
فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا :
هذا كتاب الله عز وجل بيننا وبينكم
مَن لِثغور أهل الشام بعد أهل الشام ؟!
ومَن لِثغور أهل العراق بعد أهل العراق ؟!
فلما رأى الناس المصاحف قد رفعت قالوا :
نجيب إلى كتاب الله عز وجل وننيب إليه.
وبدأت خدعة عمرو تعمل عملها بأسرع مما كان يتخيل صاحبها ففى الوقت الذى كان فيه النصر فى متناول يد الامام الفارس وكان "الأشتر"  يطرق باب معسكر معاوية بسيوفه البتارة رفض الإمام وقف القتال ، نهضت عصابة ممن صاروا خوارج بعد ذلك فقالوا :
يا "على" أجب إلى كتاب الله عز وجل إذ دعيت إليه وإلا ندفعك برمتك إلى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفان  !!
وقال لهم ان تطيعونى فقاتلوا
قالوا : لا ! ابعث إلى الأشتر فليأتك
وبدأت تنازلات الإمام الفارس أمام هذا التيار غير المتعقل أرسل للأشتر بالحضور فرد عليه بقوله :
" قل له ليس هذه الساعة التى ينبغى لك أن تزيلنى فيها عن موقفى ، إنى قد رجوت أن يفتح لى فلا تعجلنى "
فاتهموه بأنه أمر الأشتر بالقتال وقالوا :
" ابعث إليه فليأتك وإلا والله اعتزلناك "
قال على : اذهب يايزيد (ابن هانئ السبيعى) للأشتر وقل له أقبل فإن الفتنة قد وقعت
وتوالت المراسلات مع تهديداتهم فجاء الأشتر غاضباً يصرخ فيهم
بقوله : يا أهل العراق .. يا أهل الذل والوهن ..
أحين علوتم القوم ظهرا وظنوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى مافيها ..؟
لاتجيبوهم .. أمهلونى عدو الفرس فإنى قد طمعت فى النصر
قالوا : إذن ندخل معك فى خطيئتك
قال : فحدثونى عنكم .. متى كنتم محقين ؟
أحين كنتم تقاتلون وخياركم يقتلون ؟
أم الآن أنتم محقون .. وخياركم الذين كانوا خيراً منكم فى النار إذا ؟
ولكن عبثاً حاول معهم فما عادت حججه المنطقية القوية تقنع مثل هذه العقول
فقالوا له : دعنا منك يا أشتر .. قاتلناهم فى الله عز وجل وندع قتالهم لله سبحانه إنا لسنا مطيعيك ولا صاحبك فاجتنبنا :
فانفجر فيهم قائلاً :
" خدعتم والله فانخدعتم ، ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم ياأصحاب الجباه السود..
كنا نظن صلواتكم زهادة فى الدنيا وشوقاً إلى لقاء الله عز وجل فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت ..
ألا قبحا يا أشباه النيب الجلالة ..
وما أنتم برائين بعدها عزا أبدا .. فابعدوا كما بعد القوم الظالمون
فسبوه فسبهم . فضربوا وجه دابته بسياطهم
وأقبل يضرب بسوطه وجوه دوابهم
وصاح بهم " على " فكَّفوا
وقال للناس : قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا وبينهم حكما
ونكتفى بعرض هذه الصورة التى يستطيع أى عاقل من خلالها أن يعرف مصير مثل هذه المعارك ..
تنازل الفارس الاسلامى الكبير الذى كان فتنة لمن اشتطوا فى حبه ومن غالوا فى كرهه . وأصبح كالأسد الحبيس فى قفصه يأمر بالصواب فَيُفرضُ عليه غيره .. فيُذعن لما لايرضى عنه
اعترض على أبى موسى الأشعرى حكما له فى مقابل عمر بن العاص ففرضوه على الفارس ورفضوا ابن عباس وقالوا وما أعجب ما قالوا : ما نبالى أنت كنت أم ابن عباس؟
لانريد إلا رجلاً هو منك ومن معاوية سواء !!!
وماذا يريد معاوية أكثر من ذلك ؟ رفضوا ابن عباس ورفضوا الأشتر .. ورفضوا الإمام نفسه .. رفضوا أى انسان يكون على شئ من الدهاء يقابل دهاء عمرو بن العاص .. وكأنهم من أتباع معاوية المخلصين
أيمكن أن يتخيل عاقل أن مثل هؤلاء بسلوكهم هذا وتفكيرهم هذا ولددهم وترددهم فى الأمر الواحد يقبلونه آنا ويرفضونه فى وقت آخر وهو هو .. ويفرضون آراءهم تلك على قائدهم " على " فارس الفرسان العربية قاتل بن ود والذى خافه معاوية .. والذى نجا منه عمرو بن العاص وقد تمكن منه بأن كشف له سوءته ! والتى كانت مثار سخرية حادة حتى من معاوية حينما جرى بينهما هذا الحديث فيما بعد ..أى بعد أن سكنت العواصف وهدأت الزوابع وحلت النسمات العليلة الرقيقة فهبت عليهما فى احدى جلساتهما الصافية ..
رأى عمرو معاوية يوما يضحك .. ولا يدرى لضحكه سبباً فقال له :
        مم تضحك يا أمير المؤمنين
                    أضحك الله سنك
قال : أضحك من حضور ذهنك
عند ابداء سوءتك يوم ابن أبى طالب
أما والله لقد وافقته منانا كريما
ولو شاء أن يقتلك لقتلك
قال عمرو : يا أمير المؤمنين ..
أما والله إنى عن يمينك حين دعاك إلى البراز فاحولت عيناك وربا() سحرك 
وبدا منك ما أكره ذكره لك
فمن نفسك فاضحك .. أو دع ..
وهكذا اختار أهل العراق أبا موسى الأشعرى واختار أهل الشام عمرو بن العاص فتفرق أهل صفين حين حكم الحكمان . وأنهما يجتمعان بدومة الجندل فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرح فى شهر رمضان . وفى طريق العودة من صفين إلى الكوفة انتظاراً لموعد التحكيم اعترض على التحكيم اثنا عشر ألفا لم يدخلوا معه الكوفة ونزلوا بحروراء
اتمام المكيدة بدومة الجندل :
والتقى عمرو وأبو موسى بدومة الجندل وأخذ عمرو يُقَدِمُ أبا موسى فى الكلام يقول:
إنك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت أسن منى فتكلم وأتكلم
عرض عمرو على أبى موسى أن يقبل بمعاوية فأبى
عرض عليه ابنه عبد الله بن عمرو فقال له إن ابنك رجل صدق ولكنك غمسته فى هذه الفتنة..
أراد أبو موسى أن يجعلا الأمر على عبد الله بن عمر فأبى عمرو
قال له عمرو : خبرنى ما رأيك
قال أبو موسى : رأيى أن نخلع هذين الرجلين ونجعل الأمر شورى بين المسلمين فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبوا
قال له عمرو : إن الرأى ما رأيت أى وافقه على ذلك فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون فقال : يا أبا موسى .. اعلمهم بأن رأينا قد اجتمع واتفق..
فتكلم أبو موسى فقال :
إن رأيى ورأى عمرو قد أتفق على أمر نرجو أن يصلح الله عز وجل به أمر هذه الأمة فقال عمرو : صدق .. وبَرَّ .. يا أبا موسى تقدم فتكلم
فتقدم ابو موسى ليتكلم ، فقال له ابن عباس : ويحك والله إنى لأظنه قد خدعك .. إن كنتما قد اتفقتما على أمر ، فقدمه يتكلم قبلك ثم تكلم أنت بعده فإن عمرا رجل غادر ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه ..
 فإذا قمت فى الناس خالفك ..
قال له أبو موسى : يقول الراوى وكان أبو موسى - مغفلا - : إنا قد اتفقنا فتقدم أبو موسى فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ثم قال :
أيها الناس ، إنا قد نظرنا فى أمر هذه الأمة فلم نرَ أصلح لأمراها ولا ألَّم لشعثِها من أمر قد أجمع عليه رأيى ورأى عمرو عليه .. وهو أن نخلع عليا ومعاوية ،
وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر فيولوا منهم من أحبو عليهم ، وإنى قد خلعت " عليا " ومعاويا فاستقبلوا أمركم ، وولوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلاً ..
ثم تنحى وأقبل عمرو بن العاص فقام مقامه فحمد الله وأثنى عليه وقال :
إن هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه ،
وأنا أخلع صاحبه كما خلعه ، وأُثَبِتُ صاحبى معاوية ، فإنه وَلِىُ عثمان بن عفان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه ..
فقال أبو موسى : مالك لا وفقك الله ، غدرت وفجرت إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ..
قال عمرو : إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا ..
وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه بالسوط
وحمل على شريح ابنٌ لعمرو فضربه بالسوط
وقام الناس فحجزوا بينهم
وكان شريح بعد ذلك يقول :
ما ندمت على شئ ندامتى على ضرب عمرو بالسوط ألا أكون ضربته بالسيف آتيا به الدهر ما أتى والتمس أهل الشام أبا موسى ، فركب راحلته ولحق بمكة
قال ابن عباس : قبَّح الله رأى أبى موسى ! حذرته وأمرته بالرأى فما عقل
وكان أبو موسى يقول : حذرنى ابن عباس غَدْرَةَ الفاسق ، ولكنى اطمأننت إليه ، وظننت أنه لن يؤثر شيئاً على نصيحة الأمة ..
ثم انصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية ، وسلموا عليه بالخلافة ورجع ابن عباس وشريح ابن هانئ إلى "على"
وكان إذا صلى الغداة يقنت فيقول : اللهم العن معاوية وعمرا وأبا الأعور السلمى وحبيباً وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد فبلغ ذلك معاوية ، فكان إذا قنت لعن " عليا " وابن عباس والأشتر وحسناً وحسين
هذه حكاية دومة الجندل - ألا تصلح بعد استبدال أسماء أبطالها بأسماء أخرى أن تكون تمثيلية يحار الانسان فى تصنيفها لأنها لا تقتصر على الإضحاك فقط .. ولا على الحزن فقط ولكنها تجمع بين كل ذلك وأكثر منه .. وشر البلية ما يضحك!
ــــــــــــ
الخوارج
تتابعت الأحداث على فارس الفرسان من كل جانب
- دافع عن عثمان رضى الله عنه  بنفسه وبأولاده حسن وحسين ..
- ثم أُتهِمَ بالتحريض على قتله :
- بويع بالخلافة بالمدينة دون أن يطلبها .. ثم خرج عليه من بايعوه ونقصوا بيعتهم وقاتلوه .. وهو يمد لهم يد التصالح .. وبدءوه بالقتال وبكى على قتلاهم ..
- أُبْتُلىَ بخروج أم المؤمنين " عائشة " عليه .. وحافظ على كرامتها وردها إلى مكة معززة مكرمة وعاقب بالجلد من قال كلمة سوء فى حقها ..
- منع عنه وعن أصحابه الماء بصفين وقاتهلم عليه حتى أزاحهم عنه فلم يعاملهم بالمثل وتركهم يشربون ..
- عفى عن عمرو بن العاص فلم يقتله بعد  أن تمكن منه فألف وأخرج ومثل ملهاة ومأساة دومة الجندل .
- أُبْتُلِىَ بمعارضين لا يستقرون على رأى أبداً .. يعارضون ثم يعودون لما سبق أن عارضوه ويتهمون باطلاً بالكفر ويطلبون منه التوبة عما حدث منه :
- تحاك ضده المكائد ويُكْذَبُ عليه .. وتُزَيَفُ المكاتبات على لسان أتباعه المخلصين له لإبعادهم عنه وهو يرفض أن يتعامل معهم بمثل أساليبهم ..
- كل هذه الإبتلاءات وهو صامد يحاول أن يعيد ما بعثره التفرق إلى حظيرة الوحدة
كتب إلى الخوارج بالنهر يطلب منهم العودة إليه ليسيروا لعدوهم المشترك ..
- وكتبوا له أن يشهد على نفسه بالكفر ويتوب لينظروا فيما بينهم وبينه !
- وناظرهم فقال : " ألا تعلمون  أن هؤلاء القوم لما رفعوا المصاحف قلت لكم أن هذه المكيدة والوهن وأنهم لو قصدوا إلى حكم المصاحف لم يأتونى ثم سألونى التحكيم .
- أفعلمتم أنه كان منكم أحد أكره لذلك منى ؟
- قالوا : اللهم نعم
- قال : فهل علمتم أنكم استكرهتمونى على ذلك حتى أجبتكم إليه فاشترطتُ أن حكمهما نافذ ما حكما بحكم الله عز وجل فإن خالفا  فأنا وأنتم من ذلك براء ..
- فقالوا حكَّمت فى دين الله برأينا ونحن مقرون بأنا قد كفرنا ونحن تائبون فأقر بمثل ما أقررنا وتب ننهض معك إلى الشام ..
فقال : أما تعلمون أن الله جل ثناؤه قد أمر بالتحكيم فى شقاق بين رجل وامرأة فقال تبارك وتعالى :
فابعثوا حَكَماً من أهله وحكماً من أهلها فى صيد أصيب فى الحرم كأرنب يساوى يساوى ربع دينار فقال عز وجل :-
"  يحكم به ذوا عدل منكم "
فقالوا : إن عمرا لما أبى عليك أن تقول فى كتابك : هذا ما كتبه " عبد الله على " أمير المؤمنين محوت اسمك من الخلافة وكتبت " على بن أبى طالب "
فقال لهم رضى الله عنه لى برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حيث أبى عليه سهيل بن عمرو أن يكتب : " هذا كتاب كتبه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم  وسهيل بن عمرو. "
فقالوا : لو أقررنا بأنك رسول الله ما خالفناك ولكنى أقدمك لفضلك ثم قال : " اكتب محمد عبد الله " فقال لى :
يا " على "  أُمحُ " رسول الله " فقلت يا رسول الله لا تسخو نفسى بمحو اسمك من النبوة. فقال عليه السلام : قفنى عليه
فمحاه بيده صلى الله عليه وسلم  ثم قال : اكتب " محمد بن عبد الله " ثم تبسم إلىَّ فقال عليه السلام : يا على أما إنك ستسام مثلها فتُعطى .. بَيِّنوا لنا بماذا تستحلون قتالنا والخروج عن جماعتنا وتضعوا أسيافكم على عواتقكم ثم تستعرضوا الناس تضربون رقابهم وتسفكون دماؤهم.
قالوا : إن أقررت على نفسك بالكفر وتُبْتَ كما تُبنا فنحن منك ومعك ،
قال : أبعد إيمانى وهجرتى وجهادى فى سبيل الله أشهد على نفسى بالكفر .
لقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين ..
فتنادوا : لا تخاطبوه ولاتكلموهم ، وتهيئوا للقاء الرب .. الرواح الرواح إلى الجنة فخرج " على " فعبأ الناس .. وعبأت الخوارج وكانت وقعة النهر ..
ـــــــــــــــ
مقتله رضى الله عنه
عن "على" قال :
أتانى عبد الله بن سلام فقال لى : لا تَقْدِمُ العراق
فإنى أخشى أن يصيبك فيها ذباب السيف.
قال على : وأيم الله لقد أخبرنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم 
فقال أبو الأسود : فما رأيت كاليوم قط محارب يخبر بهذا عن نفسه
وعن عبد الله بن سبع قال :
خطبنا "على بن أبى طالب " فقال :- 
" والذى فلق الحبة وبرأ النسمة لتُخَضَّبَنَ هذه من هذه" - يعنى لحيته من دم رأسه -
فقال رجل : والله لايقول ذلك أحد إلا أهلكنا (أبرنا) عترته !
فقال : اذكر الله ، وأنشد أن يقتل منى إلا قاتلى
وعن ابن عباس قال : قال على للنبى صلى الله عليه وسلم  : يارسول الله
إنك قلت لى يوم "أحد" حين أخرت عنى الشهادة ، واستشهد من استشهد : إن الشهادة وراءك ، فكيف صبرك إذا خُضِبَت هذه من هذه بدم وأهوى بيده إلى لحيته ورأسه
فقال على : يارسول الله : أما أن تثبت لى ما أثبت .. ؟ فليس ذلك من مواطن الصبر ، ولكن من مواطن البشرى والكرامة.
وعن أبى الطفيل أن عليا جمع الناس للبيعة ، فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادى ، فرده مرتين ثم قال : علام يُحْبَسُ أشقاها ،
فوالله ليُخَضِبن هذه من هذه ثم تمثل :
    أشدد حيازيمك للموت            فإن الموت لاقيكا
    ولاتجزع من القتــل             إذا حل بواديـكا
وعن عثمان بن المغيرة قال : لما دخل شهر رمضان جعل " على " يتعشى ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين .. وليلة عند عبد الله بن جعفر ، لايزيد على ثلاث لقم
ويقول : يأتى أمر الله وأنا خميص (جائع) وإنما هى ليلة أو ليلتان
عن الحسين قال : قال لى "على" سنح لى الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى منامى ، فقلت : يارسول الله ، ما لقيت من أمتك من الأود واللدد
قال : ادع عليهم قلت : اللهم أبدلنى بهم من هو خير لى منهم وأبدلهم لى من هو شر منى ، فخرج فضربه الرجل.
ــــــــــــــ
وعن محمد بن سعد قال :
انتدب ثلاثة نفر من الخوارج : عبد الرحمن بن ملجم المرادى وهو من حمير وعداده فى بنى مراد وهو حليف بنى جبلة من كنده .. والبرك بن عبد الله التميمى ، وعمر بن بكر التميمى. 
فاجتمعوا بمكة ، وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة :
على بن أبى طالب ومعاوية وعمرو بن العاص ويريحوا العباد منهم
فقال ابن ملجم : أنا لكم " لعلى " ...  وقال البرك : انا لكم بمعاوية .
وقال عمرو بن بكر : أنا كافيكم عمرو بن العاص
فتعاهدوا على ذلك وتعاقدوا عليه ، وتوثقوا أن لاينكص منهم رجل عن صاحبه الذى سمى له ويتوجه له حتى يقتله أو يموت دونه .
فتواعدوا بينهم ليله سبع عشرة من رمضان ، ثم توجه كل رجل منهم إلى المصر الذى فيه صاحبه ، فقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة ، فلقى أصحابه من الخوارج فكاتمهم مايريد .
وكان يزورهم ويزورونه ، فزار يوما نفرا من بنى تيم الرباب فرأى امرأة منهم يقال لها : قطام بنت شجنة .. بن تيم الرباب
وكان " على " قتل أباها وأخاها بالنهروان ، فأعجبته فخطبها ، فقالت :
لا أتزوجك حتى تشتفى لى . .. فقال : لاتسألينى شيئاً إلا أعطيتك
فقالت : ثلاثة آلاف وقتل " على بن أبى طالب " ... 
فقال : والله ما جاء بى إلى هذا المصر إلا قتل " على " ، وقد أعطيتك ماسألتِ
ولقى ابن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعى فأعلمه مايريد ، ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه إلى ذلك .
وظل ابن ملجم تلك الليلة التى عزم فيها أن يقتل عليا فى صبيحتها يناجى الأشعث بن قيس الكندى فى مسجده حتى يطلع الفجر ، فقال له الأشعث :
" فَضَحَكَ الصبح ..(كشفك الصبح)  "
فقام ابن ملجم وشبيب بن بجرة فأخذا أسيافهما ، ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التى يخرج منها " على "
قال " الحسن بن على " : فأتيته سحيرا
فجلست إليه فقال : إنى بت الليلة أوقظ أهلى ، فملكتنى عيناى وأنا جالس ، فسنح لى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقلت : يا رسول الله :
ما لقيت من أمتك من الأود واللدد
فقال لى : ادع عليهم الله
فقلت : اللهم أبدلنى بهم خيراً منهم ، وأبدلهم بى شرا لهم منى
ودخل ابن التياح المؤذن على ذلك فقال : "الصلاة " فقام يمشى ابن التياح بين يديه وأنا خلفه ، فلما خرج من الباب نادى :
" أيها الناس ، الصلاة الصلاة " ، كذلك كان يصنع كل يوم يخرج ومعه درته يوقظ الناس فاعترضه الرجلان .
فقال بعض من حضر : ذلك بريق السيف ،
وسمعت قائلاً : " يقول لله الحكم ياعلى لا لك " ثم رأيت سيفاً ثانياً فضربه جميعاً ، فأما سيف ابن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه ،
وأما سيف شبيب فوقع فى الطاق ، فسُمِعَ " على " يقول : " لا يفوتنكم الرجل "
وشد الناس عليهما من كل جانب ، فأما شبيب فأفلت ، وأُخِذَ ابن ملجم فأُدْخِلَ على
" على " ، فقال : أطيبوا طعامه ، وألينوا فراشه فإن أعش فأنا ولى دمى : عفو أو قصاص ، وإن مت فألحقوه بى أخاصمه عند رب العالمين .
فقالت أم كلثوم بنت على : يا عدو الله ، قتلت أمير المؤمنين
قال : ما قتلت إلا أباك .
قالت : والله إنى لأرجو أن لا يكون على أمير المؤمنين بأس.
قال : فلم تبكين إذن ..؟
ثم قال : والله لقد سَمَمتُهُ شهراً -يعنى سيفه- فإن اخلفنى أبعده الله وأسحقه وبعث الأشعث بن قيس ابنه قيس بن الأشعث صبيحة ضرب " على "
فقال : أى بنى انظر كيف أصبح أمير المؤمنين ؟ فذهب فنظر إليه
ثم رجع فقال : رأيت عينيه داخلتين فى رأسه
فقال الأشعث : عينى دميغ() ورب الكعبة
ومكث على يوم الجمعة ويوم السبت وبقى ليلة الأحد لإحدى عشرة بقيت من شهر رمضان من سنة أربعين ، وتوفى رضوان الله عليه وغسله الحسن والحسين
وعبد الله بن جعفر ، وكُفِنَ فى ثلاثة أثواب ليس فيها قميص.
قالوا وكان عبد الرحمن بن ملجم فى السجن ، فلما مات " على " ودفن بعث الحسن بن على إلى ابن ملجم فأخرجه من السجن ليقتله فاجتمع الناس وجاءوا بالنفط والبوارى() والنار وقالوا : نحرقه
فقال عبد الله بن جعفر ، وحسين بن على ، ومحمد بن الحنفية ،
دعونا حتى نشفى أنفسنا منه .. فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم ، فكحل عينيه بمسمار محمى ، فلم يجزع وجعل يقول : إنك لتكحل عينى عمك بمملول() ممض ، وجعل يقرأ (اقرأ باسم ربك الذى خلق) : حتى أتى على آخر السورة ، وإن عينيه لتسيلان ،
ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطعه فجزع فقيل له : قطعنا يديك ورجليك وسملنا عينيك يا عدو الله فلم تجزع فلما صرنا إلى لسانك جزعت
قال : ماذاك من جزع .. إلا أنى أكره أن أكون فى الدنيا فواقا () لا أذكر الله فقطعوا لسانه ، ثم جعلوه فى قوصرة (5) فأحرقوه بالنار ، والعباس بن على يومئذ صغير ، فلم يستأن به بلوغه.
وكان ابن ملجم أسمر أبلج ، فى جبهته أثر السجود
وعن شيخ من قريش أن عليا لما ضربه ابن ملجم قال : فزت ورب الكعبة
وعن عمرو ذى مر قال : لما أصيب " على " بالضربة ، دخلت عليه وقد عصب رأسه.
قلت  : يا أمير المؤمنين أرنى ضربتك . فحلها فقلت : خدش وليس بشئ .
قال : إنى مفارقكم . فبكيت أم كلثوم من وراء حجاب
فقال لها : اسكتى فلو ترين ما أرى لما بكيت.
قلت : يا أمير المؤمنين ماذا ترى ؟
قال : هذه الملائكة وفود ، والنبيون ، وهذا محمد يقول :
" يا على أبشر ، فما تصير إليه خير مما أنت فيه
لما فرغ على من وصيته قال : أقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ثم لم يتكلم إلا بـ " لا إله إلا الله ، حتى قبضه الله .. رحمة الله ورضوانه عليه وغسله ابناه ، وعبد الله بن جعفر . وصلى عليه الحسن ابنه ، وكبر عليه أربعاً وكُفِنَ فى ثلاث أثواب ليس فيها قميص. ودفن فى السحر
قيل : إن عليا كان عنده مسك فَضَلَ (بقى) من حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم  أوصى أن يحنط به .
وكان سنه يوم قتل ثلاثا وستين سنة .
قال الواقدى : وهذا أثبت .. وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر .
وقيل أربع سنين وتسعة أشهر وستة أيام وقيل ثلاثة أيام
صفته : كان " على " آدم مقبل العينين عظيمهما ذا بطن ، أصلع ربعة .. لايخضب. كبير اللحية قد ملأت صدره .
ورثاه الناس فأكثروا ..
من ذلك ما قاله أبو الأسود الدؤلى :
    ألا يا عين ويحك أسعدينــا            ألا تبكى أمير المؤمنينـــا
    تبكى أم كلثوم عليـــــه            بعبرتها وقد رأت اليقينـــا
    ألا قُل للخوارج حيث كانـوا            فلا قرت عيون الشامتينـــا
    أفى الشهر الحرام فجعتمونـا            بخير الناس طُراً أجمعينـــا
    قتلتم خير من ركب المطايـا             فذللها ومن ركب السفينـــا
    ومن لبس النعال ومن حذاها             ومن     قرأ المثانى والمبينــا
    وكل مناقب الخيرات فيــه            وحب رسول رب العالمينــا   
    لقد علمت قريشٌ حيث كانت             بأنكَ خيــرها حَـسَبَاً ودينا
    إذا استقبلت وجه أبى حسين             رأيتَ البـدر راقَ الناظرينـا
    وكنا قبـــل مقتله بخـير             نرى مولى رسول الله فينــا
    يقيم الحــق لايرتاب فيـه             ويعدل فى العداء الأقربينــا
    ولبس بكاتم علمــا لـديه            ولم يُخْلَقَ من المتجبرينـــا
    كأن النـاس إذ فقـدوا عليا             نعامٌ حارَ فى بلدِ سنينــــا
    فلا تشمت معاويةَ بن حربِ            فإن بقية الخلفاء فينـــــا

وقال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبى لهب
    ما كنت أحسب أن الأمر منصرف         عن هاشم ثم منها عن أبـى حسن
    أليـس أول مـن صلـى لقبلتـه        وأعلـم النـاس بالقـرآن والسنن
    وآخر الناس عهداً بالنبى ومَــنْ        جبريل عون له فى الغسل والكفن
    من فيه ما فيهمو لاتمترون بــه        وليس فىالقوم مما فيه مـن حسن
ـــــــــــــ




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخر الزوار

Flag Counter