الرسول ...
.... والرسالة
....والذين معه
التشريعات الإسلامية ظلت تتقاطر كالندى على صدر محمد صلى الله عليه وسلم تتشربها نفسه المهيأة لتقبلها من قبل الله تعالى ..
وكذلك تتشربها نفوس أصحابه .. استمر إنزالها على القلوب الصالحة والنفوس المعدة على مدى ثلاثة وعشرين عاماً ..
منها ثلاثة عشر عاماً بمكة وعشرة أعوام بالمدينة يتتابع فيها الوحى قرأناً وسنة على خاتم الأنبياء .
كان النبى عليه الصلاة والسلام يخشى أن يفوته شئ من الوحى فكان يستعجل حفظه .. ولكن الله تعالى طمأن نفسه الراغبة وقلبه الخصب وذاكرته الواعية فنهاه عن التعجل فى ترداد ما يهبط عليه من وحى فأنزل عليه :
- "لا تحرك به لسانك لتعجل به" القيامة 75 /16
- "إن علينا جمعه وقرأنه" /17
- "فإذا قرأناه فاتبع قرأنه" /18
- "ثم إن علينا بيانه" /19
كما أن الله تعالى لم يتكفل بحفظ كتاب سماوى كما تكفل بحفظ القرآن .. بل ووصفه بالذكر دليلاً على أن هذا الكتاب سيظل مذكوراً على الدوام
- "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" الحجر/9
ــــــــــ
ثلاثة وعشرون عاماً يضاف إليهم رصيد ضخم من الصدق والأمانة والصحبة الطيبة عرفت عن محمد قبل البعثة .
التحق الصحابة فى هذا المعهد النبوى الكريم يتلقون عن الرسول صلى الله عليه وسلم كل ما يهبط من السماء فور نزوله طبقاً لما يمر من أحدث قريبة أو بعيدة عن المحيط الإسلامى كانتصار الفرس على الروم والتنبؤ بانتصار الروم على الفرس فى بضع سنين قادمة توثيقاً وتأكيداً لعالمية الدعوة.
- "الـم (1) غلبت الروم (2) فى أدنى الأرض
- وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) فى بضع سنين
- لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون(4)
- بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم(5)
- وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون(6) "
ـــــــــــ
هل كان محمد يستطيع أن يغامر بالإخبار عن أحداث فى ضمير الغيب فيجزم بوقوعها ..
وأية آثار كانت ستصيبه وتصيب دعوته لو لم تتحقق هذه الأخبار ..
إن هذا ليؤكد صدق محمد فيما أبلغ به عن ربه !
لذلك فإن كل من شرف بالانضمام إلى موكب هذه الدعوة ازداد حباً وإجلالاً وتقديراً لهذا المعلم والرسول الأمى الذى لم يعرف القراءة والكتابة ..
تلقى العلم عن خالق السماوات والأرض وما فيهن فكان نعم المُؤَدِبُ ونعم المعلم ونعم الطبيب .
وإنه لشرف كبير للمرأة المسلمة فى جميع العصور إن كانت السيدة خديجة بنت خويلد زوج محمد صلى الله عليه وسلم هى أول من آمن به من النساء أو الرجال استناداً إلى فطرتها السليمة وما عرفته عنه من صدق وأمانة ، فساندته وآزرته حينما عاد إليها يرتجف عند بداية الوحى فقالت له :
- " أبشر يا ابن عم وأثبت "
- " فوالذى نفس خديجة بيده "
- " إنى لأرجو أن تكون نبى هذه الأمة "
- " ووالله لا يخزيك الله أبداً .."
- " إنك لتصل الرحم .. وتصدق الحديث "
- " وتحمل الكل ، وتعين على نوائب الحق "
حكم أصدرته كأسمى ما تكون أحكام القضاء
وأسباب مقنعة كأروع ما تكون الأسباب !
وأسلم "على بن أبى طالب" بعدها كأول صبى فى الإسلام عرض الرسول عليه الإسلام ففكر فى مشاورة أبيه ولكنه عاد فحزم أمره وقضى على أى تردد يخالج نفسه وقال :
- " لقد خلقنى الله تعالى من غير أن يشاور أبا طالب فما حاجتى أنا إلى مشاورته لأعبد الله.
كلمات حكيمة تصدر عن صبى !
كذلك أسرع زيد بن حارثة .. الذى سبق له أن فضل محمدا على أبيه وعمه وأسرته قائلاً لهم جميعاً حينما حضروا لفدائه وتحريره من عبوديته :
- " إنى رأيت من هذا الرجل شيئاً "
- " ما أنا بالذى أختار عليه أحدا "
- " فهو منى بمكان الأب والأم "
وأسلم أبو بكر إسلاماً فورياً بدافع الفطرة السليمة فى أبى بكر والأخلاق الكريمة فى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الصادق الأمين :
- " إن مَنْ لا يكذب على الناس يستحيل عليه أن يكذب على الله تعالى".
قضية عقلية منطقية تحمل دليل صحتها فى داخلها واستمر التحام الداعية بأتباعه .. يخبرهم بما يُوحَى إليه ويشرح ويبين ويأخذ بأيديهم كلما خشى عليهم العثرات أو الجنوح إلى شدة على النفس أو مغالاة لا يرتضيها الإسلام فى أى أمر من أمور الدين .
سمع أن بعض الشباب اجتمعوا وتداولوا فيما بينهم :
قال أحدهم : أقوم الليل كله ولا أنام ..!
وقال الآخر : وأنا أصوم جميع الأيام ..!
وقال الثالث : وأنا لا أتزوج النساء ..!
وخشى الرسول أن تنتشر هذه الأفكار بين المسلمين فجمع الناس وقال :
ما بال أناس يقولون كذا .. وكذا
والله إنى لأتقاكم لله وأخوفكم منه
ولكنى أصوم وأفطر .. وأقوم من الليل وأنام .. وأتزوج النساء ..
فمن رغب عن سنتى فليس منى "
هذه العناية والمتابعة المستمرة لشئون المسلمين جعلتهم يلتفون حوله ..
يحبونه أكثر من أنفسهم .. وأولادهم .. ووالديهم ويطيعونه عن إخلاص حقيقى .. وتقدير لا نظير له .
فما نجد فى التاريخ البشرى تمازجاً حقيقياً بين الداعية وأتباعه ..
كما نجده فى محمد صلى الله عليه وسلم ولا نعرف أحداً أحب أحداً ..
كما أحب صحابة محمدٍ محمداً ..
هذا باعتراف أعداء محمد أنفسهم
ها هو عروة بن مسعود مفاوض قريش فى صلح الحديبية يعود لهم فيقول :
يا معشر قريش :
إنى جئت كسرى فى ملكه ، وقيصر فى ملكه ، والنجاشى فى ملكه
وإنى والله ما رأيت ملكاً فى قومه قط مثل محمد فى أصحابه ..
لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه ..
ولا يقط من شعره شئ إلا أخذوه ..
وإنهم لن يسلموه لشئ أبداً ..
فانظروا رأيكم "
ولا كصحابة محمد صحابة
وصفهم الله تعالى بقوله :
" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار
رحماء بينهم تراهم ركعاً سجدا يبتغون فضلاً من
الله ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود
ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل كزرع
أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه
يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين
آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما "
48/29
قال مالك رضى الله عنه :
(بلغنى أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا)
وصدقوا فى ذلك فقد أنبأ السيد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام أن تلاميذه (حوارييه) سيتخلون عنه ، وناموا وقد طلب منهم أن يسهروا ، وتنكروا له وأنكروا أنهم من تلاميذه "يوحنا 18"
أما أتباع موسى عليه السلام فأمرهم عجب :
1- قص الله عنهم فقال سبحانه وتعالى :
" وجاوزنا ببنى اسرائيل البحر فأتوا على قوم
يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى أجعل
لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون " 7/138
فهاهم أولاء بلا خجل .. وعقب إنقاذهم وإغراق فرعون وخروجهم إلى البر سالمين بعدما كانوا خائفين مرتجفين .. يقولون وهم يرون فرعون يدنو من خلفهم يكاد يلحق بهم إنا لمدركون .. ويطمئنهم نبيهم معلناً لهم :
"… إن معى ربى سيهدين "
الشعراء ، الآية 62
عقب كل ذلك يطلبون من نبيهم الذى آمنوا به أن يجعل لهم صنماً مثل عبدة الأصنام ! وياله من مطلب غريب !
2- قص الله تعالى عنهم موقفاً ينم عن جحودهم وجبنهم وتجاوزهم حدود التأدب مع الله تعالى مما دفع "موسى" إلى الجهر بأنه لم يعد يملك إلا نفسه وأخاه متبرئاً من مقالة السفهاء وطالباً الفصل بينه وبين هؤلاء الخارجين عن طاعة الله بحكمه العادل.
" وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم
إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم
يؤت أحداً من العالمين " 5/20
" يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم
ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين " 5/21
" قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين
وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها
فإن يخرجوا فإنا داخلون " 5/22
" قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما
ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون
وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين " 5/23
" قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها
فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " 5/24 " قال رب إنى لا أملك إلا نفسى وأخى
فأفرق بيننا وبين القوم الفاسقين " 5/25
هؤلاء هم صفوة بنى اسرائيل الذين أنجاهم الله تعالى مع نبيهم كليم الله بمعجزة كبيرة هى شق البحر أمام أعينهم وتحت أقدامهم وأغرق فرعون ومن معه من جند ..
وإن المرء ليتساءل : إذا كانت هذه هى أخلاق الصفوة من بنى اسرائيل .. وفى حضور نبيهم معهم .. فكيف تكون أخلاق من دونهم !!
أما صحابة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم لم يُخدعُوا بعجل كعجل السامرى له خوار ويتخذوه إلها لهم !
ولم ينصرفوا عن طاعته ليبقى وحيداً فى الميدان ولكنا نقرأ عنهم أنهم خرجوا لموقعة "بدر" فماذا كان موقفهم مع قائدهم .
موقف الصحابة فى بدر :
نترك الحديث لنسمعه من داخل الموقع نفسه وعلى لسان أصحابه ..
خرجوا لملاقاة قوم يزيدون عليهم فى العدد ثلاثة أضعاف قال الرسول لمن معه :
" هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها .. أشيروا علىَّ .. "
أدلى أبو بكر وعمر برأيهما ثم قام المقداد بن عمرو فقال :
(يا رسول الله .. أمض لما أراك الله فنحن معك
والله لا نقول لك كما قال بنو اسرائيل لموسى
اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون !
ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون)
ولكن الرسول لم يكتف بذلك ..
كان يريد أن يسمع رأى الأنصار ..
فقال : أشيروا على أيها الناس
وفطن الأنصار إلى أنه يريد أن يعرف رأيهم
وكان سعد بن معاذ هو حامل رايتهم ... فقال :
- لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟
- أجل
- لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ،
أعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة
فامض لما أردت فنحن معك فوالذى بعثك بالحق ..
لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك
وما تخلف منا رجل واحد
(ومانكره أن تلقى بنا عدونا غدا ..
إنا لصُبُرٌ فى الحرب ، صُدُقٌ فى اللقاء
لعل الله يريك منا ما تقر به عينك
فسر بنا على بركة الله)
ــــــــ
وتلألأ وجه الرسول صلى الله عليه وسلم بالبشر
وقال : (سيروا وابشروا ..
فإن الله قد وعدنى إحدى الحسنيين
والله لكأنى الآن أنظر إلى مصارع القوم
وهكذا كانت مواقف أصحاب محمد دائماً معه)
-ما هو السر إذاً فى هذه الفوارق الشاسعة بين صحابة محمد صلى الله عليه وسلم وبين غيرهم من أتباع النبيين السابقين ؟
يتعين علينا أن نتعرف على صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
منطقه .. حالات رضاه .. وحالات غضبه .. مدخله.. مخرجه
منطقه عليه الصلاة والسلام :
عن الحسن بن على قال :
سألت خالى هند بن أبى هالة وكان وصافا
قلت له : صف لى منطقه
قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم :
متواصل الأحزان .. دائم الفكرة .. ليست له راحة ..لا يتكلم فى غير حاجة .. يتكلم بجوامع الكلم فصلا لا فضول ولا تقصير ..
ليس بالجافى ولا المهين ،يعظم النعمة وإن دقت (أى صغرت وقلت)
ولا يذم منها شيئاً
- لم يكن يذم ذَوَاقاً (أى مأكلا أو مشربا) ولا يمدحه
- لا تغضبه الدنيا وما كان لها
فإذا تُعُدِىَ الحق (أى اعتدى على الحق) لم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له
- لا يغضب لنفسه .. ولا ينتصر لها
- إذا أشار .. أشار بكفه كلها .. وإذا تعجب قلبها
وإذا تحدث اتصل بها وضرب براحته اليمنى بطن إبهامها اليسرى
- إذا غضب أعرض وأشاح
- جُلَ ضحكه التبسم
قال الحسن :
فكتمتها الحسين زمانا ثم حدثته بها فوجدته قد سبقنى إليه فسأله عما سألته عنه ، ووجدته قد سأل أباه عن :
مدخله .. ومخرجه .. وشكله .. فلم يدع منه شيئاً
مدخله صلى الله عليه وسلم :
قال الحسين :
سألت أبى عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
كان إذا أوى إلى منزله .. جزأ دخوله ثلاثة أجزاء
جعل جزءا لله تعالى .. وجزءا لنفسه
وجزءا لأهله .. ثم جزءا بينه وبين الناس
لا يدخر عن الخاصة والعامة منه شيئاً
جزء الأمة :
كان من سيرته فى جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم فى الدين .. فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج ..
فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما يُصلحهم والأمة وإخبارهم بالذى ينبغى لهم ويقول:
ليبلغ الشاهد منكم الغائب ..
أبلغونى حاجة من لا يستطيع إبلاغها ..
فمن فعل ذلك ثبت الله قدميه يوم القيامة ..
لا يُذكَر عنده إلا ذلك ، ولا يقبل من أحد غيره يدخلون روادا ..
ولا يفترقون إلا عن ذواق (أى تذوق للعلم والمعرفة)
ويخرجون أدلة (أى أدلة على الخير)
مخرجه :
قال الحسين سألت أبى عن مخرجه كيف كان يصنع فيه ؟
قال الإمام على رضى الله عنه :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
يخزن لسانه إلا فيما يفيد
- يؤلف الناس .. ولا ينفرهم ..
- يكرم كريم كل قوم .. ويوليه عليهم ..
- يحذر الناس ويحترس منهم .. (أى لا يُخدع)
من غير أن يطوى عن أحد منهم بشره ولا خلقه
(أى انه يتعامل مع الناس بحذر ولكن ببشاشة وحسن خلق)
- يتفقد أصحابه .. ويسأل الناس عما فى أيدى الناس
- يُحسن الحسن ويقويه
- ويُقبح القبيح ويُوهيه
- معتدل الأمر غير مختلف
- لا يغفل .. مخافة أن يغفلوا أو يملوا
- لكل حال عنده عتاد (أى عدة)
- لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه
- الذين يلونه من الناس خيارهم
- أفضلهم عنده أعمهم نصيحة
- وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة
مجلسه :
- كان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر (أى ذكر الله).
- إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهى به المجلس ويأمر بذلك .
- يعطى كل جلسائه نصيبهم ، لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه ممن جالسه.
- مَنْ سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول .
- وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا .. وصاروا عنده فى الحق سواء.
- مجلسه مجلس علم وحياء وصبر وأمانة.
لا تُرْفَعُ فيه الأصوات .. ولا تُؤْبَنُ فيه الحرم (أى لا تنتهك فيه الحرمات)
- يتعاطفون فى مجلسه بالتقوى متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون الصغير.
ويؤثرون ذا الحاجة .. ويحفظون الغريب
سيرته فى جلسائه :
قال الحسين لأبيه :
كيف كانت سيرة الرسول فى جلسائه ؟
فقال : كان دائم البشر . سهل الخلق . لين الجانب . ليس بفظ ولاغليظ ولا صخاب .. ولا فحاش .. ولا عياب .. ولا مداح .
- يتغافل عما لا يشتهى
- لا يُوئسُ ولا يخيب فيه مؤمليه
-قد ترك نفسه من ثلاث :
1- المِرَاء 2- الإكثار 3- ومالا يعينه
- وترك الناس من ثلاث :
1- لا يذم أحدا ولا يعيبه
2- لا يطلب عورة أحد
3- لا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه
- إذا تكلم أطرق جلساؤه .. كأنما على رؤوسهم الطير
وإذا سكت تكلموا ..
- لا يتنازعون عنده الحديث
- من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ
- حديثهم عنده حديث أولهم
- يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون أى يشاركهم مشاعرهم فى تواضع .
- يصبر للغريب على الجفوة فى منطقه ومسألته اى يتحمل غلظة الغريب فى مقاله أو سؤاله فى صبر ويقول :
إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه أى أعطوه حاجته
- لا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز (أى ينتهى)
فيقطعه بنهى أو قيام (رواه الترمذى)
حالات سكوته :
-كان سكوته على أربع :
على الحلم والحذر والتقدير والتفكر
1- فأما التقدير :
ففى تسوية النظر والاستماع من الناس
2- وأما تفكره :
فيما يبقى وما يفنى
3- وأما الحلم : فقد جمع له الحلم فى الصبر ..
فلا يغضبه شئ ولا يستفزه
4- وأما الحذر :
فقد جمع له الحذر فى أربع :
- أخذه بالحسن ليقتدى به
- تركه القبيح ليتناهى عنه
- اجتهاده الرأى فى إصلاح أمته
- القيام للأمة فيما جمع لهم من خيرى الدنيا والآخرة
صور من حسن خلقه :
قال : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
قال عنه أنس ابن مالك :
" خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين "
فما قال لى : "أف" .. ولا لِمَ صنعت ؟
ولا ألا صنعت ؟ رواه البخارى
تواضعه :
- كانت الأمة (المرأة) من أهل المدينة لتأخذ بيده فتنطلق به فى حاجتها (أى يقضى لها حاجتها - أى يعين الضعفاء)
- وقالت عنه أم المؤمنين عائشة :
"إذا دخل بيته يكون فى مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة
خرج فصلى " أخرجه البخارى
- كان يوم الأحزاب ينقل التراب ، وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول :
والله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
شفقته ورحمته :
كان يدخل الصلاة يريد إطالتها فيسمع بكاء الطفل فيتجوز فى صلاته
حلمه وصفحه :
جبذه أعرابى جبذة شديدة أثرت فى صفحة عنقه صلى الله عليه وسلم ثم قال له :
يا محمد مر لى من مال الله الذى عندك"
أرأيت إلى هذه الغلظة فى الطلب ؟
ولكن الرسول لم يفعل له شيئاً بل التفت له ثم ضحك .. وأمر له بعطاء
جوده وسخاؤه :
كان أجود الناس وكان أجود ما يكون فى رمضان وكان أجود بالخير من الريح المرسلة
أتاه رجل فسأله فأمر له بشاءٍ كثير بين جبلين من شاء الصدقة .
قال أنس : فرجع الرجل إلى قومه
فقال : " يا قوم أسلموا ، فإن محمدا يعطى عطاء من لا يخشى الفقر ! "
شجاعته :
حياته كلها مثال للشجاعة والإصرار على تبليغ منهج الله لأهل الأرض جميعاً.
قال على بن أبى طالب : وهو من هو .. صاحب المواقف المشهودة فى الإسلام .. فاتح خبير .. الذى سقط من يده الترس ...فتترس بباب .. وقاتل عمرو بن ود فى غزوة الخندق ..
علىٌّ هذا يقول : كنا إذا اشتد القتال وحمى الوطيس احتمينا برسول الله صلى الله عليه وسلم .
فضل الرسول على سائر الخلق حتى الأنبياء :
وأى فضل أكبر من أن يكون الرسول هو خاتم الأنبياء وأنه يشهد على جميع الأمم السابقة بما أنزله الله تعالى عليه فى القرآن الكريم كما جاء فى قوله تعالى :
- " ويوم نبعث فى كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم
وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ، ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ
وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " النحل، الآية 89
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذى لا ينطق عن الهوى :
" أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا "
" وأنا خطيبهم إذا وفدوا .... "
" وأنا مبشرهم إذا يئسوا ... "
" لواء الحمد بيدى .... "
وأنا أكرم ولد آدم على ربى ولا فخر.. (الترمذى)
وقال : أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلى :
1- نصرت بالرعب مسيرة شهر
2- وجعلت لى الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل
3- وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى
4- وأعطيت الشفاعة
5- وكان النبى يبعث إلى قومه خاصة وبعثت للناس عامة
تقديم محبته على النفس والولد والأهل :
عن عبد الله بن هشام قال :
" كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب " فقال له عمر:
" يا رسول الله .. لأنت أحب إلى من كل شئ إلا نفسى
فقال الرسول : " لا والذى نفسى بيده .. حتى أكون أحب إليك من نفسك "
فقال له عمر : فإنه الآن والله لأنت أحب إلىَّ من نفسى
فقال النبى صلى الله عليه وسلم : الآن يا عمر ..
لا يؤمن أحدكم حتى أكون احب إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين"
أخرجه البخارى ومسلم
هذا الحب الوارد فى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هو الحب العاطفى الذى مبعثه هوى النفس .. ولكنه الحب الإيمانى العقلانى والرسول يستحقه بيقين وليس تفضلا من أحد عليه لأنه بعث رحمة للعالمين
ولأنه كما قال الله تعالى فى قرأنه :
" لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم
حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم " 9/128
فهو حب يفرضه الإيمان ولذلك نجد عمر بن الخطاب حينما سمع النبى يقسم له بأنه لا يؤمن أحدكم حتى أكون احب إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين أسرع عمر لتصديق رسول الله فيما قال لأنه لا ينطق عن الهوى وقال فوراً :
"فإنه الآن والله لأنت أحب إلىَّ من نفسى!"
الرسالة الخاتمة
دخل أبو بكر وعمر زيارة لأم أيمن مولاة رسول الله بعد ما قبض فبكت فقيل لها :
ما يبكيك على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت : إنى علمت أن النبى سيموت
"ولكن أبكى على الوحى الذى انقطع "
حقاً .. لقد انقطع الوحى بموت النبى ولكنه بعد ما نزل قول الله تعالى :
" اليوم أكملت لكم دينكم
وأتممت عليكم نعمتى
ورضيت لكم الإسلام دينا " 5/3
وكما أن محمدا عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء والمرسلين كذلك فإن رسالة الإسلام هى الرسالة الخاتمة العامة التى تشمل كل الزمان وكل المكان .
رسالة الإسلام تخاطب الناس جميعاً والأجناس جميعاً على اختلاف ألوانهم
" قل يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعاً …"
الأعراف ، الآية 158
والرسالة التى تخاطب الناس جميعاً لابد وأن تكون واضحة صافية نقية لا تصطدم بالعقل السليم أو الفكر المعتدل والإسلام لا يخاطب الناس بأكثر مما يطيقون بخلاف غيره من الديانات السابقة .
وساعد على أحكام الشريعة الإسلامية ومرونتها أنها لم تنزل كلها دفعة واحدة بل كان القرآن الكريم يتنزل منجماً – مقسطاً - على الرسول وطبقاً لما يحدث للصحابة فى حياتهم اليومية وكان الرسول على صلة دائمة بأتباعه ليلاً ونهارا يخبرهم بكل ما يتنزل عليه أولاً بأول .
" وقرأنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث
ونزلناه تنزيلا " 17/106
قد يكون التكليف شاقاً ولكن :
قد ينزل التكليف شاقاً لاختبار المؤمنين ليتدبروا آياته ويظهر وقع التدبر على سلوكهم وأقوالهم ويظهر حزنهم الحقيقى لعدم قدرتهم على تحمل ما نزل...
فيفصحون عما بهم للرسول الرءوف الرحيم فيرشدهم إلى ما يجب عمله من تسليم بما أنزل الله تعالى والدعاء بالتخفيف عنهم..ويستجيب الله تعالى لهم..
وفى هذا مالا يخفى من الصلة والتفاعل بين الآمر ومتلقى الأمر من الله .. وتطبيقاً لما قرره الله تعالى
" وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب
أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ
فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى
لعلهم يرشدون " 2/186
والأدلة على ذلك كثيرة نذكر منها ما يؤيدها :
حينما أنزلت :
" وإن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله .... 2/248 "
اشتد الحزن على الصحابة رضى الله عنهم فجثوا على الركب
وقالوا : يا رسول الله ..
كُلفنا من الأعمال ما نطيق ..
الصلاة .. (وقد خفضت إلى خمس صلوات بعد خمسين)
والصيام .. والحج .. والجهاد .. والصدقة
ولا نطيق ما جاء بهذه الآية :
إنها تحاسب على مجرد خواطر النفس التى تتولد فى الأذهان ولا يعرف الإنسان من أين جاءت ..
قال الرسول : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم سمعنا وعصينا !
بل قولوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير
فلما أقر بها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله فى أثرها
" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت …"
البقرة ، الآية 286
فتجوز الله تعالى لهم عن حديث النفس ، وأُخِذُوا بالأعمال ، وجاء فى الصحيحين عن أبى هريرة تأكيداً لهذا المعنى القرآنى الرحيم :
"إذا هم عبدى بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة .. فإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف وإذا هم بسيئة فلم يعملها لم أكتبها عليه .. فإن عملها كتبتها سيئة واحدة "
أرأيت إلى هذا الفضل العظيم من الله تعالى وكأن هؤلاء الصحابة - بتدبرهم فى معنى ما نزل وبخشوعهم وتضرعهم وبكائهم وجثيهم على الركب لله تعالى كانوا سببا فى التخفيف عن أنفسهم .. وعمن جاء بعدهم إلى قيام الساعة . إذ لا قرآن يُستَجَد نزوله بعد انقطاع الوحى بقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ما هو الحديث النفسى ؟
سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا إنه يشمل ما يسمى بالوسوسة وما يتعاظم أن يذكره الإنسان مما يدور بخاطره
قال الرسول : "وقد وجدتموه ؟ "
قالوا : نعم
قال : " ذلك صريح الإيمان "
شريعة المستطاع :
الشريعة الإسلامية كدين عالمى توافق ما تطيقه الطبيعة البشرية نرى أن الإسلام احترم حق الإنسان فى التملك بالطرق المشروعة فنظم الثروات ولم يلغها أو يصادرها ، وحدد نصاب الزكاة تحديداً دقيقاً ميسوراً لكل من يتوافر لديه النصاب وليت المسئولين عن الضرائب على مستوى العالم يأخذون به ولو فعلوا لاختفت صور كثيرة من صور التحايل والكذب فى الإقرارات وازدادت حصيلة الدول الآخذة به ، جعل الإسلام الزكاة حقا للفقير وليست منةً وتفضلاً عليه من الغنىّ .كذلك فقد نظم التوارث تنظيماً دقيقا لا يجوز لأحد مخالفته . وهذا لا مثيل له فى تشريعات الأديان السابقة .
الأناجيل خالية من نظم التوارث :
بل أنها تعتبر أن المال يحول بين الإنسان وبين رضوان الله عليه
جاء فى إنجيل متى الإصحاح 19
تقدم شاب للسيد المسيح عيسى بن مريم وقال له :
" أيها المعلم الصالح : أى صلاح أعمل لتكون لى الحياة الأبدية ؟ "
أجاب بقوله : " لماذا تدعونى صالحاً ليس أحد صالح إلا واحد وهو الله "
ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا .. لا تقتل .. لا تسرق . لاتزن .. لا تشهد الزور .. أكرم أباك وأمك .. وأحب قريبك كنفسك "
قال الشاب : " هذه كلها قد حفظتها منذ حداثتى .. فماذا يعوزنى بعد ؟
أجابه قائلاً : " إن أردت أن تكون كاملاً فأذهب "
" وبع أملاكك وأعط الفقراء
فيكون لك كنز فى السماء
وتعال اتبعنى"
فلما سمع الشاب الكلمة مضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة
فقال المسيح عليه السلام لتلاميذه :
الحق أقول لكم إنه يعسر أن يدخل غنى إلى ملكوت السماوات
وأقول لكم أيضاً :
" إن مرور جمل من ثقب إبرة ..
أيسر من أن يدخل غنى إلى الملكوت "
هذه صورة لشاب لم يستطع أن يتبع السيد المسيح عليه السلام ولكن مثله يستطيع أن يتبع بلا حرج ما جاء به محمد عليه السلام رغم أن الديانة المسيحية تستند إلى العهد القديم وتعتبره جزءا من الكتاب المقدس وهى تعلم أن نبى الله : سليمان عليه السلام قد آتاه الله ملكاً لم يؤته فى الماضى ولا فى الحاضر ولا فى المستقبل أحداً من العالمين وقد جاء فى أخبار الأيام الثانى (الإصحاح الأول)
" قد أعطيتك حكمة ومعرفة
وأعطيك غنى وأموال وكرامة لم يكن مثلها
للملوك الذين قبلك ولا يكون مثلها لمن بعدك "
وموطن الاستشهاد هنا هو ملك سليمان الذى جاء عنه فى القرآن :
" قال رب أغفر لى .. وهب لى ملكاً لا ينبغى لأحد من بعدى
إنك أنت الوهاب "
ص ، الآية 35
وما نود التعليق عليه هو أن هذا الملك على اتساعه لم يكن حائلاً أو سدا يمنع من القرب إلى الله تعالى ولكن الشرائع السابقة على الإسلام كانت موقوتة بزمن محدد وعلى شعب محدد ومن الظلم أن تقارن بشريعة تتسع لكل الزمان وكل المكان .
ومهما قيل فى سمو المبادئ من الناحية النظرية فإن المعول عليه هو ملاءمة المبادئ للطبيعة البشرية ولقد كان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان واسع الثراء كعبد الرحمن بن عوف .. ومنهم من كان لا يملك شيئاً كأهل الصفة ، والحكم الفاصل فى النهاية هو :
" إن أكرمكم عند الله أتقاكم"
فإن الغنى والفقر أداتان من أدوات الابتلاء والاختبار للكشف عن حقيقة الإيمان ومدى رسوخه فى القلب .
مقاومة الشر :
جاء بإنجيل "متى" الإصحاح الخامس "
" سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن "
وأما أنا فأقول لكم :
" لا تقاوموا الشر بل مَنْ لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً
ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً .
ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين .
أما الإسلام فهو دين الفطرة السليمة .. يراعى ما يمكن تطبيقه بشرط العدالة للطرفين.
دين إيجابى يقاوم الشر ولا يتركه لكى يستفحل
لا يقف المسلم متفرجاً على ما يمر به من أحداث
" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان "
- الدعوة إلى الله تعالى لا تكون بالعنف وإنما تكون كما قال الله تعالى فى محكم آياته:
" ادع إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة
وجادلهم بالتى هى أحسن
إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله
وهو أعلم بالمهتدين "
النحل ، الآية 125
هذا هو المنهج الذى رسمه الله تعالى وحدده لخاتم رسله أن يبلغ دين الله إلى الناس بالرفق وليس له أن يقهر أحداً على تغيير ما لا يريد تغييره
وليس لأحد أن يزعم أنه أغير على دين الله من الله تعالى .
ولكن عليه فقط أن يُخلِص فى تبليغ منهج الله تعالى بكل الطرق التى يجب أن يتحلى بها الداعية من علم وفطنة وذكاء .
وانتقاء الأسلوب واختيار أنسب الأوقات لعرض دعوته .. إلخ
أما تعرض الإنسان للطم على وجهه أو تجريده من ثيابه وتسخيره . ميلا أو ميلين .. أو التعرض لأى صورة أخرى من صور العدوان فإن الله تعالى لم يُلزم المسلم بترك نفسه للأشرار - يفعلون به ما يشاءون وإنما يعطيه متسعاً لتقدير كل حالة بظروفها بلا تجاوز للعدالة .
" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به
ولئن صبرتم لهو خير للصابرين . " 16/126
التشريع العالمى يضع لكل حالة ما يناسبها ، فمن يقدر على الصبر فى حالة تستدعيه وفى ظروف يحتملها المعتدى عليه ففى الصبر خير له ..
ولذلك نجد النتائج مختلفة تماماً بين التشريع المسيحى والتشريع الإسلامى :
من يرد اللطمة بمثلها مثلاً ...
يعتبر آثماً فى التشريع المسيحى أو مخالفاً له على الأقل
بينما لا يعتبر كذلك فى التشريع الإسلامى
فأى التشريعين يكون متفقاً مع ضمير الإنسان
ويكون صاحبه اكثر انسجاماً واصطلاحا مع نفسه ومع الآخرين .
التشريع الإسلامى يسمح برد الاعتداء فى حدود العدل والحق
وهو تشريع إيجابى يواجه الشر ويقاومه ويربى أتباعه على احترام النفس .. يصلح للحاكم والمحكوم .. يصلح لضبط وتنظيم شئون الدنيا كلها بجميع أفرادها .. أبيضها وأسودها فى كل زمان ومكان .
أما تعاليم السيد المسيح التى اشتملت عليها موعظة الجبل ..
فهى عظات سامية عالية .. غاية فى التسامح .. لا يرفضها التشريع الإسلامى ولكنها تدخل فى نطاقه تحت قول الله تعالى ولننظر إلى دقة التشريع الإسلامى فى قوله تعالى :-
" وجزاء سيئة سيئة مثلها
فمن عفا وأصلح فأجره على الله
إنه لا يحب الظالمين ." 42/40
ثم إن الذى ينتصر لنفسه بعد وقوع الظلم عليه فلا يؤاخذ على فعله هذا . وإنما يجب مؤاخذة الظالمين الباغين .
" ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل " 42/41
" إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون
فى الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم " 42/42
" ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " 42/43
-القرآن الكريم... وضع الله فيه ما يراعى ويقدر الدوافع البشرية ..
فلو أن ما يسمى بالنظام العالمى الجديد أخذ بهذا التشريع العادل المحكم لاستراحت البشرية وعمها الخير وارتدع المجرمون عن ارتكاب الشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق