ly

Translate

قتيلة بنت النضر


قتيلة بنت النضر


بكى الرسول ..
حتى اخضلت
الدموع لحيته

وقال :
يا أبا بكر :
لو سمعت شعرها
لم أقتل أباها






قُتَيلَة بنتُ النَّضْر
--
التعريف بها :
        شاعرة أبكت الرسول عليه الصلاة والسلام بشعرها
نسب أبيها :
        هو النضر بن الحارث بن علقمة
        ابن كلدة بن عبد مناف
        ابن عبد الدار بن قصى
        فهى إذنقرشية عبد ربه
زوجها :
        عبد الله بن الحارث
        ابن أمية الأصغر
        ابن عبد شمس
أبناؤها :
        ولدت لزوجها ..
        عليا ، والوليد ،
        محمد ، وأم الحكم
---
عداوة أبيها للرسول صلى الله عليه وسلم  :
    كان النضر بن الحارث من أشراف
    قريش المشركين الراغبين فى التخلص
    منه .. بكل الطرق .. والمناهضين
    للاسلام بكل ما يستطيع من دعاية
النضر من شياطين قريش :
حاولت قريش أن تقاوم سحر القرآن بشئ آخر جذاب وجدته فى النضر
" كان النضر قدم الحيرة ..
وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس
وعبادتها وأقوالها فى الخير والشر
وفى عناصر الكون
فأخذ كلما جلس محمد مجلساً يدعو
فيه قومه إلى الله تعالى ، ويحذرهم
عاقبة أمرهم كمن قبلهم من
الأمم التى أعرضت عن عبادة
الله تعالى يخلف محمداً فى مجلسه
ويقص على قريش حديث فارس
ودينها .. ثم يقول :
بماذا يكون محمد أحسن حديثاً
منى ؟
أليس محمد يتلو من أساطير
الأولين .. ما أتلو "
وكانت قريش تذيع أحاديث
النضر من طريق الرواية ..
دعاية على ما ينذر محمد
الناس به ..
وما يدعوهم إليه
حضور دار الندوة
وهى دار قصى بن كلاب
كانت قريش لاتقضى أمراً إلا فيها
يتشاورون فيما يصنعون فى أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم 
حين خافوه
وكان النضر بن الحارث ممن حضر
ممن حضر هذا الاجتماع الخطير
لاتخاذ موقف حاسم ضد محمد صلى الله عليه وسلم 
أسباب الخوف من الرسول :
لما رات قريش أنه صارت
لرسول الله صلى الله عليه وسلم  شيعة
وأصحاب من غير بلدهم مكة
ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين
إلى أنصاره ..
عرفوا أن اصحابه قد نزلوا داراً
آمنة .. وأصابوا فيها حصانة وقوة
ومنعه ، فتوقعوا أن رسول الله 
لابد خارج إلى حيث يقيم أصحابه
وأنه لابد عائد لمحاربتهم
وأنتهوا فى تفكيرهم فى هذا الاجتماع
الذى حضره شياطين الإنس والجن
إلى محاصرته فى داره والتخلص
منه بفريق يجمع بين شباب
القبائل بالقتل ..
ونجاة الله تعالى من هذا التدبير :
نقول ذلك لنظهر مدى عداوة
النضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم 

المشاركة فى موقعة بدر :
أضاف النضر لكل ما سبق له من أعمال معادية للرسول وللدعوة الجديدة اشتراكه فى غزوات بدر الكبرى
وانتصر المسلمون ببدر ..
وقسم الرسول الفئ بين المسلمين على سواء
فجعل للفرس مثل ما للفارس ..
وجعل للورثة حصة من استشهد ببدر
وجعل حصة لمن تخلف بالمدينة فلم يشهد بدرا
مادام كان قائماً فيها بعمل المسلمين
ومن حرضه حين الخروج إلى بدر
وتخلف لعذر قبله الرسول صلى الله عليه وسلم 
وكذلك قسم الفئ بالقسط
فلم يشترك المقاتل وحده فى الحرب والنصر
بل اشترك فى الحرب والنصر كل من كان لعمله
فى الفوز خط أيا كان هذا العمل
وفى ميدان القتال كان ..
أو بعيداً عنه
وارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم 
التهنئة بالنصر :
حتى إذا كان رسول الله بالروحاء ..
لقيه المسلمون يهنئون بما فتح الله عليه
ومن معه من المسلمين فى وقعة بدر
قال مسلمة بن سلامة بن وقش :
وما الذى تهنئون به ؟
فوالله إن لقينا إلا عجائز ..
صلعاً كالبدن فى عقالها ..
فنحرناها !
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم 
وقال : يا ابن أخى
أولئك الملأ ..
أى  اشراف قريش
وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  الأسارى من المشركين ،
كان الأسرى أربعة وأربعين أسيرا
وفى الأسرى .. النضر بن الحارث
وعقبة بن أبى معيط
قتل النضر بن الحارث :
قتل النضر ابن الحارث .. وعقبة بن أبى معيط من الأسرى والرسول فى طريق العودة الظافرة
ولم يكن النبى صلى الله عليه وسلم  ولا أصحابه قد وضعوا بعد نظاماً للأسرى يكون على مقتضاه قتلهم أو فداؤهم أو استرقاقهم
لكن النضر وعقبة كانا شرا مستطيرا على المسلمين أيام اقامتهم بمكة
نظر السول إلى النضر نظرة جمعت كل الذكريات الأليمة لما فعله من أذى بالمسلمين
قال النضر لرجل إلى جنبه :
محمد والله قاتلى ..
لقد نظر إلى بعينين فيهما الموت
قال الآخر : ما هذا والله منك إلا رعب
قال النظر لمصعب بن عمير :
كلم صاحبك أن يجعلنى كرجل من أصحابه
فهو والله قاتلى أن لم تفعل
أجاب مصعب :
إنك كنت تقول فى كتاب الله ما لايجوز
أن يقال .. وكذلك فى نبيه ..
وكنت تعذب أصحابه
قال النضر :
لو أسرتك قريش ماقتلتك
أبدا وانا حى
قال مصعب : والله ما أراك صادقاً ..
ثم إنى لست مثلك ..
فقد قطع الاسلام مابيننا وبين المشركين من عهود
صاح المقداد :
النضر بن الحارث أسيرى
قال الرسول عليه السلام :
" أضرب عنقه
اللهم أغن المقداد من فضلك
وقتل على بن أبى طالب .. النضر بن الحارث ضرباً بالسيف

لعلنا الآن عرفنا ما يكفى عن النضر بن الحارث ومدى عداوته للاسلام .. ولرسوله .. وللمؤمنين
وأنه كان أحد شياطين قريش ..
أذى .. وتخطيطاً .. وافتراء .. واجتراء
على الرسول وعلى القرآن الكريم ..
وكان جزاؤه العادل .. القتل
لكن ابنته الشاعرة  " قتيلة بنت النضر قالت أبياتاً من الشعر فى رسول الله صلى الله عليه وسلم  لما قتل أباها يوم بدر استطاعت هذه الأبيات .. رغم كل ما فعله أبوها أن تتغلغل فى نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأن تجعله يبكى تأثراً وشجناً
قالت قُتَيلَة بنتُ النَّضْر :
    ياراكبا إن الأثيل مظنة
                من صبح خامسة وأنت موفق
    أبلغ بها ميتاً بأن تحية
                ما إن تزال بها النجائب تعنق
    منى إليه وعبرة مسفوحة
                جاءت لما تحها وأخرى تخنق   
    ظلت سيوف بنى أبية تنوشه
                لله أرحام هناك تشقق
    فسرا يقاد إلى المنية متعباً
                رسف المقيد ، وهو عان موثق
    أمحمد أولست ضنء نجيبه
                من قومها ، والفحل فحل معرق
    ماكان ضرك لو مننت وربما
                من الفتى وهو المغيظ المحنق
    فالنضر أقرب من تركت قرابة
                وأحقهم إن كان عتق يعتق
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم  ذلك بكى حتى أخضلت الدموع لحيته ..
وقال :
    " لو بلغنى شعرها "
    " قبل أن أقتله "
    " ما قتلته "
وقال لأبى بكر :
يا أبا بكر : " لو سمعت شعرها لم أقتل أباها "
هيا معا نعاود قراءة هذه الأبيات ..
نتأملها لنتعرف على مابها :
نتعرض سريعاً لمعانى كلماتها
1- الراكب : يقصد به راكب البعير خاصة إذا لم يضعف إلى ما يركبه .. يمكن أن يقال راكب فرس أو حمار أما إذا قيل الراكب بلا تخصيص فهذا يعنى راكب البعير.
2- الأثيل  : تصفير لكلمة أثل وتطلق على الشجر الطويل المستقيم جيد الخشب الذى يعمر طويلاً ولكنها هنا يقصد بها مكان بين بدر ووادى الصفراء  به عين ماء قتل به النضر بن الحارث
3- النجيبة : مؤنث النجيب وتطلق على الناقة أو المرأة كريمة الأصل وجمعها نجائب.
4- تعنق  : أى تسرع
5- الماتح : المستقى
6-الرسف :المشى الثقيل
7-العافى : الأسير المرهق
8-الموثق : المقيد
9-الضنء : الولد .. ضنأ نجيبة : أى ابن امرأة كريمة ذات حسب ونسب
10- المحنق : الشديد الغيظ
11- المظنة : هى المكان الذى تظن أن أباها قتل منه
نقرأ القصيدة فنجدها تتسلل إلى النفس وتتفاعل مع المشاعر .. وتحدث فيها من الآثار مالا يتوقع إحداثه من غيرها
ونتساءل لماذا نجحت هذه القصيدة لعل السبب هو
1- توافق الشكل مع المضمون ونقصد به توافق الألفاظ مع المعانى التى أرادت
الشاعرة نقلها إلينا أو بالأحرى الأبنة المحزونة على أبيها
2- صدق المشاعر ..
فهى حينما تقول :
    أبلغ بها ميتا بأن تحية
                ما إن تزال بها النجائب تعنق
أنها تصور المطايا وكأنها تحس بما فى هذه الحية من شوق .. وكأنما شوقها هى أنتقل إلى المطايا حقيقة فهى تسرع إلى هذا المكان الذى قتل فيه أبوها لابلاغ التحية للمكان الذى يشتاق بدوره لتقبل هذه التحية
ألا ترى أنها أشركت الانسان والجماد والحيوان فى مشاعرها و أحاسيسها .. ومواساتها فى مصابها
وحينما تقول :
        منى إليه وعبرة مسفوحة    
                    جادت لما تحتها .. وأخرى تخنق
إنها تصف دموعها التى خرجت من نبع واحد لكنها انقسمت على خدها وتنوعت .. بعضها تسيل فتخفف عنها ..
فكأنها بئر سخية كريمة تجود بالماء لمن يطلب استخراجه منها
والبعض الآخر من الدموع يحتبس كأنه يريد خنقها
وكأن الدموع صنفين :
احداهما يد كريمة تعطى
والأخرى قاسية تطبق عليها تكاد تخنقها
وحينما تقول :
    ظلت سيوف بنى أبيه تنوشه
                لله أرحام هناك تشقق !
ومما يزيد فى آلامها .. أنه قتل بسيوف بنى أبيه .. وليس بسيوف أناس غرباء عنه وفى هذا وأمثاله ما فيه من تشقق ..
وتصدع للأرحام
ثم صورت اقتياده إلى الموت قسرا
يرسف فى قيوده وأغلاله مرهنا لا حيلة له فى الأمر .. صورت ذنب بقولها
    قسراً يقاد إلى المنية متعباً
                رسف المقيد وهو عان موثق 
ثم اتجهت بشعرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  مباشرة .. وخاطبته بأسلوب استفهامى  تقريرى .. فهى لاتنكر عليه بل تقر بأنه سليل سيدة كريمة الحسب والنسب تنضل أمثالها
كما أنه لاشك ورث النجابة والأصل الطيب والرجولة والفحولة عنها وعن أبيه وأجداد .. فقالت :
    أمحمد أولست ضنء نجيبه
                من قومها .. والفحل فحل معرق
ثم صرخت صرختها المكتومة ..
ولكن بعد فوات الأوان .. فقالت :
    ما كان ضرك لو مننت وربما
                من الفتى وهو المغيظ المحنق
لا أشك أن هذا البيت هو ذروة الانفعال والرجاء اليائس والحزن الذى لايستطاع دفعه إنه يبدو وكأنها لجأت .. ولكن بعد فوات الأوان .. وبعد أن سبق السيف العزل إلى قول الله تعالى :
" والكاظمين الغيظ "
" والعافين عن الناس "
" والله يحب المحسنين "
وقالت أخيراً تذكر
أن أباها النضر أقرب إليه من جميع الأسرى الذين لم يقتلهم ..
وكان أولى وأحق من الجميع بالعتق
إن كان ثم مجال للعتق

وبكى الرسول حتى أخضلت الدموع لحية تعليق أخيراً :
نلاحظ أن قتيلة لم تذكر أباها بالاسم إلا فى البيت الأخير وهو فالنضر أقرب من تركت قرابة
وأحقهم .. إن كان عتق يعتق
كما أنها لم تفخر ولم تحاول أن تزهو به ولا أن تشير مجرد اشارة ولو عابرة إلى شئ من هذا ..
وهى لو فعلت لفقدت القصيدة مابها من تأثيرها .. فمن عوامل تأثيرها أنها تتحدث عن غائب .. دون زهو ولو تحدثت عنه بغير هذا الأسلوب
لفشلت فى أن تستجلب مشاركتنا لها فى حزنها ..
فقد كان أبوها أحد شياطين قريش
الذين يسعد المؤمنون بقتلهم ..
ولايشفع شرفه وحسبه ونسبه فى الرثاء له أو الحزن عليه فياطالما ناصر المشركين .. وقتل على الشرك
ونجحت قتيلة فى اغفال هذا الجانب القبلى الجاهلى بدافع اسلامها .. ولجأت إلى تصوير أحزانها الشخصية الحقيقة التى تشعر بها نحو ماحدث لأبيها ..
وهذه مشاعر انسانية لايلام أحد عليها فقد حزن " أبو حذيفة " ابن عتبة حين رأى أباه يسحب إلى القليب مع قتلى بدر ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم  فى وجه "أبى حذيفة" المسلم ..
فإذا هو كئيب قد تغير لونه
وحين سأله الرسول هما به قال له :
" كنت أعرف من أبى رأيا وحلما وفضلا فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الاسلام فلما رأيت ما أصابه .. وذكرت ما مات عليه من الكفر ..
أحزنى ذلك
تجنبت قتيلة هذه الجوانب .. ولمست فى قلب الرسول وفى قلوب كل من بقرأ قصيدتها جانب الصفح وكظم الغيظ والاحسان إلى المسئ ..
فخطبت بالاشفاق عليها هى بسبب هذا لشعر الذى عبر عن قلبها تعبيراً صادقاً .. حقاً ..
" إن من البيان لسحراً .. وإن من الشعر لحكمة "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخر الزوار

Flag Counter