ly

Translate

اتقوا الله ياعرب من اعمالنا سلط علينا

التنبوء بالمستقبل السياسي مسألة غير مأمونة‏,‏ فالذين يصنعون الأحداث بشر‏,‏ يأخذون قرارات ويحشدون خلفها حكومات وأحزاب وجماعات بل وأمم بأكملها‏.‏
ومهما كانت قدرة المراقب علي فهم تفكير صناع الأحداث هؤلاء فإنهم يتمكنون دوما‏_‏ خاصة في العالم العربي‏-‏ من مفاجئتنا بأفعال غير متوقعة‏,‏ وأحيانا غير مفهومة‏.‏ ومن ثم فإن رؤيتي لمستقبل العالم العربي خلال العشر سنوات القادمة تستند إلي تحليل التيارات الرئيسية التي تجتاح العالم العربي اليوم والتي ترجح كفة تطورات معينة أكثر من أخري‏.‏ لكني أقر أنه من الممكن أن يفاجئنا صناع الأحداث بقرارات تدفع الأمور عكس ما يبدو الآن أنه مسارها المتوقع‏,‏ وعساهم يفعلون‏.‏
فالعالم العربي اليوم تجتاحه ثلاثة تيارات يغذي بعضها بعضا وتشكل قوة ضاغطة لا يبدو أن هناك من يمكنه وقفها في المستقبل المنظور‏.‏ التيار الأول هو الرغبة العارمة لدي الشعوب العربية في تعديل نظمها السياسية بحيث تمثل مصالحها أكثر وتعكس هويتها بصورة أقرب‏.‏ والثاني هو نجاح خطاب‏'‏ الإسلام السياسي‏'‏ في فرض هيمنته وتهميش منافسيه في الشارع السياسي‏.‏ أما التيار الثالث فهو الصعود المستمر لثقافة شعبية تعادي العقلانية وتستخف بالتفكير العلمي النقدي‏.‏ هذه التيارات‏,‏ مجتمعة‏,‏ تمكن بعض صناع الأحداث من فرض رؤاهم واختياراتهم في حين تضعف هذه القدرة لدي آخرين‏.‏ ومالم تحدث معجزة ما تعكس اتجاه هذه التيارات‏,‏ فإنها ستساعد علي تمكين هؤلاء الذين يسعون لإعادة صياغة الدولة والمجتمع في العالم العربي علي أساس رؤية للهوية العربية تتسم بالانغلاق والتصادم مع الغير‏.‏
أول المستفيدين من هذه التيارات الثلاثة هم أنصار‏'‏ أسلمة‏'‏ الدولة‏,‏ وهي العملية التي بدأت بالفعل في العديد من الدل العربية سواء بشكل رسمي أو فعلي‏.‏ ويعتمد المدي الذي ستذهب إليه هذه العملية علي ظروف كل دولة‏,‏ ففي حين يمكن أن تنجح بعض النظم القائمة في البقاء من خلال ارتداء مسوح الإسلام بشكل أكبر مما تفعله الآن‏,‏ فإن البعض الآخر قد يتعرض لعملية تغيير حقيقية بما في ذلك استبدال نخبه الحاكمة بأخري من وسط صفوف الحركات الإسلامية الكبري‏.‏ أما قيام نظم مشابهة لنظام الطالبان فأمر مستبعد حدوثه في البلدان العربية الرئيسية‏,‏ وإن كان واردا في بعض الجيوب والمناطق الهامشية‏.‏
ومن المنتظر أن تقدم النظم المتأسلمة علي توسيع هامش الحريات السياسية وتشجيع المشاركة الجماهيرية وفاء لوعودها لأنصارها وأيضا بهدف بناء قاعدة من الشرعية تستند إليها في مواجهة التحديات الآتية من الخارج ومن بقايا النظم القديمة‏.‏ إلا أنها ستفرض ولا شك حدودا صارمة تشكل إطارا لهذه الحريات وستعاقب بشدة من تسول له نفسه تجاوزه‏.‏ وسيعتمد هامش الحريات المتاح داخل هذا الإطار علي الصراع الدائر داخل هذه الجماعات بين أنصار الاستبداد باسم الدين ومن يتبنون تفسيرات للنص الديني أكثر سماحا بالحريات‏.‏ بمعني آخر‏,‏ فإن الصراع الدائر حاليا في المجتمعات العربية حول هامش الحريات سوف يستمر‏,‏ ولكن في إطار تحدده الدولة المتأسلمة ونخبتها الجديدة‏.‏
المستفيد الآخر من التيارات التي تجتاح العالم العربي اليوم هم قادة الرأي العام الشعبويون‏(‏ وأعني بذلك هؤلاء الذين ينقادون لأهواء الجماهير ويتمكنون في الوقت نفسه من التلاعب بهذه الأهواء وقيادتها‏).‏ فأمام الظلم التاريخي الفادح الذي أصاب الشعوب العربية‏,‏ وتحت وطأة إحساسنا القاسي باستحالة رفع هذا الظلم عن أنفسنا‏,‏ وعدم منطقية استمرار هذا الظلم منذ عشرات السنين رغم كل محاولاتنا دفعه‏,‏ تخلي الكثير منا عن التفسيرات العقلانية للأشياء ووجدوا تفسيرات أخري تريحهم‏,‏ ابتداء من تفسير تدهور الحال بمؤامرات كبري أو بخيانات صغري‏,‏ مرورا بالإدعاء أننا أفضل الأمم مهما تدهور حالنا‏,‏ وانتهاء بالتفسيرات الغيبية وانتظارات آخر الزمان‏.‏
وستكون أولي ضحايا هذا التيار الفكري القوي هي العلوم الانسانية والاجتماعية‏,‏ بما سيقلل أكثر من قدرة مجتمعاتنا العربية علي مراقبة مسارها وتصحيح أخطائها بنفسها وكسر حلقة التخلف التي تحيط بها‏.‏ فبدلا من البحث في مسئوليتنا وأخطائنا وكيف نغير ما بأنفسنا‏,‏ نجد عزائنا في لوم الآخرين عما حدث لنا‏,‏ وتغنينا الشكوي من سوء الحال عن عناء البحث عن حلول عملية تحسن أوضاعنا‏,‏ وبدلا من مشقة السعي والمبادأة نجد الراحة في الانتظار لعل الأمور تتغير من تلقاء نفسها‏.‏
كما سيعاني الانتاج الثقافي والفني‏,‏ ربما باستثناء الأدب الذي يمكنه الافلات بشكل أسهل من سيطرة هذه الحالة الفكرية‏.‏ وفي المحصلة فإن قيم الحداثة الأساسية‏-‏ كحرية الفرد في التفكير والاعتقاد والتعبير‏,‏ والمساواة بين الجميع بغض النظر عن جنسهم أو عقيدتهم أو أصلهم الاجتماعي‏,‏ وسيادة منطق العقل‏-‏ سيتم تصويرها باعتبارها قيما غريبة عن تراثنا تخص بالأساس‏'‏ الثقافة الغربية‏',‏ وبالتالي يتم إضعافها أكثر‏.‏
سيادة هذا التيار الفكري ستضر أيضا بدراسة علوم الطبيعة‏.‏ ورغم سعي النظم الجديدة لإنقاذ ما يمكنها إنقاذه من قدرات البحث العلمي في البلدان العربية‏,‏ إلا أن إضعاف المنهج العقلاني والعلمي في المجتمع بصورة عامة وضعف العلاقة بين الابتكار العلمي والنشاط الاقتصادي‏(‏ الذي يشكل المحرك الطبيعي للبحث والتطوير العلمي في مجتمعات تعتمد علي آليات السوق‏)‏ سيجعل أي إنجاز علمي عربي محض حالة استثنائية‏.‏
العالم كله ضدنا
ما ستكسبه النظم العربية الجديدة من شرعية داخلية ستخسره في الأرجح في مغامرات خارجية فاشلة‏.‏ فزيادة درجة المشاركة السياسية في صنع القرار تعني‏,‏ ضمن أشياء أخري‏,‏ احترام الحكومات لرغبات الرأي العام‏_‏ وأهواءه‏_‏ بشكل أكبر في قراراتها المتعلقة بالسياسة الخارجية‏.‏ ونظرا إلي أن الهوية الوطنية يتم إعادة تعريفها من قبل القادة الشعبويون وجماهيرهم الغاضبة بشكل انعزالي وتصادمي‏,‏ فإن الرأي العام مرشح لأن يكون مزاجه أكثر تصادمية مما هو عليه الآن‏.‏ هذا الأمر سيغري‏(‏ أو يضطر‏)‏ الحكومات للدخول في مواجهات مع العالم الخارجي لا يمكن الانتصار فيها‏.‏ وليس هذا بجديد‏.‏ تاريخيا‏,‏ عالجت النظم العربية هذه المشكلة بأن تنسب الفشل إلي مؤامرات خارجية‏,‏ بما يزيد في الواقع من غضب واحتقان الرأي العام وبالتالي يزيد من ضغطها علي الحكومات كي تبدي حزما أكبر في التعامل مع العالم الخارجي الظالم‏.‏ وبعد تكرار الفشل ينتهي الأمر بالحكومات إلي تبني مواقف حنجرية متشددة وسياسات فعلية متساهلة مع البحث عن مظاهر للقوة تعوض بها عجزها الفعلي‏,‏ في حين تستسلم الجماهير شيئا فشيئا‏'‏ لقدرها‏'‏ وتنتظر تغييرا خارجيا يعدل من‏'‏ نصيبها‏':‏ إدارة أمريكية جديدة تكون أكثر عدالة إزاء القضايا العربية‏,‏ أو حكومة إسرائيلية جديدة تستجيب لنداءات السلام العادل‏,‏ أو بطل مغوار ينتقم لنا من الاثنين‏.‏
ومع كل فشل خارجي جديد ستزداد حدة العداء لأمريكا‏.‏ وسيصبح‏'‏ ضرورة معالجة المظالم التاريخية العربية‏'‏ حديثا معادا تلوكه ألسنة الدبلوماسيين العرب دون أن تبدي واشنطن استجابة فعلية له‏.‏ لكن لا العداء لأمريكا ولا عدم اكتراثها بتصحيح أخطائها التاريخية سيهدد الوجود الأمريكي في المنطقة بشكل جذري‏.‏ فالمصالح الأمريكية في هذه المنطقة غير مرشحة للتغير‏,‏ ولا قدرة الولايات المتحدة علي حمايتها‏,‏ ولا استعداد الدول العربية للتعاون معها‏-‏ بما فيها الدول المتأسلمة‏.‏ سيظل هناك دول عربية تري في التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة أمرا جوهريا لأمنها‏,‏ وأخري تريد صداقة الولايات المتحدة مع الاحتفاظ بحقها في انتقادها من وقت لآخر‏,‏ وأخري تتحدي السياسة الأمريكية دون أن تتمكن من تحويل أي نجاح تحققه في هذا المضمار إلي ظاهرة تعم الإقليم أو تغير موازين القوة فيه‏.‏ باختصار‏,‏ لن تختلف صورة العلاقات العربية الأمريكية عما كانت عليه منذ الخمسينات‏.‏
وبينما سيظل دور الاتحاد الأوربي في الحياة السياسية العربية هامشيا‏,‏ إلا أن العلاقات العربية الأوربية ستصبح بؤرة توتر متزايد الحدة نتيجة تعمق الخلافات حول موضوعات الهوية والجاليات العربية في أوروبا‏,‏ كما أن أوروبا ستكون هدفا أسهل للغضب العربي علي‏'‏ الغرب‏'‏ بصورة عامة‏(‏ والولايات المتحدة بصورة خاصة‏).‏ وستتكرر حوادث مشابهة لتلك التي رافقت موضوع الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية‏,‏ أو تصريحات بابا الفاتيكان الحالي‏,‏ أو مآذن سويسرا‏,‏ وفي كل مرة ستزداد المواقف تصلبا‏,‏ وتتسع الهوة أكثر‏.‏ أما‏'‏ حوار الثقافات والحضارات‏'‏ فسيستمر في اجتذاب الكتاب الذين يعانون من الملل والمسئولين المتقاعدين‏,‏ لكن دون فائدة أخري تستحق الذكر‏.‏
علي الصعيد الاقتصادي‏,‏ من المتوقع نجاح بعض الجيوب الصغيرة في الإسهام في الاقتصاد العالمي في حين يتقلص النصيب العربي الاجمالي من هذا الاقتصاد ككل‏.‏ فسيجد رجال الأعمال العرب الناجحين خانات في الاقتصاد العالمي يمكنهم التفوق فيها‏,‏ مثل شبكات الاتصال وخدمات السياحة وتصدير الفاكهة والخضروات والزهور‏.‏ وسيجنون من وراء ذلك أرباحا تسعدهم وتحسن المؤشرات الإجمالية للاقتصاد الوطني‏.‏ أما ضحايا العولمة الاقتصادية فسيقتاتون علي الفتات ويجدون بعض العزاء في شبكات الاحسان والتضامن الاجتماعي‏.‏ وفي حين أن زيادة المشاركة السياسية تفتح الباب أمام المطالبة بعدالة إجتماعية أكبر‏,‏ إلا أن تحقيق ذلك ليس مضمونا‏,‏ فهناك نظم سياسية ديمقراطية عاشت سنوات طويلة في ظل هوة متزايدة بين الأغنياء والفقراء‏.‏
أما الدول النفطية التي ستنضب آبارها فستشهد علي الأرجح نضوبا مماثلا في قوتها الاقتصادية‏.‏ فمع توقف عائدات النفط عن ملء الخزانة العامة والتغطية علي سوء الإدارة والعيوب الهيكلية الأخري للاقتصاد الريعي‏,‏ ستكتشف هذه الدول سريعا محدودية قدرتها علي المناورة بأسهمها في السوق العالمي‏.‏ ومن خلال الأزمات الحقيقية والمفتعلة في الأسواق العالمية والإقليمية ستتبخر هذه الأسهم والممتلكات مثلما ولدت‏,‏ وسيكون التأقلم علي الفقر صعبا علي هؤلاء الذين لم يعرفوا سوي الإنفاق بلا حدود‏.‏ أما محاولات اللحظة الأخيرة للتحول الاقتصادي والاندماج في الاقتصاد العالمي فلن يكتب لها النجاح‏,‏ حيث يحتاج هذا الاندماج لبنية أساسية علمية ولثقافة تحترم العلم والتفكير النقدي‏,‏ وكلا الأمرين غائب‏.‏
الصراعات والقيادة في المنطقة
من المستبعد أن يتم تسوية الصراع العربي الإسرائيلي خلال العقد القادم‏,‏ ليس لأنه صراع غير قابل للحل ولكن لأن مزاج وتصرفات أطراف الصراع والقوي الخارجية تجعل التوصل لتسوية أمر مستبعد‏.‏ وبما إن أطراف هذا الصراع لا يحبون الجمود ويلجأون للتصعيد عندما ينسد أفق التسوية بغض النظر عما يلحقه ذلك من دمار علي أنفسهم وعلي المنطقة‏,‏ لذا لا يجب أن نفاجأ إذا وجدنا أن الصراع العربي الإسرائيلي لا يزال يشكل أحد الملامح الرئيسية للمنطقة في‏.2020‏
المفاجأة الحقيقية ستكون نجاح السلطة الفلسطينية في البقاء‏.‏ فبعد رحيل أبومازن وما سيتلوه ذلك من محاولات الحرس القديم التمسك بأهداب السلطة‏,‏ سيتولي الجيل الجديد من أبناء الداخل قيادة حركة فتح‏.‏ وفي غياب أفق للتسوية السلمية مع إسرائيل ستتقلص الفوارق بين فتح وحماس وستتناوب الحركتان‏_‏ بالتوازي أو بالتوالي‏_‏ ممارسة سلطة منقوصة علي المناطق الفلسطينية التي ستنسحب منها إسرائيل‏.‏ في أثناء ذلك تحكم إسرائيل قبضتها علي القدس والمناطق الفلسطينية الأقل كثافة سكانية‏.‏ ومن وقت لآخر‏,‏ تقع مواجهات بين العرب والإسرائيليين تجر المجتمع الدولي للتدخل والبحث عن تسوية‏,‏ ثم لا تلبث هذه المحاولات أن تتجمد وتعود الأوضاع لسابق عهدها‏.‏ وشيئا فشيئا يترسخ لدي الجميع قناعة باستحالة حل هذا الصراع‏,‏ ويتعمق الشعور العربي بالظلم والاحباط‏.‏
من ناحية أخري‏,‏ سيتزايد اعتماد دول الخليج علي المظلة الأمنية الأمريكية‏,‏ خاصة في ضوء التطورات المتوقعة في كل من العراق وإيران‏.‏ إذ سيؤدي تحييد البرنامج النووي الإيراني وتدمير بنيتها العسكرية والصناعية إلي غضب عربي عام ويعجل بأفول نجم‏'‏ االمعتدلين‏'‏ دون تقوية المتشددين بالضرورة‏.‏ كما أن نظام العقوبات الذي سيتلو ذلك‏(‏ والمشابه للعقوبات التي خضع لها العراق بعد تحرير الكويت‏)‏ سيتكفل بإضعاف نفوذ إيران الإقليمي دون أن يقضي عليه تماما‏.‏ ومن ثم ستسعي دول المنطقة إلي إغراق ما تبقي من النفوذ الإيراني في المستنقع الطائفي العراقي المنتظر استفحال توتراته بعد الانسحاب الأمريكي من العراق‏.‏
كذلك يتوقع استمرار أو تفاقم الصراعات المرتبطة بالأقليات سواء كانت طائفية أو عرقية‏,‏ وذلك في البلدان ذات المجتمعات المتنوعة كالعراق والسودان واليمن ولبنان وسوريا والجزائر والمغرب والبحرين والسعودية‏.‏ كما يمكن نشوب نزاعات حول الموارد المائية بين دول عربية وجاراتها‏.‏
ستسلط هذه الصراعات الضوء علي معضلة غياب القيادة داخل النظام العربي‏,‏ لكن دون أن تؤدي بالضرورة لحلها‏.‏ قد تحاول مصر تجديد سياستها الإقليمية وتجربة حظها مرة أخري في قيادة هذا النظام المعقد‏,‏ لكنها ستكتشف عندئذ أن نجاحها مرهون بقدرتها علي اقتسام القيادة مع الآخرين‏,‏ وهو الأمر الذي تكتنفه صعوبات جمة نتيجة رسوخ التنافس بين الدول العربية وغياب الثقة بين الكثيرين منها ومزايدات البعض علي البعض الآخر‏.‏ وبالتالي ستظل الأحلاف الخارجية الخيار المفضل لأقطاب النظام العربي‏.‏
باختصار‏,‏ لن يكون لدي العالم العربي مايقدمه للعالم في الاقتصاد أو الثقافة أو العلوم‏,‏ بل سيكون إسهامه الرئيسي في مجال الصراعات‏.‏ صحيح أن بعض العرب سيستمرون في التفوق وتقديم إسهامات ذات مستوي رفيع‏,‏ ولكنها ستكون إسهامات فردية‏.‏ أما المجتمعات العربية فستكون أجندتنا مثقلة بالإحباط والغضب أكثر من أي شيء آخر‏.‏ وستكون أجندة الدول العربية مثقلة بالسعي لتفادي المسئولية عن الفشل والتغطية علي عجزها ومحاولة السيطرة علي الفارق بين خطابها وسياساتها الفعلية‏.‏ بمعني آخر لن يختلف العالم العربي الآتي كثيرا عما كان عليه خلال العشر سنوات الماضية‏.‏
هل هناك بارقة أمل؟
من الواضح أني أفترض أن التيارات التي تجتاح العالم العربي اليوم ستستمر في قوتها وفي ترجيح كفة المستفيدين الحاليين منها‏.‏ ولكن‏,‏ مثلما تقول أغنية لينرد كون‏:'‏ هناك شق في كل شيء‏;‏ هكذا يدخل النور‏'.‏ الشق الرئيسي في هذا السيناريو هو إمكانية قيام العناصر الأقل تشددا في معسكر‏'‏ الإسلاميين‏'‏ أو قادة الرأي العام الشعبويين بتوجيه أنصارهم الغاضبين بعيدا عن دعاوي الانتقام ونحو برنامج سياسي إيجابي وغير تصادمي يركز علي المستقبل لا الماضي‏.‏ برنامج يعترف بمظالم الماضي التي نشكو منها جميعا‏,‏ ولكنه يقوم علي أساس الاقتناع بأن مظالم الماضي لا يمكن محوها من التاريخ وإنما يجب تجاوز آلامها ومعالجة آثارها علما بأن هذه المعالجة ستكون جزئية علي أفضل تقدير‏.‏ مثل هذا البرنامج العملي سيأخذ صف ضحايا الظلم التاريخي من أهلنا في فلسطين والعراق ودارفور‏;‏ ليس من خلال اتباع يأس الضحية ورغبتها في الانتقام‏,‏ وإنما بمنعها عن الأفعال اليائسة وإعادة الأمل إليها في حياة أفضل‏.‏ مثل هذا البرنامج سيوجه غضب الجماهير نحو إعادة بناء القدرات العربية‏:‏ ليس بهدف الانتقام من الغرب أو الشمال وإنما كي نبني لأنفسنا الحياة الكريمة التي نستحقها‏.‏ هذا البرنامج سيفخر بالتراث الثقافي للعرب والمسلمين‏,‏ لكنه سيري في هذا التراث جزءا من حضارة إنسانية رحبة ومتنوعة ومتجددة‏,‏ وسيري التنوع في تراثنا الذي‏_‏ شأنه في ذلك شأن كل الثقافات‏-‏ يضم ممارسات تخرج أفضل ما في نفوسنا وممارسات أخري يحسن تركها في الماضي الذي أوجدها‏.‏
مثلما قلت في البداية‏,‏ التنبوء بالمستقبل السياسي مسألة غير مأمونة‏.‏ فمن المستحيل معرفة ما إذا كان صانعوا الأحداث سيرون الشقوق ويحاولون توسيعها حتي يدخلون النور منها‏,‏ أم سيغلقون عيونهم دون تفكير حين تعترضها أشعة الضوء المتقطعة هذه‏.‏ شخصيا‏,‏ لا أري حتي الآن ما يشير إلي أنهم يهتمون بهذا النوع من النور‏,‏ ناهيك عن أن يبحثوا عنه بين الركام المحيط‏.‏ ولكن أملي أن أكون علي خطأ‏.‏
 

اهم المشاركات


كيف اجعل صوتي جميل في قراءة القران beace2014.blogspot.com/2015/04/blog-post_23.html
عمر بن الخطاب اذا قيل له اتق الله بكي beace2014.blogspot.com/2015/04/omar-farooq.html
فضل شهر رجب beace2014.blogspot.com/2015/04/ragab-month.html
البطل الاسلامي الطارق بن زياد beace2014.blogspot.com/2015/03/blog-post_21.html
حقيقة البطل البحار باربروسا الذي شوهو صورته في فيلم قراصنة الكاريبي beace2014.blogspot.com/2015/03/blog-post_40.html
كيف تحقق اهدافك في الحياة 5 خطوات سريعة beace2014.blogspot.com/2015/03/5.html
معلومه اسلامية نادره beace2014.blogspot.com/2015/03/blog-post_46.html

عمر بن الخطاب اذا قيل له اتق الله بكي

تفسير جامع البيان في تأويل القرآن لمحمد الآملي - البقرة ج4 ص245

المؤلفْ: الطبري، أبو جعفر
التصنيف: تفسير القرآن العظيم
3999 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:" وإذا قيلَ له اتق الله أخذته العزة بالإثم" إلى قوله:" والله رؤوف بالعباد"، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صلى السُّبْحة وفرغ، دخل مربدًا له، (1) فأرسل إلى فتيان قد قرأوا القرآن، منهم ابن عباس وابن أخي عيينة، (2) قال: فيأتون فيقرأون القرآن ويتدارسونه، فإذا كانت القائلة انصرف. قال فمرُّوا بهذه الآية:" وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم"،" ومن الناس من يشري نفسه ابتغاءَ مرضَات الله والله رؤوفٌ بالعباد"= قال ابن زيد: وهؤلاء المجاهدون في سبيل الله= فقال ابن عباس لبعض من كان إلى جنبه: اقتتل الرجلان؟ فسمع عمر ما قال، فقال: وأيّ شيء قلت ؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين! قال: ماذا قلت ؟ اقتَتل الرجلان ؟ قال فلما رأى ذلك ابن عباس قال: أرى ههنا مَنْ إذا أُمِر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم، وأرى من يَشري نفسه ابتغاءَ مرضاة الله، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإثم، قال هذا: وأنا أشتري نفسي ! فقاتله، فاقتتل الرجلان! فقال عمر: لله بلادك يا بن عباس. (3)
* * *
وقال آخرون: بل عنى به الأخنس بن شريق، وقد ذكرنا من قال ذلك فيما مضى. (4)
* * *
__________
(1) السبحة : صلاة التطوع والنافلة وذكر الله ، تقول : "قضيت سبحتي" والمريد : قضاء وراء البيوت برتفق بهن كالحجرة في الدار وهو أيضًا موضع التمر يجفف فيه لينشف يسميه أهل المدينة مريدا وهو المراد هنا .
(2) ابن أخي عيينة ، هو الحر بن قيس بن حصين الفزاري ويقال : الحارث بن قيس والأول أصح . وروى البخاري من طريق الزهري عن عبيد اله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس ، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر - الحديث . ترجم في الإصابة وغيرها .
(3) في المطبوعة : "لله تلادك" بالتاء في أوله ولا معنى له ، والصواب ما أثبت . وفي الدر المنثور 1 : 241 -"لله درك" . والعرب تقول : "لله در فلان ، ولله بلاده" .
(4) انظر الأثر رقم : 3961 .

شرح النشر في جميع الجروبات مباشرة

 


يمكنك هذا الموقع من النشر في 10 جروبات او تشترك في حساب مدفوع 7$ يعطي النشر في 1000 جروب ويمكنك دعوة اشخاص وتربح من خلالهم
طريقة الحصول على زوار مستهدفين من مجموعات الفيسبوك
فيسبوك الشبكة الإجتماعية الضخمة الأكثر استخداما والتي يجب أن نستفيد منها لأقصى درجة في أي حال من الأحوال، طبعا جميعنا يأسس صفحات على الفيسبوك لمواقعه أو منتوجاته لكن العيب في هذه الصفحات أن المنشورات لاتصل سوى لنسبة محددة من المعجبين. حيث أن الفيسبوك تجبر أصحاب الصفحات على الإعلان لديها. لكن نحن نريد الإستفادة من الفيسبوك دون أن تستفيد منا.
لذلك قررنا أن نتوجه لمكان لم تفكر الفيسبوك بعد من تمكين الإعلانات فيه وهي المجموعات، حيث أن المجموعات يمكنها ضم أي عدد من الإعضاء، هناك مجموعات تجاوزت الملونين عضو، يجب أن تعلم أن عند نشر أي منشور يصل لجميع الأعضاء بل وأن هناك أعضاء تصلهم إشعارات عند نشر أي منشور. والسؤال هنا؟
كيف سأستفيد من مجموعات الفيسبوك؟
قد يكون على بالك أنني سأخبرك بإنشاء مجموعة ودعوة أصدقائك لللإنضمام إليها، يمكنك التخلي عن هذا التفكير لأن الأمر عكس ذلك، ما عليك سوى إنشاء حساب جديد على الفيسبوك والبحث عن مجموعات تم إنشائها مسبقا والإنضمام إليها، لكن من أجل الحصول على زوار مستهدفين وضمان التفاعل سننضم لمجموعات تتحدث حول نفس المجال الذي يتحدث فيه مواقعنا أو مدوناتنا أو لديه علاقة بخدمة نريد بيعها، حيث مثلا إن كان موقعنا يتحدث حول الطبخ ما علينا سوى البحث عن الطبخ في مربع بحث الفيسبوك ثم الضغط على عرض جميع النتائج ثم فلترة النتائج لتظهر فقط الجروبات، ثم سنقوم بالإنضمام للمجموعات التي فيها عدد كبير من الإعضاء فقط.

كيف سأنشر منشوراتي في كل هذه المجموعات؟

بعد قبولك في المجموعات يأتي وقت النشر، طبعا الأمر جدا متعب، لذلك بحثت عن موقع يمكننا من النشر في كل هذه المجموعات بشكل تلقائي وآمن بل وحتى يمكن برمجة المنشورات بوقت محدد، أمر رائع حقا،

شرح النشر في جميع الجروبات مباشرة

http://slacksocial.com/home/splash?ref=21661

كيف اجعل صوتي جميل في قراءة القران



بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


إخواني وأخواتي 

إن تحسين الصوت في تلاوة القرآن الكريم أمر مطلوب ومحبب 

وخاصة أن سيدنا أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال عندما علم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع إليه 

: لو علمت بأنك تستمع إلي لحبرته لك تحبيرا 



وهاكم 8 قواعد لتحسين الصوت : 



1ـ سجل صوتك.
استمع إلى صوتك بموضوعية وحاول أن تجرب أكثر من نبرة، جرب تلاوة القرآن بأكثر من طريقة وبسرعات مختلفة وبطبقات مختلفة وتدرب على ذلك. إن قوة صوتك من الأشياء المهمة التي يجب أن تتدرب عليها. عليك أن ترفع وتخفض من صوتك حتى تتمكن من التحكم في قدرتك على تنويع قوته.
وهذا شيء نافع جدا في التدرب على الخطابة 

ويفيدك فائدة قيمة وهي أن تصبح مجيدا للتحكم في طبقات صوتك 

وتذهب عنك تلك الغصة أو الخنقة التي تحدث لبعضهم 


2 ـ حاول أن تتكلم بسرعة 90 كلمة في الدقيقة.
إن هذا هو متوسط الكلام الطبيعي. اسأل أصدقاءك عن رأيهم في سرعة إلقائك.

3 ـ اقرأ بوضوح مخارجح الحروف وصفاتها .
وتدرب على الكلمات الصعبة النطق حتى تتقنها .... وخاصة الكلمات التي فيها حروف التفخيم المجموعة في قولهم ( خص ضغط قظ ) 

وكذلك حروف الهمس المجموعة في قولهم ( فحثه شخص سكت .


4 ـ دع صوتك يقوم بالتأكيد على الكلمات والمدلولات المهمة والتفاعل معها .

اجعل صوتك يتناغم مع المعنى ........ فإذا تناغم الصوت مع المعنى مع الروح يصبح لديك بصمة خاصة في تلاوة القرآن الكريموتصبح تلاوتك متميزة 


5 ـ استفد من قانون التنفس واستغل قدراتك الصوتية فكل إنسان لديه إمكانا مدهشة .

وذلك بأن تأخذ نفسا عميقا من الأنف ..... فهذا يعطيك طاقة مدهشة في القوة وفي التحكم بطبقات صوتك 

6 ـ انتبه في تلاوة القرآن لإخراج الحروف من مخارجها الصحيحة وأن تكون التلاوة من الفم ما عدا حروفا خاصة تكون بغنة وهي الميم والنون ............ . انتبه لذلك فالكثيرون يخرجون الحروف من الأنف ظنا منهم أن ذلك يحسن التلاوة فيقعون في خطأين خطأ في التجويد وخطأ في فنيات الأداء .

7 ـ اسأل المقربين منك إن كانوا قد لاحظوا أي حشرجات مزعجة في صوتك.
والأفضل أن تبحث عن ذلك بنفسك، أرهف سمعك لصوتك فقد تفاجأ بما تسمع.


8 ـ اهتم بصوتك وحلقك .
إن الصوت المتعب بحاجة إلى الراحة وإلى الترطيب. عليك أن تجرب شرب ماء دافئ محلى بالعسل أو مضغ بعض حبات الزبيب .... أو بعض الحبوب الطبيعية المصاصة ذات طعم النعنع 

وانتبه فلا تتنفس من فمك كثيرا لان هذا يجفف الحبال الصوتية تدرب على أن يكون تنفسك دوما من أنفك .



منقووول للفائدة

فضل شهر رجب


فَضائلُ شَهر رَجَب

الحمدُ للهِ الّذي فضّلَ الأشهرَ الحرامَ على سائرِ شهورِ العامِ، وخصَّها بمزيدِ الإجلالِ والإكرامِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ في ربوبيّتِه، وألوهيّتِه، وأسمائِه الحُسنى وصفاتِه العِظامِ، وأشهدُ أنّ محمّداً عبدُه ورسولُه؛ أبانَ لأمّتِه الأشهرَ الحرامَ، وحذَّرَها من الظلمِ فيها، واقترافِ الآثامِ؛ صلّى الله عليه وسلّم، وعلى آلِه، وصحبِه البررةِ الكرامِ.
أمّا بعدُ: فقد أظلَّنا في هذِه الأيّامِ ؛ شهرٌ عظيمٌ من الأشهرِ الحُرُمِ العِظامِ؛ الّتي أمر اللهُ سبحانه وتعالى بتعظيمِها، والالتزامِ فيها أكثرَ بدينِه وشرعِه، وإجلالِها؛ فقال جلّ وعلا: 
﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة : 36]. وثبت في الصّحيحين عن سيّد المرسلين 
 أنّه قال:«السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا؛ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ».
وقيل له: رجب؛ لأنّه كان يُرجَّبُ؛ أي: يُعظَّمُ، وأُضيفَ إلى مُضر، لأنّ قبيلةَ مُضـر كانت تزيد في تعظيمِه واحترامِه. وله غيرُ هذا من الأسماءِ الّتي تدلُّ على شرفِه.
وإنّ الواجبَ على المسلمِ: أن يعرفَ قدرَ هذا الشهرِ الحرامِ ؛ ذلك لأنّ معرفتَه وتعظيمَه (هو الدِّين القيِّم) أي: المستقيم؛ الّذي لا اعوجاجَ فيه، ولا ضلالَ، ولا انحرافَ. كما يجب عليه أن يحذرَ من المعصية فيه؛ فإنّها ليست كالمعصيةِ في غيرِه؛ بل المعصيةُ فيها أعظمُ، والعاصِي فيه آثمُ؛ كما قال سبحانه: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ  [البقرة : 217]؛ أي: ذنبٌ عظيمٌ، وجرمٌ خطيرٌ؛ فهو كالظّلمِ والمعصيةِ في البلدِ الحرامِ؛ الّذي قال الله عزّ وجلّ فيه: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج : 25].
ومن هنا: قال حبرُ الأمّةِ وتُرجمانُ القرآنِ عبدُ اللهِ بنُ عبّاسٍ -عليهما الرِّضوان- في تفسير قوله تعالى: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾-كما روى الطّبريّ في (تفسيره)-: «في كلِّهنّ، ثمّ اختصَّ من ذلك أربعةَ أشهرٍ فجعلهنَّ حراماً، وعَظّم حُرُماتِهنَّ، وجعل الذنبَ فيهنَّ أعظمَ، والعملَ الصالحَ والأجرَ أعظمَ».
وعن قتادة رحمه الله قال: « إنّ الظلمَ في الشهرِ الحرامِ أعظمُ خطيئةً ووزراً من الظلمِ فيما سواهُ، وإنْ كان الظلمُ على كلِّ حالٍ عظيماً، ولكنَّ اللهَ يُعظِّمُ من أمرِه ما شاء. وقال : إنَّ اللهَ اصطفى صَفايا من خلقِه؛ اصطفى من الملائكةِ رسلاً، ومن النّاسِ رسلاً، واصطفى من الكلامِ ذكرَه، واصطفى من الأرضِ المساجدَ، واصطفى من الشهورِ رمضانَ والأشهرَ الحُرمَ، واصطفى من الأيّامِ يومَ الجمعةِ، واصطفى من اللَّيالي ليلةَ القدرِ؛ فعظِّموا ما عظَّم اللهُ؛ فإنّما تعظَّم الأمورُ بما عظَّمها اللهُ عند أهلِ الفهمِ والعقلِ».
وإنّ من أظهرِ الدلائلِ على تعظيمِ هذا الشّهرِ الحرامِ: هو الابتعادُ عن ظلمِ الإنسانِ نفسَه؛ باجتِراحِ الذنوبِ والسيّئاتِ، ومقارَفَةِ الآثامِ والخطيئاتِ؛ ذلك لأنّ الذنبَ في كلِّ زمانٍ شرٌّ وشؤمٌ على صاحبِه؛ لأنّه اجتراءٌ على اللهِ جلَّ جلالُه وعظُم سلطانُه، لكنّه في الشهرِ الحرامِ أشدُّ سوءاً وأعظمُ شؤمًا؛ لأنّه يجمعُ بين الاجتراءِ على الله تعالى، والاستخفافِ بما عظّمه اللهُ جلّ وعلا.
وإذا كان تعظيمُ الشهرِ الحرامِ أمرًا متوارَثًا لدى أهلِ الجاهليّةِ قبلَ الإسلام؛ يكفُّون فيه عن سفكِ الدَّمِ الحرامِ، وعن الأخذِ بالثّأرِ والانتقامِ؛ أفليس من ينتسبُ إلى الإسلامِ أجدرَ وأحرى بهذا الالتزامِ؟!.
كيف والظلمُ عاقِبَتُه وخيمَةٌ ، وآثارُه شَنِيعةٌ؛ فلا فلاحَ مع الظلمِ، ولا بقاءَ مع الظّلم ، مهما بلَغ شأنُ الظّالمِ؛ فقد قال اللهُ عزّ وجلّ: ﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام:21]، وقال جلّ في عُلاه: ﴿هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام:47]؛ فلاَ بقاءَ للظلمِ والاعتداءِ والطغيانِ، ولا سُلطانَ لها على الدوامِ؛ مهما طال وامتدّ بها الزّمانُ،  فقد قال الملكُ العظيمُ الشَّانِ: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ المَصِيرُ﴾ [الحج: 48]، وثبت في الصحيحين أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ لَيُملِي للظَّالمِ حتَّى إِذَا أَخَذَهُ لم يُفلِتْهُ»، ثم قرأ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود:102].
وإذا كانت هذه عاقبةَ الظّالم في سائرِ الأوقاتِ والأزمانِ؛ فكيف بالظّالمِ المعتدِي في هذا الشّهرِ الحرامِ، وفي هذه الأيّامِ العظامِ؛ ولهذا قال النّبيّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ في حجّةِ الوداعِ لأصحابِه -كما ثبت في الصّحيحين عن أبي بكرة رضي الله عنه-: « أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . فَقَالَ: أَلَيْسَ ذا الحَجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . قَالَ: أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الحَرَامِ؟ قُلْنَا: بَلَى . قال: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ؛ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ ، أَلاَ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّراً -أو قال: ضُلَّالاً -؛ يَضْـرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ؛ فَلَعَلَّ مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ. ثمّ قال: أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ».
ولهذا فينبغي على المسلم أن يكون في هذا الشّهر أكثرَ ابتعاداً عن الذّنوبِ والآثامِ، وتوقِّياً لكلِّ ما يغضبُ الملكَ العلّامَ؛ فيبتعد عن ظلمِه لربِّه بالإشراك به سبحانه، وصرفِ شيءٍ من العبادةِ لغيرِه عزّ شأنُه. ويبتعد عن ظلمِه لإخوانِه بالاعتداءِ عليهم وسفكِ دمائِهم، أو أكلِ أموالِهم وحقوقِهم، أو الولوغِ في أعراضِهم، ونهشِ لحومِهم، وتتبّعِ عوراتِهم، وإفشاءِ أسرارِهم، وإلحاقِ الأذى بهم. ويبتعد عن ظلمِه لنفسِه، والإساءةِ إلى شخصِه؛ بمعصيتِه لخالقِه، وخاصّة ما يتساهلُ فيه بعضُ النّاسِ من صغائرِ الذُّنوبِ؛ فإنّ صغائرَ الذّنوبِ متى استرسل فيها الإنسانُ كان على وجهِه في النّارِ مكبوبٌ؛ إلاّ أن يتوب، وإلى ربِّه يؤوب؛ فقد ثبت في (مسند الإمام أحمد) عن سهل بن سعد السّاعديّ رضي الله عنه أنّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ؛ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ».
هذا؛ وكما أنّ المعاصيَ تعظُمُ في الشهرِ الحرامِ؛ فكذلك الحسناتُ والطّاعاتُ تعظُمُ وتُضاعفُ في هذه الأيّام ؛ فالتّقرّبُ إلى اللهِ عزّ وجلّ بالطّاعةِ في الشّهرِ الحرامِ أفضلُ وأحبُّ إليه سبحانه من التّعبُّدِ في سائرِ الأيّامِ؛ كما سبق في قول ابن عبّاس رضي الله عنهما: «وجعل الذنب فيهنّ أعظم، والعمل الصّالح والأجر أعظم».
فيستحبُّ للمسلمِ في هذا الشّهر الإكثارُ والمواظبةُ على ما ثبتت به السنّةُ في سائرِ الأيّامِ من نوافلِ الطّاعاتِ؛ من صلاةٍ، وصيامٍ، وصدقاتٍ، وغيرِها من القرباتِ ، مع المحافظةِ على الفرائضِ والواجباتِ، ولكنْ لا يشرعُ تخصيصُه بعبادةٍ من العباداتِ، أو اعتقادُ أنّ لها فضلاً في هذا الشّهرِ على سائر الطّاعاتِ؛ والحالُ أنّه لم يشـرعْها لنا فيهِ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ، ولا فَعَلَها فيه صحابتُه الكرامُ رضي الله عنهم.
ذلك لأنّه رُويت أحاديثُ كثيرةٌ موضوعةٌ أو منكرةٌ ضعيفةٌ ، وأخبارٌ عديدةٌ واهيةٌ
أو ساقطةٌ تالفةٌ؛ تدلُّ على استحبابِ إحياءِ بعضِ ليالِي هذا الشّهرِ، أو فضلِ المداومةِ على الصِّيامِ، وإخراجِ الزّكاةِ في أيّامِ هذا الشّهرِ، وتلكمُ الأحاديثُ والأخبارُ لا تصلُحُ أن يعتمدَ عليها في إثباتِ مشـروعيّةِ تخصيصِ شهرِ رجبٍ بتلكَ العباداتِ؛ لأنّ العبادةَ لا تشـرعُ في الإسلامِ إلّا بدليلٍ ظاهرٍ من الكتابِ الكريمِ ، أو من صحيحِ سنّةِ خيرِ الأنامِ، وإلّا كان العملُ غيرَ مقبولٍ بحالٍ ؛ لقوله 
صلى الله عليه وسلم -فيما رواه مسلم-: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
ولهذا قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في (لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف) (ص/130)- بعد أن بيّن عدمَ مشروعيّةِ اتّخاذِه عيداً وموسماً؛ كما يفعله بعضُ النّاسِ-:
«ومن أحكامِ رجبٍ: ما ورد فيه من الصَّلاةِ، والزَّكاةِ، والصِّيامِ، والاعتمارِ.
 فأمّا الصَّلاةً: فلمْ يَصِحَّ في شهرِ رجبٍ صلاةٌ مخصوصةٌ تختصُّ به، والأحاديثُ المرويةُ في فضلِ صلاةِ الرَّغائبِ فِي أوّلِ ليلةِ جمعةٍ من شهرِ رجبٍ كذبٌ وباطلٌ لا تصحُّ، وهذه الصلاةُ بدعةٌ عند جمهورِ العلماءِ، وممّن ذكر ذلك من أعيانِ العلماءِ المتأخِّرينَ من الحفاظِ:
 أبو إسماعيل الأنصاريُّ، وأبو بكر بن السمعانيِّ، وأبو الفضل بن ناصر، وأبو الفرج بن الجوزيِّ، وغيرِهم، وإنّما لم يذكرْها المتقدِّمون لأنّها أُحدثَتْ بعدَهم، وأوّلُ ما ظهرتْ بعد الأربعمائة؛ فلذلك لم يعرفْها المتقدِّمون، ولم يتكلَّموا فيها».
قال: «وَأَمّا الصِّيَامُ: فلمْ يَصِحَّ في فضلِ صومِ رجبٍ بخصوصِه شيءٌ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابِه».
ثمّ قال: «وَأَمَّا الزَّكَاةُ: فقدِ اعتادَ أهلُ هذِه البلادِ -يعني: بلادَ الشَّامِ- إخراجَ الزكاةِ في شهرِ رجبٍ، ولا أصلَ لذلك في السنّةِ، ولا عُرِف عن أحدٍ من السَّلفِ».
ثمّ قال: «وأمّا الاعتمارُ فِي رجبٍ: فقد روى ابنُ عمرَ رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اعتمَر في رجبٍ فأنكرتْ ذلك عائشةُ عليه وهو يسمعُ فسكَتَ» [أثر عائشة ’ رواه البخاريُّ في (صحيحه)].
ثمّ قال: «وقد رُوي: أنّه كان في شهرِ رجبٍ حوادثُ عظيمةٌ و لم يصِحَّ شيءٌ من ذلك فرُوي: أنّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم وُلِدَ في أوّلِ ليلةٍ منه، وأنّه بُعث في السَّابعِ والعشـرِينَ منه، وقيل: في الخامسِ والعشرِينَ، ولا يصِحُّ شيءٌ من ذلك، ورُوي بإسنادٍ لا يصِحُّ عن القاسمِ بنِ محمّدٍ: أنّ الإسراءَ بالنَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان فيِ سابعٍ وعشـرينَ من رجبٍ، وأنكَرَ ذلك إبراهيمُ الحربيُّ وغيرُه».
وبمثل قولِ الحافظِ ابنِ رجبٍ رحمه الله قال كثيرٌ من العلماءِ المحقِّقين؛ فقد قال قبلَه العلّامةُ ابنُ القيِّم رحمه الله في (المنار المنيف) (ص/96): «وكلُّ حديثٍ في ذكرِ صومِ رجبٍ وصلاةِ بعضِ اللَّيالِي فيهِ؛ فهُو كذبٌ مُفترى».
وحكى ابنُ السبكيِّ رحمه الله -كما في (نيل الأوطار) للشوكانيّ (4/ 331)- : «عن محمّد بن منصور السمعانيِّ أنّه قال: لم يردْ في استحبابِ صومِ رجبٍ على الخصوصِ سنّةٌ ثابتةٌ، والأحاديثُ التي تُروى فيه واهيةٌ لا يَفرحُ بها عالمٌ ».
وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ رحمه الله في (تبيين العجب بما ورد في فضل رجب) (ص/9): «لم يردْ في فضلِ شهرِ رجبٍ، ولا فِي صيامِه، ولا صيامِ شيءٍ منه معيَّنٍ، ولا في قيامِ ليلةٍ مخصوصةٍ فيهِ حديثٌ صحيحٌ يصلحُ للحجَّةِ، وقد سبقني إلى الجزمِ بذلك الإمامِ
أبو إسماعيل الهرويُّ الحافظُ، رُوِّيناهُ عنه بإسنادٍ صحيحٍ، وكذلك رُوِّيناهُ عن غيرِه».
وقد نقل كلامَه، بل لخّص رسالتَه، وأقرّه على أحكامِه فيها: الحطّابُ الرُّعينيُّ المالكيُّ رحمه الله في (مواهب الجليل لشرح مختصـر خليل) (3/320).
 وقال العلاّمةُ الشوكانيُّ رحمه الله في (السيل الجرار( (1/297): «لم يردْ في رجبٍ على الخصوصٍ سنّةٌ صحيحةٌ، ولا حسنةٌ، ولا ضعيفةٌ ضعفاً خفيفاً؛ بل جميعُ ما رُوي فيه على الخصوصِ؛ إمّا موضوعٌ مكذوبٌ، أو ضعيفٌ شديدُ الضَّعفِ».
والحاصلُ: أنّ شهرَ رجبٍ لم تثبت فيه فضيلةٌ مخصوصةٌ لعبادةٍ من العباداتِ، ولكنّ هذا
 لا يعني أنّه لا يشرع فيه التّعبّدُ -لا على اعتقادِ فضيلةٍ مخصوصةٍ- بما ثبت من نوافلِ الطّاعاتِ، والأعمالِ الفاضلاتِ؛ من صلاةٍ، وصيامٍ، وصدقاتٍ، وغيرِها من القرباتِ؛ الّتي هي فيه أكثرُ فضلاً، وأعظمُ أجراً؛ لأنّه شهرٌ حرامٌ، وليس كسائرِ أشهرِ العامِ؛ ولهذا قال الإمامُ النّوويُّ 
رحمه الله في (شرح صحيح مسلم) (8/39): « وَلَمْ يَثْبُت فِي صَوْمِ رَجَبٍ نَهْيٌ وَلا نَدْبٌ لِعَيْنِهِ، وَلَكِنَّ أَصْلَ الصَّوْمِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَدَبَ إِلَى الصَّوْمِ مِنْ الأَشْهُر الْحُرُم، وَرَجَبٌ أَحَدُهَا» [حديث أبي داود: «صم من الحرم واترك» في إسناده من لا يعرف؛ كما قال ابن حجر في (تبيين العجب) (ص/3)].

فكُنْ أيُّها الموفَّقُ لهذا الشهرِ معظِّماً، ولفضلِه مغتنِماً، وتُبْ فيه إلى ربِّك، وأقلِعْ بلا رجعةٍ عن سالِفِ خطئِك، وقبيحِ فعلِك، وأصلِحْ فيه من شأنِك، وليكن لسانُ حالِك؛ كما قال الأوّلُ من سلفِك:
     بَيِّضْ صَحيِفَتَكَ السَّوْدَاءَ فِي رَجَبِ     بِصَالِحِ الْعَمَلِ الُمنْجِي مِنَ اللَّهَبِ
     شَهْـرٌ حَرَامٌ أَتَى مِنْ أَشْهُرٍ حُرُمِ      إِذَا دَعَا اللهَ دَاعٍ فِيـهِ لَمْ يَـخِبِ
     طُـوبَى لِعَبْدٍ زَكَى فِيـهِ لَهُ عَمَلٌ      فَكَفَّ فِيهِ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالرِّيَـبِ
         
فاللّهمّ بارك لنا في رجبٍ وشعبانَ، وبلّغنا رمضانَ، ونحن في أمنٍ وأمانٍ، وسلامةٍ وإسلامٍ. اللّهمّ آمينَ، أمينَ.
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّدٍ، وعلى آلِه، وصحبِه أجمعين.

بقلم
نُورِ الدِّين مَسْعِي
الباحثُ بإدارةِ الإفتاءِ

التابعي أويس القرني

هو أويس بن عامر بن جزء بن مالك...المرادي ثم القرني الزاهد المشهور. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره وسكن الكوفة وهو من كبار تابعيها، ومن أفضل التابعين، على خلاف، قال أحمد: هو سعيد بن المسيب، وقيل: هو أويس القرني، وقيل: الحسن والصواب: أويس لما في صحيح مسلم: أن خير التابعين رجل يقال له: "أويس"وبعضهم قال: الأعلم ابن المسيب، والأزهد والعابد: أويس.
عاش في اليمن، وانتقل إلى الكوفة، وكان مع سيدنا علي في صفين وبها لقي الله شهيدًا.
روى عن عمر وعلي، وتعلم على يد كثير من الصحابة ونهل من علمهم حتى صار من أئمة التابعين زهدًا وورعًا، ولقد تعلم منه خلق كثير، تعلموا منه بره بأمه، وتواضعه لربه رغم ما ورد في فضله من أحاديث، ورغم ما ذكره به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وروى عنه بشير بن عمرو وعبد الرحمن بن أبي ليلى ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة وقال كان ثقة وذكره البخاري فقال في إسناده نظر وقال ابن عدي ليس له رواية لكن كان مالك ينكر وجوده إلا أن شهرته وشهرة أخباره لا تسع أحدا أن يشك فيه.

مكانة أويس القرني:

لأويس القرني مكانة عظيمة يعرفها الصحابة رضوان الله عليهم لما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد أفرد الإمام مسلم في صحيحه بابًا من فضائل أويس القرني رضي الله عنه، وروى مسلم بسنده عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم قال: لك والدة؟ قال: نعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل؛ فاستغفر لي فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس قال: تركته رث البيت قليل المتاع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فأتى أويسًا فقال: استغفر لي قال: أنت أحدث عهدًا بسفر صالح فاستغفر لي قال: استغفر لي قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح فاستغفر لي قال: لقيت عمر قال: نعم فاستغفر له ففطن له الناس فانطلق على وجهه قال أسير وكسوته بردة فكان كلما رآه إنسان قال: من أين لأويس هذه البردة.
ونَادَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَوْمَ صِفِّينَ: فقال: أَفِيكُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ قَالُوا نَعَمْ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ خَيْرِ التَّابِعِينَ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ.


من أهم ملامح شخصيته عبادته:

لكل من يريد الوصول إلى الله عز وجل طريقًا يلتمس فيه القرب من الله، وما يميزه عن غيره، فالبعض اتخذ قيام الليلة وسيلة القرب إلى الله، والبعض الآخر اتخذ الاستغفار بالأسحار الطريق الذي ينتهي به إلى حب الله، والبعض اتخذ التفكر وسيلة القرب من الله، ولم يكن أويس القرني كعامة الناس يحيا ولا يفكر إلا في طعامه وشرابه؛ لكنه فهم حقيقة هذه الدنيا، وأدان نفسه وعمل لما بعد الموت، وكان يغلب على أويس القرني التفكر في مخلوقات الله لتنتهي به إلى حب خالقها، ولما قدم هرم بن حيان الكوفة سأل عن أويس فقيل له: هو يألف موضعًا من الفرات يقال له: العريض بين الجسر والعاقل ومن صفته كذا فمضى هرم حتى وقف عليه فإذا هو جالس ينظر إلى الماء ويفكر وكانت عبادة أويس الفكرة.
انعكست عبادة أويس القرني على سلوكه، مما أثر إيجابًا في الآخرين، فقد كان التأثير بسلوكه أكثر منه بقوله، فهو المتواضع لربه، البار بأمه، ومع ذلك فكان دائم النصح والتوجيه للآخرين، قائمًا بالحق رغم معادة الآخرين له ورميه بعظائم الأمور إلا أن ذلك لم يمنعه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومما يروى في هذا الصدد أن رجلاً من "مراد" جاءه وقال له: السلام عليكم قال: وعليكم قال: كيف أنت يا أويس؟ قال: بخير نحمد الله قال: كيف الزمان عليكم؟ قال: ما تسأل رجلا إذا أمسى لم ير أنه يصبح، وإذا أصبح لم ير أنه يمسي، يا أخا مراد، إن الموت لم يُبق لمؤمن فرحًا يا أخا مراد، إن معرفة المؤمن بحقوق الله لم تبق له فضة وذهبًا، يا أخا مراد، إن قيام المؤمن بأمر الله لم يُبق له صديقًا والله إنا لنأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيتخذونا أعداءً ويجدون على ذلك من الفساق أعوانًا حتى والله لقد رموني بالعظائم، وأيم الله لا يمنعني ذلك أن أقوم لله بالحق..

بذل النصيحة:

ولما طلب منه هرم بن حيان أن يوصيه قال له: قرأ عليه آيات من آخر حم الدخان من قوله: "إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين" حتى ختمها ثم قال له: يا هرم، احذر ليلة صبيحتها القيامة ولا تفارق الجماعة فتفارق دينك ما زاده عليه..
وكان يخاطب أهل الكوفة قائلاً لهم: يا أهل الكوفة توسدوا الموت إذا نمتم، واجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم.
عفوه وصفحه عن الآخرين:

عاش أويس القرني بين الناس وهم يرمونه بالحجر فلا يجدون منه إلا أطيب الثمر، وكان يد الأذى تناله إلا أنه كان دائمًا ما يعفو ويصفح، وكان يجالسهم ويحدثهم رغم ما يصيبه من أذى ألسنتهم ويقول أسير بن جابر: كان محدث يتحدث بالكوفة فإذا فرغ من حديثه تفرقوا ويبقى رهط فيهم رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحدًا يتكلم بكلامه فأحببته؛ ففقدته فقلت لأصحابي: هل تعرفون رجلاً كان يجالسنا كذا وكذا؟ فقال رجل من القوم: نعم أنا أعرفه؛ ذاك أويس القرني قلت: أو تعرف منزله قال: نعم فانطلقت معه حتى جئت حجرته فخرج إلي فقلت: يا أخي ما حبسك عنا فقال: العري. قال: وكان أصحابه يسخرون منه ويؤذونه قال: قلت: خذ هذا البرد فالبسه قال: لا تفعل فإنهم يؤذونني قال: فلم أزل به حتى لبسه فخرج عليهم فقالو: من ترى خدع عن برده هذا فجاء فوضعه وقال: قد ترى فأتيت المجلس فقلت: ما تريدون من هذا الرجل قد آذيتموه الرجل يعرى مرة ويكتسي مرة وأخذتهم بلساني..
وفاته:

خرج أويس القرني مع سيدنا علي كرم الله وجهه في موقعة صفين، وتمنى الشهادة ودعا الله قائلاً: اللهم ارزقني شهادة توجب لي الحياة والرزق. وقاتل بين يدي سيدنا علي حتى استشهد فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة، وكان ذلك سنة 37 هـ في وقعة صفين.
مصادر الدراسة:

أسد الغابة - الثقات للعجلي - الإصابة في تمييز الصحابة - الطبقات الكبرى - تاريخ دمشق - مسند الإمام أحمد - صحيح مسلم - مشاهير علماء الأمصار - لسان الميزان..

اخر الزوار

Flag Counter