الدرر والحكم من كلام ابن القيم
من لم ينتفع بعينه لم ينتفع بأذنه.
للعبد ستر بينه وبين الله , وستر بينه وبين الناس, فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله , هتك الستر الذي بينه وبين الناس.
للعبد رب هو ملاقيه وبيت هو ساكنه, فينبغي له أن يسترضي ربّه قبل لقائه ويعمّر بيته قبل انتقاله اليه.
اضاعة الوقت أشد من الموت, لأن اضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة, والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها.
الدنيا من أولها الى آخرها لا تساوي غم ساعة, فكيف بغم العمر.
محبوب اليوم يعقبه المكروه غدا, ومكروه اليوم يعقبه المحبوب غدا.
أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع في معادها.
كيف يكون عاقلا من باع الجنّة بما فيها شهوة ساعة.
يخرج العرف من الدنيا ولم يقضي وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه, وثناؤه على ربّه.
المخلوق اذا خفته استوحشت منه وهربت منه, والرب تعالى اذا خفته أنست به وقربت اليه.
لو نفع العلم بما عمل لما ذم الله سبحانه أحبار أهل الكتاب ولو نفع العمل بلا اخلاص لما ذم المنافقين.
دافع الخطرة, فان لم تفعل صارت فكرة. فدافع الفكرة, فان لم نفعل صارت شهوة. فحاربها, فان لم تفعل صارت عزيمة وهمّة, فان لم تدافعها صارت فعلا, فان لم تتداركه بضدّه صار عادة فيصعب عليك الانتقال عنها.
التقوى ثلاث مراتب: احداها: حمية القلب والجوارح عن الآثام والمحرّمات. الثانية: حميتها عن المكروهات. الثالثة: الحمية عن الفضول وما لا يعني.
من خلقه الله للجنّة لم تزل هداياها تأتيه من المكاره, ومن خلقه الله للنار لم تزل هداياها تأتيه من الشهوات.
لما طلب آدم الخلود في الجنة من جانب الشجرة عوقب بالخروج منها. اقرأ الآيات 19-24من سورة الأعراف.
ولما طلب يوسف الخروج من السجن من جهة صاحب الرؤية لبث فيها بضع سنين. اقرأ يوسف آية 42.
من عشق وقار الله في قلبه أن يعصيه, وقّره الله في قلوب الخلق أن يذلّوه.
(1/1)
*اذا علقت شروش المعرفة في أرض القلب, نبتت فيه شجرة المحبة, فاذا تمكّنت وقويت أثمرت *الطاعة, فلا تزال الشجرة:{ تؤتي أكلها كل حين باذن ربّها}.
*أول منازل القوم:{ اذكروا االه ذكرا كثيرا. وسبّحوه بكرة وأصيلا} الأحزاب 41-42. *وأوسطها {هو الذي يصلّي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات الى النور} الأحزاب 43. *وآخرها:{ تحيّتهم يوم يلقونه سلام} الأحزاب 44.
*أرض الفطرة رحبة قابلة لما يغرس فيها, فان غرست شجرة الايمان والتقوى أورثت حلاوة الأبد, وان غرست شجرة الجهل والهوى فكل الثمر مرّ.
*ارجع الى الله واطلبه من عينك وسمعك وقلبك ولسانك, ولا تشرد عنه من هذه الأربعة, فما رجع من رجع اليه بتوفيقه الا منها, وما شرد من شرد عنه بخذلانه الا منها,
*مثال تولد الطاعة ونموها وتزايدها, كمثل نواة غرستها, فصارت شجرة, ثم أثمرت فأكلت ثمارها, وغرست نواها, فكلما أثمر منها شيء, جنيت ثمره, وغرست نواه. وكذلك تداعي المعاصي, فليتدبّر اللبيب هذا المثال. فمن ثواب الحسنة الحسنة بعدها, ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها.
ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبّد له ولا يمل خدمته مع حاجته وفقره اليه, انما العجب من مالك يتحبب الى مملوكه بصنوف انعامه ويتودد اليه بأنواع احسانه مع غناه عنه.
كفى بك عزّا أنك له عبد وكفى بك فخرا أنه لك رب
ايّاك والمعاصي فانها أذلّت عز {اسجدوا} وأخرجت قطاع {أسكن}.
يا لها من لحظة أثمرت حرارة القلق ألف سنة ما زال يكتب بدم الندم سطور الحزن في القصص, ويرسلها مع أنفاس الأسف حتى جاءه توقيع {فتاب عليه}.
فرح ابليس بنزول آدم من الجنة, وما علم أن هبوط الغائص في اللجة خلف الدر صعود. كم بين قوله لآدم: {اني جاعل في الأرض خليفة}البقرة 30, وقوله لك {اذهب فمن تبعك منهم} السراء63.
ما جرى على آدم هو المراد من وجوده, "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم".
(1/2)
يا آدم لا تجزع من قوله لك: {اهبطوا بعضكم لبعض عدو} الأعراف 24, فلك ولصالح ذريتك خلقتها.
يا آدم كنت تدخل علي دخول الملوك على الملوك, واليوم تدخل علي دخول العبيد على الملوك.
يا آدم لا تجزع من قولي لك:{ وعسى أن تكرهوا..} البقرة 216.
يا آدم لم اخرج اقطاعك الى غيرك, انما نحيّتك عنه لأكمل عمارته لك, وليبعث الى العمّال نفقة :{ تتجافى جنوبهم..}
تالله ما نفعه عند معصية عز {اسجدوا} ولا شرف :{ وعلّم آدم..} ولا خصيصت :{ لما خلقت بيدي..} ولا فخر:{ لما نفخت فيه من روحي..} وانما انتفع بذل:{ ربنا ظلمنا أنفسنا...}
لما لبس درع التوحيد على بدن الشكر وقع سهم العدو منه في غير مقتل فجرحه فوضع عليه جبار الانكسار فعاد كما كان فقام الجريح كأن لم يكن به قلبة.(أي علّة).
لعمرك ما الانسان الا ابن دينه فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
فقد رفع الاسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك الحسيب أبا لهب
نجائب النجاة مهيّأة للمراد, وأقدام المطرود موثوقة بالقيود.
هبّت عواصف الأقدار في بيداء الأكوان, قتقلب الوجود ونجم الخير, فلما ركدت الريح اذا أبو طالب غريق في لجة الهلاك, وسلمان على احل السلامة.
الوليد بن المغيرة يقدم قومه في التيه, وصهيب قد قدم بقافلة الروم, والنجاشي في أرض الحبشة يقول: لبيك اللهم لبيك, وبلال ينادي: الصلاة خير من النوم, وأبو جهل في رقدة المخلفة.
اذا نحن أدجلنا وأنت امامنا كفى بالمنايا طيّب ذكرك حاديا
وان نحن أضللنا الطريق ولم نجد دليلا, كفانا نور وجهك هاديا
*الذنوب جراحات, ورب جرح وقع في مقتل.
*لو خرج عقلك من سلطان هواك, عادت الدولة له.
*دخلت دار الهوى مقامت بعمرك.
*اذا عرضت نظرة لا تحل فاعلم أنها مسعر حرب, فاستتر منها بحجاب: {قل للمؤمنين...} فقد سلمت من الأثر: {وكفى الله المؤمنين القتال}.
بحر الهوى اذا مد أغرق, وأخوف المنافذ على السابح فتح البصر في الماء.
(1/3)
*كم قطع زرع قبل التمام فما ظن الزرع المستحصد, اشتر نفسك, فالسوق قائمة والثمن موجود.
لا بد من سنة الغفلة ورقاد الهوى, ولكن كن خفيف النوم فحراس البلد يصيحون: دنا الصباح.
*نور العقل يضيء في ليل الهوى, فتلوح جادة الصواب, فيتلمح البصير في ذلك النور
أخرج بالعزم من هذا الفناء الضيّق المحشو بالآفات الى ذلك الفناء الرحب الذي فيه "مالا عين رأت",فهناك لا يتعذّر مطلوب ولا يفقد محبوب.
*يا مخنث العزم أين أنت, والطريق طريق تعب فيه آدم, وناح لأجله نوح, ورمى في النار الخليل, وأضجع للذبح اسماعيل, وبيع يوسف بثمن بخس, ولبث في السجن بضع سنين.
فيا دارها بالحزن ان مزارها قريب, ولكن دون ذلك أهوال
*الحرب قائمة وأنت أعزل في النظارة, فان حركت ركابك فللهزيمة.
*من لم يباشر حر الهجير (نصف النهار عند اشتداد النهار) في طلاب المجد لم يقل (القيلولة) في ظلال الشرف.
تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ولم تدر أني للمقام أطوف
قيل لبعض العباد: الى كم تتعب نفسك!! فقال راحتها أريد.
*يا مكرما بحلة الايمان بعد حلة العافية وهو يخلقهما (يبليهما) في مخالفة الخالق, لا تنكر السلب؛ يستحق من استعمل نعمة المنعم فيما يكره أن يسلبها.
*عرائس الموجودات قد تزينت للناظرين؛ ليبلوهم أيهم يؤثرهن على عرائس الآخرة, فمن عرف قدر التفاوت آثر ما ينبغي ايثاره.
وحسان الكون لما أن بدت أقبلت نحوي, وقالت لى: الي
فتعاميت كأن لم أرها عندما أبصرت مقصودي لدي
*كواكب هم العارفين في بروج عزائمهم سيارة ليس فيها زحل.
*يا من انحرف عن جادتهم كن فى أواخر الركب ونم اذا نمت على الطريق, فالأمير يراعي الساقة (ساقة الجيش أي المؤخرة).
*قيل للحسن: سبقنا القوم على خيل دهم (أي سود) ونحن على حمر معقرة (مجرحة), فقال ان كنت على طريقهم فما أسرع اللحاق بهم.
*مصابيح القلوب الطاهرة في أصل الفطرة منيرة قبل الشرائع {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار} النور 35.
(1/4)
*وحد قس وما رأى الرسول, وكفر ابن أبيّ وقد صلّى معه بالمسجد. قس بن ساعدة أحد حكماء العرب ومن خطبائهم, سئل عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:" يحشر أمة وحدة".
*مع الصب ري ولا ماء, وكم من عصشان في اللجة.
*سبق العلم بنبوة موسى وايمان آسية فسيق تابوته الى بيتها, فجاء طفل منفرد عن أم, الى امرأة خالية عن ولد. فلله كم من القصة من عبرة.
كم ذبح فرعون في طلب موسى من ولد, ولسان القدر يقول: لا نربيه الا في حجرك.
ولو قيل للمجنون: ليلى ووصلها تريد أم الدنيا وما في طواياها
لقال: غبار من تراب نعالها ألذ الى نفسي وأشفى لبلواها
*فيا مخنث العزم أقل ما في البرقعة البيذق, فلما نهض تفرزن.
*رأى بعض الحكماء برذونا (فرس غير عربي هجين) يسقى عليه, فقال لو هملج (انقاد) هذا, لركب.
*أقدام العزم بالسلوك اندفع من بين أيديها سد القواطع.
*القواطع محن بتبين بها الصادق من الكاذب, فاذا خضتها انقلبت أعوانا لك توصلك الى المقصود.
*الدنيا كامرأة بغي لا تثبت مع زوج, انما تخطب الأزواج ليستحسنوا عليها فلا ترضى الا بالدياثة.
ميزت بين جمالها فعالها فاذا الملاحة بلقباحة لا تفي
حلفت لنا الا تخون عهودنا فكأنها حلفت لنا ألا تفي
السير في طلبها سير في أرض مسبعة, والسباحة فيها سباحة في غدير التمساح, المفروح به منها هو عين المحزون عليه. آلامها متولدة من لذاتها, وأحزانها من أفراحها.
مآرب كانت في الشباب في أهلها عذابا, فصارت في المشيب عذابا
*طائر الطبع يرى الحبة, وعين العقل ترى الشرك, غير أن عين الهوى عمياء.
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا
*تزخرفت الشهوات لأعين الطباع, فغض عنها الذين يؤمنون بالغيب, ووقع تابعوها في بيداء الحسرات, ف: { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} وهؤلاء يقال لهم:{ كلوا وتمتعوا قليلا انكم مجرمون}.
(1/5)
*من أعجب الأشياء أ، تعرفه ثم لا تحبه, وأن تسمع داعيه, ثم تتأخر عن الاجابة. وأن تعرف قدر الربح في معاملته, ثم تعامل غيره. وأن تعرف قدر غضبه, ثم تتعرّض له.
*وأعجب من هذا علمك أن لا بد لك منه, وأنك أحوج شيء اليه, وأنت عنه معرض, وفيما يبعدك عنه راغب.
قال يحيى بن معاذ: من جمع الله عليه قلبه, وصدقت ضرورته وفاقته, وقوي رجاؤه, فلا يكاد يرد دعاؤه.
لما رأى المتيقظون سطوة الدنيا بأهلها, وخداع الأمل لأربابه, وتملك الشيطان قياد النفوس, ورأوا الدولة للنفس الأمارة, لجأوا الى حصن التضرّع والالتجاء, كما يأوي العبد المذعور الى حرم سيده.
شهوات الدنيا ك "لعب الخيال", ونظر الجاهل مقصور على الظاهر, فأما ذو العقل فيرى ما وراء الستر.
لاح لهم المشتهى, فلما مدوا أيدي التناول بأن لأبصار البصائر خيط الفخ, فطاروا بأجنحة الحذر, وصوبوا الى الرحيل الثاني: {يا ليت قومي يعلمون},
وقع ثعلبان في شبكة, فقال أحدهم للآخر: أين الملتقى بعد هذا؟ فقال: بعد يومين في الدباغة.
تالله ما كانت الأيام الا مناما, فاستيقظوا وقد حصلوا على الظفر.
ما مضى من الدنيا أحلام, وما بقي منها أماني, والوقت ضائع بينهما.
كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه, وولد لا يعذره, وجار لا يأمنه, وصاحب لا ينصحه, وشريك لا ينصفه, وعدو لا ينام عن معاداته, ونفس أمارة بالسوء, ودنيا متزيّنة, .
اشتر نفسك اليوم, فان السوق قائمة, والثمن موجود, والبضائع رخيصة, وسيأتي على تلك البضائع يوم لا تصل فيه الى قليل ولا كثير: { ..وذلك يوم التغابن} .
اذا أنت لم ترحل بزاد من التقى وأبصرت يوم الحشر من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله وأنك لم ترصد كما كان أرصدا
العمل بغير اخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملاء جرابه رملا يثقله ولا ينفعه.
(1/6)
اذا حملت على القلب هموه الدنيا وأثقالها, وتهاونت بأورادها التي هي قوته وحياته, كنت كالمسافر الذي يحمل دابته فوق طاقتها ولا يوفيها علفها, فما أسرع ما تقف به.
من تلمح حلاوة العافية هانت عليه مرارة الصبر.
الغاية أول في التقدير, آخر في الوجود, مبدأ في نظر العقل, منتهى في منازل الوصول.
ألفت عجز العادة, فلو علت بك همّتك ربا المعالي لاحت لك أنوار العزائم.
انما تفاوت القوم بالهمم لا بالصور.
نزول همة الكساح دلاه في جب العذرة. الكساح: داء يصيب الابل, العذرة فناء البيت, وكذلك يقال للغائط.
بينك وبين الفائزين جبل الهرم, نزلوا بين يديه ونزلت خلفه, فاطو فصل منزل, تلحق بالقوم.
الدنيا مضمار سباق, وقد انعقد الغبار وخفى السابق, والناس في المضمار بين فارس وراجل وأصحاب حمر معقرة.
في الطبع شره, والحمية أوفق.
لص الحرص لا يمشي الا في ظلام الهوى.
حبة المشتهى تحت فخ التلف, فتفكر الذبح وقد هان الصبر.
قوة الطمع في بلوغ الأمل توجب الاجتهاد في الطلب, وشدة الحذر من فوت المأمول.
البخيل فقير لا يؤجر على فقره.
الصبر على عطش الضر, ولا الشرب من شرعة منّ.
تجوع الحرة, ولا تأكل بثدييها.
لا تسأل سوى مولاك, فسؤال العبد غير سيده تشنيع عليه.
غرس الخلوة يثمر الأنس.
استوحش مما لا يدوم معك, واستأنس بمن لا يفارقك.
عزلة الجاهل فساد, وأما عزلة العالم فمعها حذاؤها وسقاؤها.
اذا اجتمع العقل واليقين في بيت العزلة, واستحضر الفكر وجرت بينهم مناجاة:
أتاك حديث لا يمل سماعه شهى الينا نثره ونظامه
اذا ذكرته النفس زال عناؤها وزال عن القلب المعنى ظلامه
اذا خرجت من عدوك لفظة سفه, فلا تلحقها بمثلها تلقّحها, ونسل الخصام نسل مذموم.
حميتك لنفسك أثر الجهل بها, فلو عرفتها حق معرفتها أعنت الخصم عليها.
اذا اقتدحت نار الانتقام من نار الغضب ابتدأت بحراق القادح.
أوثق غضبك بسلسلة الحلم, فانه كلب ان أفلت أتلف.
(1/7)
من سبقت له سابقة السعادة, دل على الدليل قبل الطلب.
اذا أراد القدر شخصا بذر في أرض قلبه بذر التوفيق, ثم سقاه بماء الرغبة والرهبة, ثم أقام عليه بأطوار المراقبة, واستخدم له حارس العلم, فاذا الزرع قائم على سوقه.
اذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة, وردفه قمر العزيمة, أشرقت أرض القلب بنور ربها.
سفر الليل لا بطيقه الا مضمر المجاعة, النجائب في الأول, وحاملات الزاد في الأخير.
لا تسأم الوقوف على الباب ولوطردت, ولا تقطع الاعتذار ولو ردت, فان فتح الباب للمقبولين دونك فاهجم هجوم الكذابين وادخل دخول الطفيلية وابسط كف {وتصدّق علينا}.
يا مستفتحا باب المعاش بغير اقليد التقوى (أي مفتاحها), كيف توسع طريق الخطايا وتشكو ضيق الزرع.
لو وقفت عند مراد التقوى لم يفتك مراد.
المعاصي سد في باب الكسب, و" ان العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه",
تالله ما جئتكم زائرا الا وجدت الأرض تطوي لي
ولا انثنى عزمي عن بابكم الا عثرت بأذيالي
الأرواح هي الأشباح كالأطيار في الأبراج, وليس ما أعد للاستفراخ كمن هيىء للسباق.
من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه من العمل وبأي شغل يشغله.
كن من أبناء الآخرة ولا تكن من أبناء الدنيا, فان الوليد يتبع الأم.
الدنيا لا تساوي نقل أقدامك اليها, فكيف تعدو خلفها؟.
الدنيا مجاز والآخرة وطن, والأوطار انما تطلب من الأوطان.
ودّع ابن عون رجلا فقال: عليك بتقوى الله, فان المتقى ليست عليه وحشة.
وقال زيد بن أسلم: كام يقال: من اتقى الله أحبه الناس وان كرهوا.
وقال الثوري لابن أبي ذئب: ان اتقيت الله كفاك الناس, وان اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئا.
وفي الزهد للامام أحمد أثر الهي: " ما من مخلوق اعتصم بمخلوق دونى الا قطعت أسباب السموات والأرض دونه, فان سألني لم أعطه, وان دعاني لم أجبه, وان استغفرني لم أغفر له.
(1/8)
*من عرف نفسه اشتغل باصلاحها عن عيوب الناس, ومن عرف ربهاشتغل به عن هوى نفسه.
أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس بالخلاص, وعن نفسك بشهود المنّة, فلا ترى فيه نفسك ولا ترى الخلق.
*دخل الناس النار من ثلاث أبواب: باب شبهة أورثت شكا في دين الله. وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته. وباب غضب أورث العدوان على خلقه.
*أصول الخطايا كلها ثلاث: الكبر: وهو الذي أصار ابليس الى ما أصاره. والحرص: وهو الذي أخرج آدم من الجنة. والحسد: وهو الذي جرّأ أحد ابني آدم على أخيه.
*أخسر الناس صفقة من اشتغل عن الله بنفسه, بل أخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس.
قد نادت الدنيا على نفسها لو كان في ذا الخلق من يسمع
كم واثق بالعيش أهلكته وجامع فرقت ما يجمع
من أحدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته, ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعا, ومن أساء في آخر عمره لقي ربه بذلك الوجه.
لو قدمت لقمة وجدتها, ولكن يؤذيك الشره.
كم جاء الثواب يسعى اليك فوقف بالباب فرده بواب "سوف ولعل وعسى".
اذا رأيت الرجل الخسيس بالنفيس ويبيع العظيم بالحقير, فاعلم بأنه سفيه.
كم في تقدير الذنب من حكمة, وكم فيه مع تحقيق التوبة للعبد من مصلحة ورحمة. التوبة من الذنب كشرب الدواء للعليل, ورب علة كانت سبب الصحة.
لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأجساد بالعلل
لولا تقدير الذنب لهلك ابن آدم من العجب.
ذنب يذل به أحب اليه من طاعة يدل بها عليه.
شمعة النصر انما تنزل من شمعدان الانكسار.
لا يكرم العبد نفسه بمثل اهانتها, ولا يعزها بمثل ذلها, ولا يريحها بمثل تعبها, كما قيل:
سأتعب نفسي أو أصادف راحة فان هوان النفس في كرم النفس
ولا يشبعها بمثل جوعها, وات يؤمنها بمثل خوفها, ولا يؤنسها بمثل وحشتها من كل ما سوى بارئها وفاطرها ولا يميتها بمثل اماتتها, كما قيل: موت النفوس حياتها من شاء أن يحيا يمت
(1/9)
شراب الهوى حلو ولكنه يورث الشرق(الغصة من الحلق), منم تذكر خنق الفخ هان عليه هجران الحبة.
يا معرقلا في شرك الهوىّ جمزة(العدو السريع)! عزم وقد خرقت الشبكة.
لا بد من نفوذ القدر فاجنح للسلم. له ملك السموات للأرض, واستقرض منك حبة فبخلت بها, وخلق سبعة أبحر وأحب منها دمعة فقحطت عينيك بها.
اطلاق البصر ينفش في القلب صورة المنظور, والقلب كعبة, والمعبود لا يرضى بمزاحمة الأصنام.
لذات الدنيا كسوداء وقد غلبت عليك, والحور العين يعجبن من سوء اختيارك عليهن, غير أن زوبعة الهوى اذا ثارت سفت في عين البصيرة فخفيت الجادة.
سبحان الله, تزينت الجنة للخطّاب فجدوا في تحصيل المهر, وتعرّف رب العزة الى المحبين بأسمائه وصفاته فعملوا على اللقاء وأنت مشغول بالجيف.
لا مكن من لسواك منه قلبه ولك اللسان مع الوداد الكاذب
المعرفة بساط لا يطأ عليه الا مقرب, والمحبة نشيد لا يطرب عليه الا محب مغرم.
الحب غدير في صحراء ليست بها جادة, فلهذا قل وارده.
المحب يهرب الى العزلة والخلوة بمحبوبه والأنس بذكره كهرب الحوت الى الماء والطفل الى أمه.
وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك القلب بالسر خاليا
ليس للعابد مستراح الا تحت شجرة طوبى, ولا للمحب قرار الا يوم المزيد. اشتغل به في الحياة يكفك ما بعد الموت.
يا منفقا بضاعة العمر في مخالفة حبيبه والبعد منه, ليس في أعدائك أضر عليك منه.
ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه
الهمة العليّة من استعد صاحبحه للقاء الحبيب, وقدم التقادم بين يدي الملتقى, فاستبشر عند القدوم:{ وقدّموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشّر المؤمنين}
تالله ما عدا عليك العدو الا بعد أن تولى عنك الولي, فلا تظن أن الشيطان غلب, ولكن الحافظ أعرض.
سبحان الله, ظاهرك متجمل بلباس التقوى, وباطنك باطية(اناء) لخمر الهوى, فكلما طيبت الثوب فاحت رائحة المسكر من تحته, فتباعد منك الصادقون, وانحاز اليك الفاسقون.
(1/10)
يدخل عليك لص الهوى وأنت في زاوية التعبد فلا يرى منك طردا له, فلا يزال بك حتى يخرجك من المسجد.
أصدق في الطلب وقد جاءتك النعونة.
قال رجل لمعروف: علمني المحبة, فقال: المحبة لا تجيء بالتعليم.
هو الشوق مدلولا على مقتل الفتى اذا لم يعد صبا بلقيا حبيبه
ليس العجب من قوله يحبونه, انما العجب من قوله يحبهم.
ليس العجب من فقير مسكين يحب محسنا اليه, انما العجب من محسن يحب فقيرا مسكينا.
اجتنب من يعادي أهل الكتاب والسنة لئلا يعديك خسرانه.
احترز من عدوين هلك بهما أكثر الخلق: صادّ عن سبيل الله بشبهاته وزخرف قوله, ومفتون بدنياه ورئاسته.
يا أيها الأعزل احذر فراسة المتقى, فانه يرى عورة عملك من وراء ستر "اتقوا فراسة المؤمن"
سبحان الله: في النفس كبر ابليس, وحسد قابيل, وعتو عاد, وطغيان ثمود, وجرأة نمرود, واستطالة فرعون, وبغى قارون, وقحّة هامان (أي لؤم), وحيل أصحاب السبت.
سلم المبيع قبل أن يتلف في يدك فلا يقبله المشتري, قد علم المشتري بعيب السلعة قبل أن يشتريها, فسلمها لك والأمان من الرد.
قدر السلعة يعرف بقدر مشتريها, والثمن المبذول فيها, والمنادي عليها, فاذا كان المشترى عظيما, والثمن خطيرا, والمنادي جليلا, كانت السلعة نفيسة.
أحن بأطراف النهار صبابة وبالليل يدعوني الهوى فأجيب
واذا لم يكن من العشق بد فمن العجز عشق غير الجميل
يا من هو من أرباب الخبرة, هل عرفت قيمة نفسك؟ انما خلقت الأكوان كلها لك.
يا من غذى بلبان البر, وقلب بأيدي الألطاف, كل الأشياء شجرة وأنت الثمرة, وصورة وأنت المعنى, وصدف وأنت الدر, ومخيض وأنت الزبد.
منشور اختيارنا لك واضح الخط, ولكن استخراجك ضعيف.
متى رمت طلبي فاطلبني عندك, اطلبني منك تجدني قريبا, ولا تطلبني من غيرك فأنا أقرب اليك منه.
(1/11)
لو عرفت قدر نفسك عندنا ما أهنتها بالمعاصي, انما أبعدنا ابليس اذ لم يسجد لك, وأنت في صلب أبيك, فواعجبا كيف صالحته وتركتنا! لو كان في قلبك محبة لبان أثرها على جسدك.
ولما ادعيت الحب قالت كذبتني ألست أرى الأعضاء منك كواسيا
لو تغذى القلب بالمحبة لذهبت عنه بطنة الشهوات.
ولو كنت عذري الصبابة لم تكن بطينا وأنساك الهوى كثرة الأكل
لو صحّت محبتك لاستوحشت ممن لا يذكرك بالحبيب. واعجبا لمن يدعي المحبة, ويحتاج الى من يذكره بمحبوبه, فلا يذكره الا بمذكر. أقل ما في المحبة أنها لا تنسيك تذكر المحبوب.
ذكرتك لا أني نسيتك ساعة وأيسر ما في الذكر ذكر لساني
فاذا دخل على الحبيب أفيضت عليه الخلع من كل ناحية, ليمتحن أيسكن اليها فتكون حظه, أم يكون التفاته الى من ألبسه اياها.
ملأوا مراكب القلوب متاعا لا تنفق الا على الملك, فلما هبت رياح السحر أقلعت تلك المراكب, فما طلع الفجر الا وهي بالميناء.
قطعوا بادية الهوى بأقدام الجد, فما كان الا القليل حتى قدموا من السفر, فأعقبهم الراحة في طريق التلقي, فدخلوا بلد الوصل وقد حازوا ربح الأبد.
فرّغ القوم قلوبهم من الشواغل فضربت فيها سرادقات المحبة, فأقاموا العيون تحرس تارّة وترش أخرى.
سرداق المحبة لا يضرب الا في قاع نزه فارغ.
نزّه فؤادك من سوانا وألقنا فجنابنا حل لكل منزّه
والصبر طلسم لكنز وصالنا من حل ذا الطلسم, فاز بكنزه
اعرف قدر ما ضاع منك وابك بكاء من يدري مقدار الفائت.
لو تخيلت قرب الأحباب لأقمت المأتم على بعدك.
لو استنشقت ريح الأسحار لأفاق منك قلبك المخمور.
من استطال الطريق ضعف مشيه.
وما أنت بالمشتاق, ان قلت بيننا طوال الليالي, أو بعيد المفاوز
أما علمت أن الصادق: اذا هم ألقى بين عينيه عزمه.
اذا نزل آب في القلب حل آذار في العين.
هان سهر الحرّاس لما علموا أن أصواتهم بسمع الملك.
من لاح له حال الآخرة هان عليه فراق الدنيا. اذا لاح للباشق الصيد نسي مألوف الكف.
(1/12)
يا أقدام الصبر احملي بقي القليل. تذكر حلاوة الوصال يهن عليك مر المجاهدة.
قد علمت أين المنزل فاحد لها تسر.
أعلى الهمم همة من استعد صاحبها للقاء الحبيب, وقدم القادم بين يدي الملتقى, فاستبشر بالرضا عند قدوم:{ وقدموا لأنفسكم}.
الجنة ترضى منك بأداء الفرائض, والنار تندفع عنك بترك المعاصي, والمحبة لا تقنع منك الا ببذل الروح.
لله!! ما أحلى زمان تسعى فيه أقدام الطاعة على أرض الاشتياق.
لما سلم القوم النفوس الى رائض الشرع, علمها الوفاق على خلاف الطبع فاستقامت مع الطاعة, كيف دارت معها.
علمت كلبك, فهو يترك شهوته في تناول ما صاده احتراما لنعمتك, وخوفا من سطوتك, وكم علمك معلم الشرع وأنت لا تفبل.
حرم صيد الجاهل والممسك لنفسه, فما ظن الجاهل الذي أعماله لهوى نفسه.
جمع فيك عقل الملك, وشهوة البهيمة, وهوى الشيطان, وأنت للغالب عليك من الثلاثة: ان غلبت شهوتك وهواك؛ زدت على مرتبة ملك, وان غلبكك هواك وشهوتك: نقصت عن مرتبة كلب.
لما صاد الكلب لربه أبيح صيده, ولما أمسك على نفسه حرم ما صاده.
ماضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله.
خلقت النار لاذابة القلوب القاسية.
أبعد القلوب من الله القلب القاسي.
اذا قسا القلب قحطت العين.
قسوة القلب من أربعة أشياء اذا جاوزت قدر الحاجة: الأكل والنوم والكلام والمخالطة. والقلب اذا مرض بالشهوات لم ينفع فيه المواعظ.
من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهوته.
القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها.
القلوب آنية الله في أرضه, فأحبها اليه أرقها وأصلبها وأصفاها.
شغلوا قلوبهم بالدنيا, ولو شغلوها بالله والدار الآخرة لجالت في معاني كلامه وآياته المشهودة ورجعت الى أصحابها بغرائب الحكم وطرف الفوائد.
اذا غذي القلب بالتذكر, وسقي بالتفكّر, ونقي من الدغل, ورأى العجائب وألهم الحكمة.
(1/13)
ليس كل من تحلى بالمعرفة والحكمة وانتحلها كان من أهلها, بل أهل المعرفة والحكمة الذين أحيوا قلوبهم بقتل الهوى. وأما من قتل قلبه فأحيى الهوى, فالمعرفة والحكمة عارية على لسانه.
خراب القلب من الزمن والغفلة, وعمارته من الخشية والذكر.
اذا زهدت القلوب في موائد الدنيا قعدت على موائد الآخرة بين أهل تلك الدعوة, واذا رضيت بموائد الدنيا فاتتها تلك الموائد.
الشوق الى الله ولقائه نسيم يهب على القلب يروح عنه وهج الدنيا.
من وطّن قلبه عند ربه, سكن واستراح, من أرسله في الناس اضطرب واشتد به القلق.
لا تدخل محبة الله في قلب فيه حب الدنيا الا كما يدخل الجمل في سم الابرة.
اذا أحب الله عبدا اصطنعه لنفسه واجتباه لمحبته, واستخلصه لعبادته, فشغل همه به, ولسانه بذكره, وجوارحه بخدمته.
القلب يمرض كما يمرض البدن, وشفاؤه في التوبة والحميّة, ويصدأ كما تصدأ المرآة وجلاؤه بالذكر, ويعرى كما يعرى الجسم, وزينته التقوى,
ايّاك والغفلة عمن جعل لحياتك أجلا ولأيامك وأنفاسك أمدا ومن كل سواه بد ولا بد لك منه.
من شغل بنفسه شغل عن غيره, ومن شغل بربه شغل عن نفسه.
الاخلاص هو ما لا يعلمه ملك فيكتبه ولا عدو فيفسده ولا يعجب به صاحبه فيبطله.
الرضا سكون القلب تحت مجاري الأحكام.
الناس في الدنيا معذّبون على قدر هممهم بها.
للقلب ستة مواطن يجول فيها لا سابع لها: ثلاثة سافلة, وثلاثة عالية.
اتباع الهوى وطول الأمل مادة كل فساد, فان اتباع الهوى يعمي عن الحق معرفة وقصدا, وطول الأمل ينسي الآخرة, ويصد عن الاستعداد لها.
لا يشم عبد رائحة الصدق ويداهن نفسه, أو يداهن غيره.
اذا أراد الله بعبد خيرا جعله معترفا بذنبه, ممسكا عن ذنب غيره, جوّادا بما عنده, زاهدا فيما عند غيره, محتملا لأذى غيره, وان أراد به شرا عكس ذلك عليه.
من عشق الدنيا نظرت الى قدرها عند فصيرته من خدمها وعبيدها وأذلّته. ومن أعرض عنها نظرت الى كبر قدره فخدمته وذلّت له.
(1/14)
انما يقطع السفر ويصل المسافر بلزوم الجادّة وسير الليل, فاذا حاد المسافر عن الطريق, ونام الليل كله, فمتى يصل الى مقصده؟
دع الدنيا لأهلها كما تركوا هم الآخرة لأهلها, وكن في الدنيا كالنحلة, ان أكلت طيبا, وان أطعمت أطعمت طيبا, وان سقطت على شيئ لم تكسره ولم تخدشه.
عجبت من ثلاث: رجل يرائي بعمله مخلوقا مثله ويترك أن يعمله لله, ورجل يبخل بماله وربه يستقرضه منه فلا يقرضه منه شيئا, ورجل يرغب في صحبة المخلوقين ومودتهم, والله يدعوه الى صحبته ومودته.
قال سهل بن عبدالله: ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي, لأن آدم نهي عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه, وابليس أمر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه.
ويحكى أن بعض الحكماء كتب على باب بيته: انه لن ينتفع بحكمتنا الا من عرف نفسه ووقف بها عند قدرها, فمن كان كذلك فليدخل والا فليرجع حتى يكون بهذه الصفة.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه:" يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف يغبنون به قيام الحمقى وصومهم, والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترّين".
قال رجل عند عبدالله بن مسعود: ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين, أحب أن أكون من المقربين, فقال عبدالله: لكن هاهنا رجل ودّ أنه اذا مات لم يبعث. يعني نفسه.
قال: لو تعلمون مني ما أعلم من نفسي لحثوتم على رأسي التراب.
قال: حبذا المكروهان: الموت والفقر, وأيم الله ان هو الا الغنى والفقر وما أبالي بأيهما بليت, أرجو الله في كل واحد منهما, ان كان الغنى ان فيه للعطف, وان كان الفقر ان فيه للصبر.
المتقون سادة, والفقهاء قادة, ومجالستهم زيادة,
ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله اذا الناس نائمون, وبنهاره اذا الناس مفطرون, وبحزنه اذا الناس يفرحون, وببكائه اذا الناس يضحكون, وبصمته اذا الناس يخوضون, وبخشوعه اذا الناس يختالون.
(1/15)
وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما سكينا ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا ولا غافلا ولا سخابا ولا صياحا ولا حديدا.
لا ألفين أحدكم جيفة ليل قطرب(دويبة) نهار, اني لأبغض الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة, ومن لم تأمره الصلاة بالمعروف وتنهه عن المنكر لم يزدد بها من الله الا بعدا.
ما دمت في صلاة فأنت تقرع باب الملك, ومن يقرع باب الملك يفتح له. اني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها.
كونوا ينابيع العلم, مصابيح الهدى, أحلاس البيوت, سرج الليل, جدد القلوب, خلقان الثياب, تعرفون في السماء وتخفون على أهل الأرض.
ان للقلوب شهوة وادبارا فاغتنموها عند شهوتها واقبالها, ودعوها عند فترتها وادبارها.
ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم بالخشية.
انكم ترون الكافر من أصح الناس جسما وأمرضهم قلبا, وتلقون المؤمن من أصح الناس قلبا وأمرضهم جسما, وأيم والله, لو مرضت قلوبكم وصحّت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الجعلان.
لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلبا.
الاثم حوّاز القلوب.
مع كل فرحة ترحة وما ملىء بيت حبرة الا ملىء عبرة- وما منكم الا ضيف وماله عارية, فالضيف مرتحل, والعارية مؤداة الى أهلها.
يكون في آخر الزمان أقوام أفضل أعمالهم التلاوم بينهم يسمون الأنتان اذا أحب الرجل أن ينصف من نفسه فلؤت الى الناس الذي يحب أن يؤتى اليه.
الحق ثقيل مريء, والباطل خفيف وبيء, رب شهوة تورث حزنا طويلا.
ما على وجه الأرض شيء أحوج الى طول سجن من لسان.
اذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن في هلاكها.
من استطاع منكم أن يجعل كنزه في السماء حيث لا يأكله السوس ولا يناله السراق فليفعل, فان قلب الرجل مع كنزه.
لا يقلدن أحدكم في دينه رجلا, فا آمن أمن وان كفر كفر, وان كنتم لا بد مقتدين فاقتدوا بالميت, فان الحي لا تؤمن عليه الفتنة.
(1/16)
لا يكن أحدكم امعة, قالوا وما الأمعة؟ قال: يقول أنا مع الناس ان اهتدوا اهتديت وان ضلوا ضللت, ألا ليطن أحدكم نفسه على أنه ان كفر الناس لا يكفر.
أطلب قلبك في ثلاثة مواطن: عند سماع القرآن, وفي مجال الذكر, وفي أوقات الخلوة. فان لم تجده في هذه المواطن فسل الله أن يمن عليك بقلب, فانه لا قلب لك.
أركان الكفر أربعة: الكبر والحسد والغضب والشهوة.
السنة شجرة, والشهور فروعها, والأيام أغصانها, والساعات أوراقها, والأنفاس ثمرها. فمن كانت أنفاسه في طاعة, فثمرة شجرته طيبة, ومن كانت في معصية فثمرته حنظل.
الاخلاص والتوحيد شجرة في القلب, فروعها الأعمال, وثمرها طيب الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة.
كلما خف البدن لطفت الروح, وخفت وطلبت عالمها العلوي.
المواساة للمؤمنين أنواع: مواساة بالمال, ومواساة بالجاه, ومواساة بالبدن والخدمة, ومواساة بالنصيحة والارشاد, ومواساة بالدعاء والاستغفار لهم, ومواساة بالتوجع لهم.
ودخلوا على بشر الحافي في يوم شديد البرد وقد تجرد وهو ينتفض, فقالوا: ما هذا يا أبا نصر؟ فقال: ذكرت الفقراء وبردهم وليس لي ما أواسيهم, فأحببت أن أواسيهم في بردهم.
النعم ثلاثة: نعمة حاصلة يعلم بها العبد, ونعمة منتظرة يرجوها, ونعمة هو فيها لا يشعر بها,
سئل سهل التستري: الرجل يأكل في اليوم أكلة؟ قال: أكل الصديقين, قيل له: فأكلتين؟ قال: أكل المؤمنين, قيل له ثلاث أكلات؟ فقال: قل لأهله يبنوا له معلفا.
قال الأسود بن سالم: ركعتين اصليه لله أحب الي من الجنة بما فيها. فقيل له: هذا خطأ, فقال: دعونا من كلامكم, الجنة رضى نفسي, والركعتان رضى ربي, ورضى ربي أحب الي من رضى نفسي.
العارف في الأرض ريحانة من رياحين الجنة, اذا شمها المريد اشتاقت نفسه الى الجنة.
قلب المحب موضوع بين جلال محبوبه وجماله, فاذا لاحظ جلاله هابه وعظّمه, واذ لاحظ جماله أحبه واشتاق اليه.
(1/17)
وقال عبد الله بن مسعود: ليس عند ربكم ليل ولا نهار, نور السموات والأرض من نور وجهه, فهو سبحانه نور السموات والأرض, ويوم القيامة اذا جاء لفصل القضاء تشرق الأرض بنوره.
قال ابن عباس: حجب الذات بالصفات, وحجب الصفات بالأفعال, فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال, وستر بنعوت العظمة والجلال.
قيل لي في نوم كاليقظة أو يقظة كالنوم.
لا تبد فاقة الى غيري فأضاعفها عليك مكافأة لخروجك عن حدك في عبوديتك.
ابتليتك بالقر لتصير ذهبا خالصا فلا تزيفن بعد السبك.
حكمت لك بالفقر ولنفسي الغنى, فان وصلتها بي وصلتك بالغنى, وان وصلتها بغيري حسمت عنك مواد معونتي طردا لك عن بابي.
قال الحسن: اذا شئت أن ترى بصيرا لا صبر له رأيته, واذا شئت أن ترى صابرا لا بصيرة له رأيته, فاذا رأيت صابرا بصيرا فذاك.
للعبد بين يدي الله موقفان: موقف بين يديه في الصلاة, وموقف بين يديه يوم لقائه. فمن قام بحق الموقف الأول هوّن عليه الموقف الآخر, ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفّه حقّه, شدّد عليه ذلك الموقف.
سأل رجل الشافعي فقال يا أبا عبد الله أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلي فقال الشافعي لا يمكن حتى يبتلي فإن الله ابتلي نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلما صبروا مكنهم فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة.
جمع / عبد اللطيف البلوشي
(1/18)
من لم ينتفع بعينه لم ينتفع بأذنه.
للعبد ستر بينه وبين الله , وستر بينه وبين الناس, فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله , هتك الستر الذي بينه وبين الناس.
للعبد رب هو ملاقيه وبيت هو ساكنه, فينبغي له أن يسترضي ربّه قبل لقائه ويعمّر بيته قبل انتقاله اليه.
اضاعة الوقت أشد من الموت, لأن اضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة, والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها.
الدنيا من أولها الى آخرها لا تساوي غم ساعة, فكيف بغم العمر.
محبوب اليوم يعقبه المكروه غدا, ومكروه اليوم يعقبه المحبوب غدا.
أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع في معادها.
كيف يكون عاقلا من باع الجنّة بما فيها شهوة ساعة.
يخرج العرف من الدنيا ولم يقضي وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه, وثناؤه على ربّه.
المخلوق اذا خفته استوحشت منه وهربت منه, والرب تعالى اذا خفته أنست به وقربت اليه.
لو نفع العلم بما عمل لما ذم الله سبحانه أحبار أهل الكتاب ولو نفع العمل بلا اخلاص لما ذم المنافقين.
دافع الخطرة, فان لم تفعل صارت فكرة. فدافع الفكرة, فان لم نفعل صارت شهوة. فحاربها, فان لم تفعل صارت عزيمة وهمّة, فان لم تدافعها صارت فعلا, فان لم تتداركه بضدّه صار عادة فيصعب عليك الانتقال عنها.
التقوى ثلاث مراتب: احداها: حمية القلب والجوارح عن الآثام والمحرّمات. الثانية: حميتها عن المكروهات. الثالثة: الحمية عن الفضول وما لا يعني.
من خلقه الله للجنّة لم تزل هداياها تأتيه من المكاره, ومن خلقه الله للنار لم تزل هداياها تأتيه من الشهوات.
لما طلب آدم الخلود في الجنة من جانب الشجرة عوقب بالخروج منها. اقرأ الآيات 19-24من سورة الأعراف.
ولما طلب يوسف الخروج من السجن من جهة صاحب الرؤية لبث فيها بضع سنين. اقرأ يوسف آية 42.
من عشق وقار الله في قلبه أن يعصيه, وقّره الله في قلوب الخلق أن يذلّوه.
(1/1)
*اذا علقت شروش المعرفة في أرض القلب, نبتت فيه شجرة المحبة, فاذا تمكّنت وقويت أثمرت *الطاعة, فلا تزال الشجرة:{ تؤتي أكلها كل حين باذن ربّها}.
*أول منازل القوم:{ اذكروا االه ذكرا كثيرا. وسبّحوه بكرة وأصيلا} الأحزاب 41-42. *وأوسطها {هو الذي يصلّي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات الى النور} الأحزاب 43. *وآخرها:{ تحيّتهم يوم يلقونه سلام} الأحزاب 44.
*أرض الفطرة رحبة قابلة لما يغرس فيها, فان غرست شجرة الايمان والتقوى أورثت حلاوة الأبد, وان غرست شجرة الجهل والهوى فكل الثمر مرّ.
*ارجع الى الله واطلبه من عينك وسمعك وقلبك ولسانك, ولا تشرد عنه من هذه الأربعة, فما رجع من رجع اليه بتوفيقه الا منها, وما شرد من شرد عنه بخذلانه الا منها,
*مثال تولد الطاعة ونموها وتزايدها, كمثل نواة غرستها, فصارت شجرة, ثم أثمرت فأكلت ثمارها, وغرست نواها, فكلما أثمر منها شيء, جنيت ثمره, وغرست نواه. وكذلك تداعي المعاصي, فليتدبّر اللبيب هذا المثال. فمن ثواب الحسنة الحسنة بعدها, ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها.
ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبّد له ولا يمل خدمته مع حاجته وفقره اليه, انما العجب من مالك يتحبب الى مملوكه بصنوف انعامه ويتودد اليه بأنواع احسانه مع غناه عنه.
كفى بك عزّا أنك له عبد وكفى بك فخرا أنه لك رب
ايّاك والمعاصي فانها أذلّت عز {اسجدوا} وأخرجت قطاع {أسكن}.
يا لها من لحظة أثمرت حرارة القلق ألف سنة ما زال يكتب بدم الندم سطور الحزن في القصص, ويرسلها مع أنفاس الأسف حتى جاءه توقيع {فتاب عليه}.
فرح ابليس بنزول آدم من الجنة, وما علم أن هبوط الغائص في اللجة خلف الدر صعود. كم بين قوله لآدم: {اني جاعل في الأرض خليفة}البقرة 30, وقوله لك {اذهب فمن تبعك منهم} السراء63.
ما جرى على آدم هو المراد من وجوده, "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم".
(1/2)
يا آدم لا تجزع من قوله لك: {اهبطوا بعضكم لبعض عدو} الأعراف 24, فلك ولصالح ذريتك خلقتها.
يا آدم كنت تدخل علي دخول الملوك على الملوك, واليوم تدخل علي دخول العبيد على الملوك.
يا آدم لا تجزع من قولي لك:{ وعسى أن تكرهوا..} البقرة 216.
يا آدم لم اخرج اقطاعك الى غيرك, انما نحيّتك عنه لأكمل عمارته لك, وليبعث الى العمّال نفقة :{ تتجافى جنوبهم..}
تالله ما نفعه عند معصية عز {اسجدوا} ولا شرف :{ وعلّم آدم..} ولا خصيصت :{ لما خلقت بيدي..} ولا فخر:{ لما نفخت فيه من روحي..} وانما انتفع بذل:{ ربنا ظلمنا أنفسنا...}
لما لبس درع التوحيد على بدن الشكر وقع سهم العدو منه في غير مقتل فجرحه فوضع عليه جبار الانكسار فعاد كما كان فقام الجريح كأن لم يكن به قلبة.(أي علّة).
لعمرك ما الانسان الا ابن دينه فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
فقد رفع الاسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك الحسيب أبا لهب
نجائب النجاة مهيّأة للمراد, وأقدام المطرود موثوقة بالقيود.
هبّت عواصف الأقدار في بيداء الأكوان, قتقلب الوجود ونجم الخير, فلما ركدت الريح اذا أبو طالب غريق في لجة الهلاك, وسلمان على احل السلامة.
الوليد بن المغيرة يقدم قومه في التيه, وصهيب قد قدم بقافلة الروم, والنجاشي في أرض الحبشة يقول: لبيك اللهم لبيك, وبلال ينادي: الصلاة خير من النوم, وأبو جهل في رقدة المخلفة.
اذا نحن أدجلنا وأنت امامنا كفى بالمنايا طيّب ذكرك حاديا
وان نحن أضللنا الطريق ولم نجد دليلا, كفانا نور وجهك هاديا
*الذنوب جراحات, ورب جرح وقع في مقتل.
*لو خرج عقلك من سلطان هواك, عادت الدولة له.
*دخلت دار الهوى مقامت بعمرك.
*اذا عرضت نظرة لا تحل فاعلم أنها مسعر حرب, فاستتر منها بحجاب: {قل للمؤمنين...} فقد سلمت من الأثر: {وكفى الله المؤمنين القتال}.
بحر الهوى اذا مد أغرق, وأخوف المنافذ على السابح فتح البصر في الماء.
(1/3)
*كم قطع زرع قبل التمام فما ظن الزرع المستحصد, اشتر نفسك, فالسوق قائمة والثمن موجود.
لا بد من سنة الغفلة ورقاد الهوى, ولكن كن خفيف النوم فحراس البلد يصيحون: دنا الصباح.
*نور العقل يضيء في ليل الهوى, فتلوح جادة الصواب, فيتلمح البصير في ذلك النور
أخرج بالعزم من هذا الفناء الضيّق المحشو بالآفات الى ذلك الفناء الرحب الذي فيه "مالا عين رأت",فهناك لا يتعذّر مطلوب ولا يفقد محبوب.
*يا مخنث العزم أين أنت, والطريق طريق تعب فيه آدم, وناح لأجله نوح, ورمى في النار الخليل, وأضجع للذبح اسماعيل, وبيع يوسف بثمن بخس, ولبث في السجن بضع سنين.
فيا دارها بالحزن ان مزارها قريب, ولكن دون ذلك أهوال
*الحرب قائمة وأنت أعزل في النظارة, فان حركت ركابك فللهزيمة.
*من لم يباشر حر الهجير (نصف النهار عند اشتداد النهار) في طلاب المجد لم يقل (القيلولة) في ظلال الشرف.
تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ولم تدر أني للمقام أطوف
قيل لبعض العباد: الى كم تتعب نفسك!! فقال راحتها أريد.
*يا مكرما بحلة الايمان بعد حلة العافية وهو يخلقهما (يبليهما) في مخالفة الخالق, لا تنكر السلب؛ يستحق من استعمل نعمة المنعم فيما يكره أن يسلبها.
*عرائس الموجودات قد تزينت للناظرين؛ ليبلوهم أيهم يؤثرهن على عرائس الآخرة, فمن عرف قدر التفاوت آثر ما ينبغي ايثاره.
وحسان الكون لما أن بدت أقبلت نحوي, وقالت لى: الي
فتعاميت كأن لم أرها عندما أبصرت مقصودي لدي
*كواكب هم العارفين في بروج عزائمهم سيارة ليس فيها زحل.
*يا من انحرف عن جادتهم كن فى أواخر الركب ونم اذا نمت على الطريق, فالأمير يراعي الساقة (ساقة الجيش أي المؤخرة).
*قيل للحسن: سبقنا القوم على خيل دهم (أي سود) ونحن على حمر معقرة (مجرحة), فقال ان كنت على طريقهم فما أسرع اللحاق بهم.
*مصابيح القلوب الطاهرة في أصل الفطرة منيرة قبل الشرائع {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار} النور 35.
(1/4)
*وحد قس وما رأى الرسول, وكفر ابن أبيّ وقد صلّى معه بالمسجد. قس بن ساعدة أحد حكماء العرب ومن خطبائهم, سئل عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:" يحشر أمة وحدة".
*مع الصب ري ولا ماء, وكم من عصشان في اللجة.
*سبق العلم بنبوة موسى وايمان آسية فسيق تابوته الى بيتها, فجاء طفل منفرد عن أم, الى امرأة خالية عن ولد. فلله كم من القصة من عبرة.
كم ذبح فرعون في طلب موسى من ولد, ولسان القدر يقول: لا نربيه الا في حجرك.
ولو قيل للمجنون: ليلى ووصلها تريد أم الدنيا وما في طواياها
لقال: غبار من تراب نعالها ألذ الى نفسي وأشفى لبلواها
*فيا مخنث العزم أقل ما في البرقعة البيذق, فلما نهض تفرزن.
*رأى بعض الحكماء برذونا (فرس غير عربي هجين) يسقى عليه, فقال لو هملج (انقاد) هذا, لركب.
*أقدام العزم بالسلوك اندفع من بين أيديها سد القواطع.
*القواطع محن بتبين بها الصادق من الكاذب, فاذا خضتها انقلبت أعوانا لك توصلك الى المقصود.
*الدنيا كامرأة بغي لا تثبت مع زوج, انما تخطب الأزواج ليستحسنوا عليها فلا ترضى الا بالدياثة.
ميزت بين جمالها فعالها فاذا الملاحة بلقباحة لا تفي
حلفت لنا الا تخون عهودنا فكأنها حلفت لنا ألا تفي
السير في طلبها سير في أرض مسبعة, والسباحة فيها سباحة في غدير التمساح, المفروح به منها هو عين المحزون عليه. آلامها متولدة من لذاتها, وأحزانها من أفراحها.
مآرب كانت في الشباب في أهلها عذابا, فصارت في المشيب عذابا
*طائر الطبع يرى الحبة, وعين العقل ترى الشرك, غير أن عين الهوى عمياء.
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا
*تزخرفت الشهوات لأعين الطباع, فغض عنها الذين يؤمنون بالغيب, ووقع تابعوها في بيداء الحسرات, ف: { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} وهؤلاء يقال لهم:{ كلوا وتمتعوا قليلا انكم مجرمون}.
(1/5)
*من أعجب الأشياء أ، تعرفه ثم لا تحبه, وأن تسمع داعيه, ثم تتأخر عن الاجابة. وأن تعرف قدر الربح في معاملته, ثم تعامل غيره. وأن تعرف قدر غضبه, ثم تتعرّض له.
*وأعجب من هذا علمك أن لا بد لك منه, وأنك أحوج شيء اليه, وأنت عنه معرض, وفيما يبعدك عنه راغب.
قال يحيى بن معاذ: من جمع الله عليه قلبه, وصدقت ضرورته وفاقته, وقوي رجاؤه, فلا يكاد يرد دعاؤه.
لما رأى المتيقظون سطوة الدنيا بأهلها, وخداع الأمل لأربابه, وتملك الشيطان قياد النفوس, ورأوا الدولة للنفس الأمارة, لجأوا الى حصن التضرّع والالتجاء, كما يأوي العبد المذعور الى حرم سيده.
شهوات الدنيا ك "لعب الخيال", ونظر الجاهل مقصور على الظاهر, فأما ذو العقل فيرى ما وراء الستر.
لاح لهم المشتهى, فلما مدوا أيدي التناول بأن لأبصار البصائر خيط الفخ, فطاروا بأجنحة الحذر, وصوبوا الى الرحيل الثاني: {يا ليت قومي يعلمون},
وقع ثعلبان في شبكة, فقال أحدهم للآخر: أين الملتقى بعد هذا؟ فقال: بعد يومين في الدباغة.
تالله ما كانت الأيام الا مناما, فاستيقظوا وقد حصلوا على الظفر.
ما مضى من الدنيا أحلام, وما بقي منها أماني, والوقت ضائع بينهما.
كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه, وولد لا يعذره, وجار لا يأمنه, وصاحب لا ينصحه, وشريك لا ينصفه, وعدو لا ينام عن معاداته, ونفس أمارة بالسوء, ودنيا متزيّنة, .
اشتر نفسك اليوم, فان السوق قائمة, والثمن موجود, والبضائع رخيصة, وسيأتي على تلك البضائع يوم لا تصل فيه الى قليل ولا كثير: { ..وذلك يوم التغابن} .
اذا أنت لم ترحل بزاد من التقى وأبصرت يوم الحشر من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله وأنك لم ترصد كما كان أرصدا
العمل بغير اخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملاء جرابه رملا يثقله ولا ينفعه.
(1/6)
اذا حملت على القلب هموه الدنيا وأثقالها, وتهاونت بأورادها التي هي قوته وحياته, كنت كالمسافر الذي يحمل دابته فوق طاقتها ولا يوفيها علفها, فما أسرع ما تقف به.
من تلمح حلاوة العافية هانت عليه مرارة الصبر.
الغاية أول في التقدير, آخر في الوجود, مبدأ في نظر العقل, منتهى في منازل الوصول.
ألفت عجز العادة, فلو علت بك همّتك ربا المعالي لاحت لك أنوار العزائم.
انما تفاوت القوم بالهمم لا بالصور.
نزول همة الكساح دلاه في جب العذرة. الكساح: داء يصيب الابل, العذرة فناء البيت, وكذلك يقال للغائط.
بينك وبين الفائزين جبل الهرم, نزلوا بين يديه ونزلت خلفه, فاطو فصل منزل, تلحق بالقوم.
الدنيا مضمار سباق, وقد انعقد الغبار وخفى السابق, والناس في المضمار بين فارس وراجل وأصحاب حمر معقرة.
في الطبع شره, والحمية أوفق.
لص الحرص لا يمشي الا في ظلام الهوى.
حبة المشتهى تحت فخ التلف, فتفكر الذبح وقد هان الصبر.
قوة الطمع في بلوغ الأمل توجب الاجتهاد في الطلب, وشدة الحذر من فوت المأمول.
البخيل فقير لا يؤجر على فقره.
الصبر على عطش الضر, ولا الشرب من شرعة منّ.
تجوع الحرة, ولا تأكل بثدييها.
لا تسأل سوى مولاك, فسؤال العبد غير سيده تشنيع عليه.
غرس الخلوة يثمر الأنس.
استوحش مما لا يدوم معك, واستأنس بمن لا يفارقك.
عزلة الجاهل فساد, وأما عزلة العالم فمعها حذاؤها وسقاؤها.
اذا اجتمع العقل واليقين في بيت العزلة, واستحضر الفكر وجرت بينهم مناجاة:
أتاك حديث لا يمل سماعه شهى الينا نثره ونظامه
اذا ذكرته النفس زال عناؤها وزال عن القلب المعنى ظلامه
اذا خرجت من عدوك لفظة سفه, فلا تلحقها بمثلها تلقّحها, ونسل الخصام نسل مذموم.
حميتك لنفسك أثر الجهل بها, فلو عرفتها حق معرفتها أعنت الخصم عليها.
اذا اقتدحت نار الانتقام من نار الغضب ابتدأت بحراق القادح.
أوثق غضبك بسلسلة الحلم, فانه كلب ان أفلت أتلف.
(1/7)
من سبقت له سابقة السعادة, دل على الدليل قبل الطلب.
اذا أراد القدر شخصا بذر في أرض قلبه بذر التوفيق, ثم سقاه بماء الرغبة والرهبة, ثم أقام عليه بأطوار المراقبة, واستخدم له حارس العلم, فاذا الزرع قائم على سوقه.
اذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة, وردفه قمر العزيمة, أشرقت أرض القلب بنور ربها.
سفر الليل لا بطيقه الا مضمر المجاعة, النجائب في الأول, وحاملات الزاد في الأخير.
لا تسأم الوقوف على الباب ولوطردت, ولا تقطع الاعتذار ولو ردت, فان فتح الباب للمقبولين دونك فاهجم هجوم الكذابين وادخل دخول الطفيلية وابسط كف {وتصدّق علينا}.
يا مستفتحا باب المعاش بغير اقليد التقوى (أي مفتاحها), كيف توسع طريق الخطايا وتشكو ضيق الزرع.
لو وقفت عند مراد التقوى لم يفتك مراد.
المعاصي سد في باب الكسب, و" ان العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه",
تالله ما جئتكم زائرا الا وجدت الأرض تطوي لي
ولا انثنى عزمي عن بابكم الا عثرت بأذيالي
الأرواح هي الأشباح كالأطيار في الأبراج, وليس ما أعد للاستفراخ كمن هيىء للسباق.
من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه من العمل وبأي شغل يشغله.
كن من أبناء الآخرة ولا تكن من أبناء الدنيا, فان الوليد يتبع الأم.
الدنيا لا تساوي نقل أقدامك اليها, فكيف تعدو خلفها؟.
الدنيا مجاز والآخرة وطن, والأوطار انما تطلب من الأوطان.
ودّع ابن عون رجلا فقال: عليك بتقوى الله, فان المتقى ليست عليه وحشة.
وقال زيد بن أسلم: كام يقال: من اتقى الله أحبه الناس وان كرهوا.
وقال الثوري لابن أبي ذئب: ان اتقيت الله كفاك الناس, وان اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئا.
وفي الزهد للامام أحمد أثر الهي: " ما من مخلوق اعتصم بمخلوق دونى الا قطعت أسباب السموات والأرض دونه, فان سألني لم أعطه, وان دعاني لم أجبه, وان استغفرني لم أغفر له.
(1/8)
*من عرف نفسه اشتغل باصلاحها عن عيوب الناس, ومن عرف ربهاشتغل به عن هوى نفسه.
أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس بالخلاص, وعن نفسك بشهود المنّة, فلا ترى فيه نفسك ولا ترى الخلق.
*دخل الناس النار من ثلاث أبواب: باب شبهة أورثت شكا في دين الله. وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته. وباب غضب أورث العدوان على خلقه.
*أصول الخطايا كلها ثلاث: الكبر: وهو الذي أصار ابليس الى ما أصاره. والحرص: وهو الذي أخرج آدم من الجنة. والحسد: وهو الذي جرّأ أحد ابني آدم على أخيه.
*أخسر الناس صفقة من اشتغل عن الله بنفسه, بل أخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس.
قد نادت الدنيا على نفسها لو كان في ذا الخلق من يسمع
كم واثق بالعيش أهلكته وجامع فرقت ما يجمع
من أحدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته, ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعا, ومن أساء في آخر عمره لقي ربه بذلك الوجه.
لو قدمت لقمة وجدتها, ولكن يؤذيك الشره.
كم جاء الثواب يسعى اليك فوقف بالباب فرده بواب "سوف ولعل وعسى".
اذا رأيت الرجل الخسيس بالنفيس ويبيع العظيم بالحقير, فاعلم بأنه سفيه.
كم في تقدير الذنب من حكمة, وكم فيه مع تحقيق التوبة للعبد من مصلحة ورحمة. التوبة من الذنب كشرب الدواء للعليل, ورب علة كانت سبب الصحة.
لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأجساد بالعلل
لولا تقدير الذنب لهلك ابن آدم من العجب.
ذنب يذل به أحب اليه من طاعة يدل بها عليه.
شمعة النصر انما تنزل من شمعدان الانكسار.
لا يكرم العبد نفسه بمثل اهانتها, ولا يعزها بمثل ذلها, ولا يريحها بمثل تعبها, كما قيل:
سأتعب نفسي أو أصادف راحة فان هوان النفس في كرم النفس
ولا يشبعها بمثل جوعها, وات يؤمنها بمثل خوفها, ولا يؤنسها بمثل وحشتها من كل ما سوى بارئها وفاطرها ولا يميتها بمثل اماتتها, كما قيل: موت النفوس حياتها من شاء أن يحيا يمت
(1/9)
شراب الهوى حلو ولكنه يورث الشرق(الغصة من الحلق), منم تذكر خنق الفخ هان عليه هجران الحبة.
يا معرقلا في شرك الهوىّ جمزة(العدو السريع)! عزم وقد خرقت الشبكة.
لا بد من نفوذ القدر فاجنح للسلم. له ملك السموات للأرض, واستقرض منك حبة فبخلت بها, وخلق سبعة أبحر وأحب منها دمعة فقحطت عينيك بها.
اطلاق البصر ينفش في القلب صورة المنظور, والقلب كعبة, والمعبود لا يرضى بمزاحمة الأصنام.
لذات الدنيا كسوداء وقد غلبت عليك, والحور العين يعجبن من سوء اختيارك عليهن, غير أن زوبعة الهوى اذا ثارت سفت في عين البصيرة فخفيت الجادة.
سبحان الله, تزينت الجنة للخطّاب فجدوا في تحصيل المهر, وتعرّف رب العزة الى المحبين بأسمائه وصفاته فعملوا على اللقاء وأنت مشغول بالجيف.
لا مكن من لسواك منه قلبه ولك اللسان مع الوداد الكاذب
المعرفة بساط لا يطأ عليه الا مقرب, والمحبة نشيد لا يطرب عليه الا محب مغرم.
الحب غدير في صحراء ليست بها جادة, فلهذا قل وارده.
المحب يهرب الى العزلة والخلوة بمحبوبه والأنس بذكره كهرب الحوت الى الماء والطفل الى أمه.
وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك القلب بالسر خاليا
ليس للعابد مستراح الا تحت شجرة طوبى, ولا للمحب قرار الا يوم المزيد. اشتغل به في الحياة يكفك ما بعد الموت.
يا منفقا بضاعة العمر في مخالفة حبيبه والبعد منه, ليس في أعدائك أضر عليك منه.
ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه
الهمة العليّة من استعد صاحبحه للقاء الحبيب, وقدم التقادم بين يدي الملتقى, فاستبشر عند القدوم:{ وقدّموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشّر المؤمنين}
تالله ما عدا عليك العدو الا بعد أن تولى عنك الولي, فلا تظن أن الشيطان غلب, ولكن الحافظ أعرض.
سبحان الله, ظاهرك متجمل بلباس التقوى, وباطنك باطية(اناء) لخمر الهوى, فكلما طيبت الثوب فاحت رائحة المسكر من تحته, فتباعد منك الصادقون, وانحاز اليك الفاسقون.
(1/10)
يدخل عليك لص الهوى وأنت في زاوية التعبد فلا يرى منك طردا له, فلا يزال بك حتى يخرجك من المسجد.
أصدق في الطلب وقد جاءتك النعونة.
قال رجل لمعروف: علمني المحبة, فقال: المحبة لا تجيء بالتعليم.
هو الشوق مدلولا على مقتل الفتى اذا لم يعد صبا بلقيا حبيبه
ليس العجب من قوله يحبونه, انما العجب من قوله يحبهم.
ليس العجب من فقير مسكين يحب محسنا اليه, انما العجب من محسن يحب فقيرا مسكينا.
اجتنب من يعادي أهل الكتاب والسنة لئلا يعديك خسرانه.
احترز من عدوين هلك بهما أكثر الخلق: صادّ عن سبيل الله بشبهاته وزخرف قوله, ومفتون بدنياه ورئاسته.
يا أيها الأعزل احذر فراسة المتقى, فانه يرى عورة عملك من وراء ستر "اتقوا فراسة المؤمن"
سبحان الله: في النفس كبر ابليس, وحسد قابيل, وعتو عاد, وطغيان ثمود, وجرأة نمرود, واستطالة فرعون, وبغى قارون, وقحّة هامان (أي لؤم), وحيل أصحاب السبت.
سلم المبيع قبل أن يتلف في يدك فلا يقبله المشتري, قد علم المشتري بعيب السلعة قبل أن يشتريها, فسلمها لك والأمان من الرد.
قدر السلعة يعرف بقدر مشتريها, والثمن المبذول فيها, والمنادي عليها, فاذا كان المشترى عظيما, والثمن خطيرا, والمنادي جليلا, كانت السلعة نفيسة.
أحن بأطراف النهار صبابة وبالليل يدعوني الهوى فأجيب
واذا لم يكن من العشق بد فمن العجز عشق غير الجميل
يا من هو من أرباب الخبرة, هل عرفت قيمة نفسك؟ انما خلقت الأكوان كلها لك.
يا من غذى بلبان البر, وقلب بأيدي الألطاف, كل الأشياء شجرة وأنت الثمرة, وصورة وأنت المعنى, وصدف وأنت الدر, ومخيض وأنت الزبد.
منشور اختيارنا لك واضح الخط, ولكن استخراجك ضعيف.
متى رمت طلبي فاطلبني عندك, اطلبني منك تجدني قريبا, ولا تطلبني من غيرك فأنا أقرب اليك منه.
(1/11)
لو عرفت قدر نفسك عندنا ما أهنتها بالمعاصي, انما أبعدنا ابليس اذ لم يسجد لك, وأنت في صلب أبيك, فواعجبا كيف صالحته وتركتنا! لو كان في قلبك محبة لبان أثرها على جسدك.
ولما ادعيت الحب قالت كذبتني ألست أرى الأعضاء منك كواسيا
لو تغذى القلب بالمحبة لذهبت عنه بطنة الشهوات.
ولو كنت عذري الصبابة لم تكن بطينا وأنساك الهوى كثرة الأكل
لو صحّت محبتك لاستوحشت ممن لا يذكرك بالحبيب. واعجبا لمن يدعي المحبة, ويحتاج الى من يذكره بمحبوبه, فلا يذكره الا بمذكر. أقل ما في المحبة أنها لا تنسيك تذكر المحبوب.
ذكرتك لا أني نسيتك ساعة وأيسر ما في الذكر ذكر لساني
فاذا دخل على الحبيب أفيضت عليه الخلع من كل ناحية, ليمتحن أيسكن اليها فتكون حظه, أم يكون التفاته الى من ألبسه اياها.
ملأوا مراكب القلوب متاعا لا تنفق الا على الملك, فلما هبت رياح السحر أقلعت تلك المراكب, فما طلع الفجر الا وهي بالميناء.
قطعوا بادية الهوى بأقدام الجد, فما كان الا القليل حتى قدموا من السفر, فأعقبهم الراحة في طريق التلقي, فدخلوا بلد الوصل وقد حازوا ربح الأبد.
فرّغ القوم قلوبهم من الشواغل فضربت فيها سرادقات المحبة, فأقاموا العيون تحرس تارّة وترش أخرى.
سرداق المحبة لا يضرب الا في قاع نزه فارغ.
نزّه فؤادك من سوانا وألقنا فجنابنا حل لكل منزّه
والصبر طلسم لكنز وصالنا من حل ذا الطلسم, فاز بكنزه
اعرف قدر ما ضاع منك وابك بكاء من يدري مقدار الفائت.
لو تخيلت قرب الأحباب لأقمت المأتم على بعدك.
لو استنشقت ريح الأسحار لأفاق منك قلبك المخمور.
من استطال الطريق ضعف مشيه.
وما أنت بالمشتاق, ان قلت بيننا طوال الليالي, أو بعيد المفاوز
أما علمت أن الصادق: اذا هم ألقى بين عينيه عزمه.
اذا نزل آب في القلب حل آذار في العين.
هان سهر الحرّاس لما علموا أن أصواتهم بسمع الملك.
من لاح له حال الآخرة هان عليه فراق الدنيا. اذا لاح للباشق الصيد نسي مألوف الكف.
(1/12)
يا أقدام الصبر احملي بقي القليل. تذكر حلاوة الوصال يهن عليك مر المجاهدة.
قد علمت أين المنزل فاحد لها تسر.
أعلى الهمم همة من استعد صاحبها للقاء الحبيب, وقدم القادم بين يدي الملتقى, فاستبشر بالرضا عند قدوم:{ وقدموا لأنفسكم}.
الجنة ترضى منك بأداء الفرائض, والنار تندفع عنك بترك المعاصي, والمحبة لا تقنع منك الا ببذل الروح.
لله!! ما أحلى زمان تسعى فيه أقدام الطاعة على أرض الاشتياق.
لما سلم القوم النفوس الى رائض الشرع, علمها الوفاق على خلاف الطبع فاستقامت مع الطاعة, كيف دارت معها.
علمت كلبك, فهو يترك شهوته في تناول ما صاده احتراما لنعمتك, وخوفا من سطوتك, وكم علمك معلم الشرع وأنت لا تفبل.
حرم صيد الجاهل والممسك لنفسه, فما ظن الجاهل الذي أعماله لهوى نفسه.
جمع فيك عقل الملك, وشهوة البهيمة, وهوى الشيطان, وأنت للغالب عليك من الثلاثة: ان غلبت شهوتك وهواك؛ زدت على مرتبة ملك, وان غلبكك هواك وشهوتك: نقصت عن مرتبة كلب.
لما صاد الكلب لربه أبيح صيده, ولما أمسك على نفسه حرم ما صاده.
ماضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله.
خلقت النار لاذابة القلوب القاسية.
أبعد القلوب من الله القلب القاسي.
اذا قسا القلب قحطت العين.
قسوة القلب من أربعة أشياء اذا جاوزت قدر الحاجة: الأكل والنوم والكلام والمخالطة. والقلب اذا مرض بالشهوات لم ينفع فيه المواعظ.
من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهوته.
القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها.
القلوب آنية الله في أرضه, فأحبها اليه أرقها وأصلبها وأصفاها.
شغلوا قلوبهم بالدنيا, ولو شغلوها بالله والدار الآخرة لجالت في معاني كلامه وآياته المشهودة ورجعت الى أصحابها بغرائب الحكم وطرف الفوائد.
اذا غذي القلب بالتذكر, وسقي بالتفكّر, ونقي من الدغل, ورأى العجائب وألهم الحكمة.
(1/13)
ليس كل من تحلى بالمعرفة والحكمة وانتحلها كان من أهلها, بل أهل المعرفة والحكمة الذين أحيوا قلوبهم بقتل الهوى. وأما من قتل قلبه فأحيى الهوى, فالمعرفة والحكمة عارية على لسانه.
خراب القلب من الزمن والغفلة, وعمارته من الخشية والذكر.
اذا زهدت القلوب في موائد الدنيا قعدت على موائد الآخرة بين أهل تلك الدعوة, واذا رضيت بموائد الدنيا فاتتها تلك الموائد.
الشوق الى الله ولقائه نسيم يهب على القلب يروح عنه وهج الدنيا.
من وطّن قلبه عند ربه, سكن واستراح, من أرسله في الناس اضطرب واشتد به القلق.
لا تدخل محبة الله في قلب فيه حب الدنيا الا كما يدخل الجمل في سم الابرة.
اذا أحب الله عبدا اصطنعه لنفسه واجتباه لمحبته, واستخلصه لعبادته, فشغل همه به, ولسانه بذكره, وجوارحه بخدمته.
القلب يمرض كما يمرض البدن, وشفاؤه في التوبة والحميّة, ويصدأ كما تصدأ المرآة وجلاؤه بالذكر, ويعرى كما يعرى الجسم, وزينته التقوى,
ايّاك والغفلة عمن جعل لحياتك أجلا ولأيامك وأنفاسك أمدا ومن كل سواه بد ولا بد لك منه.
من شغل بنفسه شغل عن غيره, ومن شغل بربه شغل عن نفسه.
الاخلاص هو ما لا يعلمه ملك فيكتبه ولا عدو فيفسده ولا يعجب به صاحبه فيبطله.
الرضا سكون القلب تحت مجاري الأحكام.
الناس في الدنيا معذّبون على قدر هممهم بها.
للقلب ستة مواطن يجول فيها لا سابع لها: ثلاثة سافلة, وثلاثة عالية.
اتباع الهوى وطول الأمل مادة كل فساد, فان اتباع الهوى يعمي عن الحق معرفة وقصدا, وطول الأمل ينسي الآخرة, ويصد عن الاستعداد لها.
لا يشم عبد رائحة الصدق ويداهن نفسه, أو يداهن غيره.
اذا أراد الله بعبد خيرا جعله معترفا بذنبه, ممسكا عن ذنب غيره, جوّادا بما عنده, زاهدا فيما عند غيره, محتملا لأذى غيره, وان أراد به شرا عكس ذلك عليه.
من عشق الدنيا نظرت الى قدرها عند فصيرته من خدمها وعبيدها وأذلّته. ومن أعرض عنها نظرت الى كبر قدره فخدمته وذلّت له.
(1/14)
انما يقطع السفر ويصل المسافر بلزوم الجادّة وسير الليل, فاذا حاد المسافر عن الطريق, ونام الليل كله, فمتى يصل الى مقصده؟
دع الدنيا لأهلها كما تركوا هم الآخرة لأهلها, وكن في الدنيا كالنحلة, ان أكلت طيبا, وان أطعمت أطعمت طيبا, وان سقطت على شيئ لم تكسره ولم تخدشه.
عجبت من ثلاث: رجل يرائي بعمله مخلوقا مثله ويترك أن يعمله لله, ورجل يبخل بماله وربه يستقرضه منه فلا يقرضه منه شيئا, ورجل يرغب في صحبة المخلوقين ومودتهم, والله يدعوه الى صحبته ومودته.
قال سهل بن عبدالله: ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي, لأن آدم نهي عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه, وابليس أمر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه.
ويحكى أن بعض الحكماء كتب على باب بيته: انه لن ينتفع بحكمتنا الا من عرف نفسه ووقف بها عند قدرها, فمن كان كذلك فليدخل والا فليرجع حتى يكون بهذه الصفة.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه:" يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف يغبنون به قيام الحمقى وصومهم, والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترّين".
قال رجل عند عبدالله بن مسعود: ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين, أحب أن أكون من المقربين, فقال عبدالله: لكن هاهنا رجل ودّ أنه اذا مات لم يبعث. يعني نفسه.
قال: لو تعلمون مني ما أعلم من نفسي لحثوتم على رأسي التراب.
قال: حبذا المكروهان: الموت والفقر, وأيم الله ان هو الا الغنى والفقر وما أبالي بأيهما بليت, أرجو الله في كل واحد منهما, ان كان الغنى ان فيه للعطف, وان كان الفقر ان فيه للصبر.
المتقون سادة, والفقهاء قادة, ومجالستهم زيادة,
ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله اذا الناس نائمون, وبنهاره اذا الناس مفطرون, وبحزنه اذا الناس يفرحون, وببكائه اذا الناس يضحكون, وبصمته اذا الناس يخوضون, وبخشوعه اذا الناس يختالون.
(1/15)
وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما سكينا ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا ولا غافلا ولا سخابا ولا صياحا ولا حديدا.
لا ألفين أحدكم جيفة ليل قطرب(دويبة) نهار, اني لأبغض الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة, ومن لم تأمره الصلاة بالمعروف وتنهه عن المنكر لم يزدد بها من الله الا بعدا.
ما دمت في صلاة فأنت تقرع باب الملك, ومن يقرع باب الملك يفتح له. اني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها.
كونوا ينابيع العلم, مصابيح الهدى, أحلاس البيوت, سرج الليل, جدد القلوب, خلقان الثياب, تعرفون في السماء وتخفون على أهل الأرض.
ان للقلوب شهوة وادبارا فاغتنموها عند شهوتها واقبالها, ودعوها عند فترتها وادبارها.
ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم بالخشية.
انكم ترون الكافر من أصح الناس جسما وأمرضهم قلبا, وتلقون المؤمن من أصح الناس قلبا وأمرضهم جسما, وأيم والله, لو مرضت قلوبكم وصحّت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الجعلان.
لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلبا.
الاثم حوّاز القلوب.
مع كل فرحة ترحة وما ملىء بيت حبرة الا ملىء عبرة- وما منكم الا ضيف وماله عارية, فالضيف مرتحل, والعارية مؤداة الى أهلها.
يكون في آخر الزمان أقوام أفضل أعمالهم التلاوم بينهم يسمون الأنتان اذا أحب الرجل أن ينصف من نفسه فلؤت الى الناس الذي يحب أن يؤتى اليه.
الحق ثقيل مريء, والباطل خفيف وبيء, رب شهوة تورث حزنا طويلا.
ما على وجه الأرض شيء أحوج الى طول سجن من لسان.
اذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن في هلاكها.
من استطاع منكم أن يجعل كنزه في السماء حيث لا يأكله السوس ولا يناله السراق فليفعل, فان قلب الرجل مع كنزه.
لا يقلدن أحدكم في دينه رجلا, فا آمن أمن وان كفر كفر, وان كنتم لا بد مقتدين فاقتدوا بالميت, فان الحي لا تؤمن عليه الفتنة.
(1/16)
لا يكن أحدكم امعة, قالوا وما الأمعة؟ قال: يقول أنا مع الناس ان اهتدوا اهتديت وان ضلوا ضللت, ألا ليطن أحدكم نفسه على أنه ان كفر الناس لا يكفر.
أطلب قلبك في ثلاثة مواطن: عند سماع القرآن, وفي مجال الذكر, وفي أوقات الخلوة. فان لم تجده في هذه المواطن فسل الله أن يمن عليك بقلب, فانه لا قلب لك.
أركان الكفر أربعة: الكبر والحسد والغضب والشهوة.
السنة شجرة, والشهور فروعها, والأيام أغصانها, والساعات أوراقها, والأنفاس ثمرها. فمن كانت أنفاسه في طاعة, فثمرة شجرته طيبة, ومن كانت في معصية فثمرته حنظل.
الاخلاص والتوحيد شجرة في القلب, فروعها الأعمال, وثمرها طيب الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة.
كلما خف البدن لطفت الروح, وخفت وطلبت عالمها العلوي.
المواساة للمؤمنين أنواع: مواساة بالمال, ومواساة بالجاه, ومواساة بالبدن والخدمة, ومواساة بالنصيحة والارشاد, ومواساة بالدعاء والاستغفار لهم, ومواساة بالتوجع لهم.
ودخلوا على بشر الحافي في يوم شديد البرد وقد تجرد وهو ينتفض, فقالوا: ما هذا يا أبا نصر؟ فقال: ذكرت الفقراء وبردهم وليس لي ما أواسيهم, فأحببت أن أواسيهم في بردهم.
النعم ثلاثة: نعمة حاصلة يعلم بها العبد, ونعمة منتظرة يرجوها, ونعمة هو فيها لا يشعر بها,
سئل سهل التستري: الرجل يأكل في اليوم أكلة؟ قال: أكل الصديقين, قيل له: فأكلتين؟ قال: أكل المؤمنين, قيل له ثلاث أكلات؟ فقال: قل لأهله يبنوا له معلفا.
قال الأسود بن سالم: ركعتين اصليه لله أحب الي من الجنة بما فيها. فقيل له: هذا خطأ, فقال: دعونا من كلامكم, الجنة رضى نفسي, والركعتان رضى ربي, ورضى ربي أحب الي من رضى نفسي.
العارف في الأرض ريحانة من رياحين الجنة, اذا شمها المريد اشتاقت نفسه الى الجنة.
قلب المحب موضوع بين جلال محبوبه وجماله, فاذا لاحظ جلاله هابه وعظّمه, واذ لاحظ جماله أحبه واشتاق اليه.
(1/17)
وقال عبد الله بن مسعود: ليس عند ربكم ليل ولا نهار, نور السموات والأرض من نور وجهه, فهو سبحانه نور السموات والأرض, ويوم القيامة اذا جاء لفصل القضاء تشرق الأرض بنوره.
قال ابن عباس: حجب الذات بالصفات, وحجب الصفات بالأفعال, فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال, وستر بنعوت العظمة والجلال.
قيل لي في نوم كاليقظة أو يقظة كالنوم.
لا تبد فاقة الى غيري فأضاعفها عليك مكافأة لخروجك عن حدك في عبوديتك.
ابتليتك بالقر لتصير ذهبا خالصا فلا تزيفن بعد السبك.
حكمت لك بالفقر ولنفسي الغنى, فان وصلتها بي وصلتك بالغنى, وان وصلتها بغيري حسمت عنك مواد معونتي طردا لك عن بابي.
قال الحسن: اذا شئت أن ترى بصيرا لا صبر له رأيته, واذا شئت أن ترى صابرا لا بصيرة له رأيته, فاذا رأيت صابرا بصيرا فذاك.
للعبد بين يدي الله موقفان: موقف بين يديه في الصلاة, وموقف بين يديه يوم لقائه. فمن قام بحق الموقف الأول هوّن عليه الموقف الآخر, ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفّه حقّه, شدّد عليه ذلك الموقف.
سأل رجل الشافعي فقال يا أبا عبد الله أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلي فقال الشافعي لا يمكن حتى يبتلي فإن الله ابتلي نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلما صبروا مكنهم فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة.
جمع / عبد اللطيف البلوشي
(1/18)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق