عـشـرة لا يُـنـتـفـع بـهـا
عشرة أشياء ضائعة لا يُنتفع بها: علم لا يُعمَل به، وعمل لا إخلاص فيه ولا اقتداء، ومال لا يُنفَق منه فلا يستمتع به جامعه في الدنيا ولا يقدمه أمامه إلى الآخرة، وقلب فارغ من محبة الله والشوق إليه والأنس به، وبدن مُعطَّل من طاعته وخدمته، ومحبة لا تتقيد برضاء المحبوب وامتثال أوامره، ووقت مُعطل عن استدراك فارط أو اغتنام بر و قربة، وفكر يجول فيما لا ينفع، وخدمة من لا تُقرّبك خدمته إلى الله ولا تعود عليك بصلاح دنياك، وخوفك ورجاؤك لمن ناصيته بيد الله وهو أسير في قبضته ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشوراً.
وأعظم هذه الإضاعات إضاعتان هما أصل كل إضاعة: إضاعة القلب وإضاعة الوقت، فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة، وإضاعة الوقت من طول الأمل، فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل، والصلاح كله في اتباع الهدى والاستعداد للقاء الله ، والله المستعان.
العجب ممن تَعرِضُ له حاجة فيصرف رغبته وهمته فيها إلى الله ليقضيها له ولا يتصدّى للسؤال لحياة قلبه من موت الجهل والإعراض وشفائه من داء الشهوات والشبهات ، ولكن إذا مات القلب لم يشعر بمعصيته.
شـرف الـنـفـس
قال شقيق بن إبراهيم: أُغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء:
اشتغالهم بالنعمة عن شكرها ، ورغبتهم في العلم وتركهم العمل، والمسارعة إلى الذنب وتأخير التوبة، والاغترار بصحبة الصالحين وترك الاقتداء بفعالهم، وإدبار الدنيا عنهم وهم يتبعونها، وإقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها.
قلت: و أصل ذلك عدم الرغبة والرهبة ، و أصله ضعف اليقين ، و أصله ضعف البصيرة ، و أصله مهانة النفس ودناءتها واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير. وإلا فلو كانت النفس شريفة كبيرة لم ترض بالدون. فأصل الخير كله بتوفيق الله ومشيئته وشرف النفس ونبلها وكبرها. «وقد خاب من دساها» (الشمس : 9 - 10)، أي أفلح من كبّرها وكثّرها ونمّاها بطاعة الله، وخاب من صغّرها وحقّرها بمعاصي الله.
فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار. فالنفس الشريفة العلية لا ترضى بالظلم ولا بالفواحش ولا بالسرقة والخيانة؛ لأنها أكبر من ذلك وأجلّ ، والنفس المهينة الحقيرة الخسيسة بالضد من ذلك. فكل نفس تميل إلى ما يناسبها و يشاكلها ، وهذا معنى قوله تعالى: «قل كل يعمل على شاكلته» (الإسراء : 84)، أي على ما يشاكله ويناسبه فهو يعمل على طريقته التي تناسب أخلاقه وطبيعته، وكل إنسان يجري على طريقته ومذهبه وعاداته التي ألِفها وجُبل عليها . فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النعم بالمعاصي والإعراض عن المنعم ،والمؤمن يعمل بما يشاكله من شكر المنعم ومحبته والثناء عليه والتودد إليه والحياء منه والمراقبة له وتعظيمه وإجلاله.
مـسـاوئ الـشـهـوات
الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة ، فإنها إما أن توجب ألما وعقوبة ، وإما أن تقطع لذة أكمل منها ، وإما أن تُضيّع وقتا إضاعته حسرة وندامة ، وإما أن تـثــلم عرضا توفيره أنفع للعبد من ثلمه ، وإما أن تُذهب مالا بقاؤه خير له من ذهابه ، وإما أن تضع قدرا وجاها قيامه خير من وضعه ، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة ، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقا لم يكن يجدها قبل ذلك ، وإما أن تجلب هما وغما وحزنا وخوفا لا يقارب لذة الشهوة ، وإما أن تُنسى علما ذكره ألذ من نيل الشهوة ، وإما أن تُشمت عدوا وتُحزن وليا ، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة ، وإما أن تُحدث عيبا يبقى صفة لا تزول ، فإن الأعمال تـورّث للصفات والأخلاق.
الإخـلاص وحـب الـثـنـاء لا يـجـتـمـعـان
لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت . فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولا فاذبحه بسكين اليأس ، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة ، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص.
فإن قلت: وما الذي يسهل علي ذبح الطمع ، والزهد في الثناء والمدح؟ قلت: أما ذبح الطمع فيُسهّله عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يُطمَع فيه إلا وبيد الله وحده , خزائنه لا يملكها غيره ولا يُؤتي العبد منها شيئا سواه . وأما الزهد في الثناء والمدح فيُسهّله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمّه ويشين إلا الله وحده، كما قال ذلك الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم : إن مدحي زين وذمّي شَيْن، فقال: ذلك الله عز وجل . فازهد في مدح من لا يزينك مدحه وفي ذمّ من لا يشينك ذمّه، وارغب في مدح من كل الزين في مدحه وكل الشين في ذمّه ، ولن يقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب . قال تعالى : «فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون» (الروم :60) ، وقال تعالى : «وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون» (السجدة : 24)
أنـواع الـنـعـم
النعم ثلاثة: نعمة حاصلة يعلم بها العبد، ونعمة مُنتظَرة يرجوها ، ونعمة هو فيها لا يشعر بها ، فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده عرَّفه نعمته الحاضرة وأعطاه مِن شكره قيدا يقيّدها به حتى لا تشرد،فإنها تشرد بالمعصية وتُقيّد بالشكر. و وفّقه لعمل يستجلب به النعمة المُنتظَرة وبصَّره بالطرق التي تسدّها وتقطع طريقها و وفّقه لاجتنابها. وإذا بها قد وافت إليه على أتمّ الوجوه، وعرّفه النعم التي هو فيها ولا يشعر بها.
عشرة أشياء ضائعة لا يُنتفع بها: علم لا يُعمَل به، وعمل لا إخلاص فيه ولا اقتداء، ومال لا يُنفَق منه فلا يستمتع به جامعه في الدنيا ولا يقدمه أمامه إلى الآخرة، وقلب فارغ من محبة الله والشوق إليه والأنس به، وبدن مُعطَّل من طاعته وخدمته، ومحبة لا تتقيد برضاء المحبوب وامتثال أوامره، ووقت مُعطل عن استدراك فارط أو اغتنام بر و قربة، وفكر يجول فيما لا ينفع، وخدمة من لا تُقرّبك خدمته إلى الله ولا تعود عليك بصلاح دنياك، وخوفك ورجاؤك لمن ناصيته بيد الله وهو أسير في قبضته ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشوراً.
وأعظم هذه الإضاعات إضاعتان هما أصل كل إضاعة: إضاعة القلب وإضاعة الوقت، فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة، وإضاعة الوقت من طول الأمل، فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل، والصلاح كله في اتباع الهدى والاستعداد للقاء الله ، والله المستعان.
العجب ممن تَعرِضُ له حاجة فيصرف رغبته وهمته فيها إلى الله ليقضيها له ولا يتصدّى للسؤال لحياة قلبه من موت الجهل والإعراض وشفائه من داء الشهوات والشبهات ، ولكن إذا مات القلب لم يشعر بمعصيته.
شـرف الـنـفـس
قال شقيق بن إبراهيم: أُغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء:
اشتغالهم بالنعمة عن شكرها ، ورغبتهم في العلم وتركهم العمل، والمسارعة إلى الذنب وتأخير التوبة، والاغترار بصحبة الصالحين وترك الاقتداء بفعالهم، وإدبار الدنيا عنهم وهم يتبعونها، وإقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها.
قلت: و أصل ذلك عدم الرغبة والرهبة ، و أصله ضعف اليقين ، و أصله ضعف البصيرة ، و أصله مهانة النفس ودناءتها واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير. وإلا فلو كانت النفس شريفة كبيرة لم ترض بالدون. فأصل الخير كله بتوفيق الله ومشيئته وشرف النفس ونبلها وكبرها. «وقد خاب من دساها» (الشمس : 9 - 10)، أي أفلح من كبّرها وكثّرها ونمّاها بطاعة الله، وخاب من صغّرها وحقّرها بمعاصي الله.
فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار. فالنفس الشريفة العلية لا ترضى بالظلم ولا بالفواحش ولا بالسرقة والخيانة؛ لأنها أكبر من ذلك وأجلّ ، والنفس المهينة الحقيرة الخسيسة بالضد من ذلك. فكل نفس تميل إلى ما يناسبها و يشاكلها ، وهذا معنى قوله تعالى: «قل كل يعمل على شاكلته» (الإسراء : 84)، أي على ما يشاكله ويناسبه فهو يعمل على طريقته التي تناسب أخلاقه وطبيعته، وكل إنسان يجري على طريقته ومذهبه وعاداته التي ألِفها وجُبل عليها . فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النعم بالمعاصي والإعراض عن المنعم ،والمؤمن يعمل بما يشاكله من شكر المنعم ومحبته والثناء عليه والتودد إليه والحياء منه والمراقبة له وتعظيمه وإجلاله.
مـسـاوئ الـشـهـوات
الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة ، فإنها إما أن توجب ألما وعقوبة ، وإما أن تقطع لذة أكمل منها ، وإما أن تُضيّع وقتا إضاعته حسرة وندامة ، وإما أن تـثــلم عرضا توفيره أنفع للعبد من ثلمه ، وإما أن تُذهب مالا بقاؤه خير له من ذهابه ، وإما أن تضع قدرا وجاها قيامه خير من وضعه ، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة ، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقا لم يكن يجدها قبل ذلك ، وإما أن تجلب هما وغما وحزنا وخوفا لا يقارب لذة الشهوة ، وإما أن تُنسى علما ذكره ألذ من نيل الشهوة ، وإما أن تُشمت عدوا وتُحزن وليا ، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة ، وإما أن تُحدث عيبا يبقى صفة لا تزول ، فإن الأعمال تـورّث للصفات والأخلاق.
الإخـلاص وحـب الـثـنـاء لا يـجـتـمـعـان
لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت . فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولا فاذبحه بسكين اليأس ، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة ، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص.
فإن قلت: وما الذي يسهل علي ذبح الطمع ، والزهد في الثناء والمدح؟ قلت: أما ذبح الطمع فيُسهّله عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يُطمَع فيه إلا وبيد الله وحده , خزائنه لا يملكها غيره ولا يُؤتي العبد منها شيئا سواه . وأما الزهد في الثناء والمدح فيُسهّله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمّه ويشين إلا الله وحده، كما قال ذلك الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم : إن مدحي زين وذمّي شَيْن، فقال: ذلك الله عز وجل . فازهد في مدح من لا يزينك مدحه وفي ذمّ من لا يشينك ذمّه، وارغب في مدح من كل الزين في مدحه وكل الشين في ذمّه ، ولن يقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب . قال تعالى : «فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون» (الروم :60) ، وقال تعالى : «وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون» (السجدة : 24)
أنـواع الـنـعـم
النعم ثلاثة: نعمة حاصلة يعلم بها العبد، ونعمة مُنتظَرة يرجوها ، ونعمة هو فيها لا يشعر بها ، فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده عرَّفه نعمته الحاضرة وأعطاه مِن شكره قيدا يقيّدها به حتى لا تشرد،فإنها تشرد بالمعصية وتُقيّد بالشكر. و وفّقه لعمل يستجلب به النعمة المُنتظَرة وبصَّره بالطرق التي تسدّها وتقطع طريقها و وفّقه لاجتنابها. وإذا بها قد وافت إليه على أتمّ الوجوه، وعرّفه النعم التي هو فيها ولا يشعر بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق