ly

Translate

عائشة زوج النبي

عائشة
الصديقة بنت الصديق


















عائشة
الصديقة بنت الصديق

                                يا أبى : أجب عنى رسول الله
                                يا أمى : أجيبى عنى رسول الله
                                --      : والله ما ندرى ما نقول

قالت : والله قد عرفت أنكم قد سمعتم  بهذا حتى استقر فى نفوسكم وصدقتم به !
ولئن قلت لكم إنى بريئة والله يعلم أنى بريئة .. لا تصدقونى !
وإن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنى منه بريئة .. تصدقونى !
والله لا أجد لى ولكم مثلاً .. إلا كما قال أبو يوسف :
" فصبر جميل والله المستعان على ماتصفون (عنها فى حديث الإفك..)

عن عروة عن أبيه :
ما رأيت أحداً ..  أعلم بالقرآن ولا بفريضة..
ولا بحلال.. ولا بحرام .. ولا بشعر..
ولا بحديث العرب .. ولا بنسب من عائشة !
عائشة
بنت أبى بكر الصديق
- الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين
- زوج النبى صلى الله عليه وسلم  وأشهر نسائه
- أمها : أم رومان أبنة عامر بن عويمر بن عبد شمس
- تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم  قبل الهجرة بثلاث سنين
وتوفيت خديجة رضى الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين       
- كان عمرها لما تزوجها الرسول سبع سنين       
- بنى بها وهى بنت تسع سنين بالمدينة
- كان جبريل قد عرض صورتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم  فى سرقة حرير (فى قطعة جيدة من الحرير) فى المنام بعد وفاة خديجة
- كناها الرسول بابن أختها : عبد الله بن الزبير
فكانت تسمى "أم عبد الله"
- بقيت مع الرسول تسع سنين حتى توفى ولم يتزوج بكراً غيرها
- توفيت ليلة الثلاثاء لسبع عشرة من رمضان سنة ثمان وخمسين عن ستة وستين عاماً وأوصت أن تدفن بالبقيع مع صواحباتها . وصلى عليها أبو هريرة وكان خليفة مروان بالمدينة
ـــــــــــ
بِكرٌ .. وثيب :
بعد وفاة خديجة رضى الله عنها قالت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مطعون : وكان ذلك بمكة
يارسول الله ألا تتزوج ؟ قال : من ؟
قالت : إن شئت بكرا وإن شئت ثَيِّباً ( التى سبق لها الزواج )
قال : " فمن البكر " ؟
قالت : ابنة أحب خلق الله إليك .. عائشة بنت أبى بكر
قال : " فمن الثيب " ؟
قالت : سودة بنت زمعة ، آمنت بك ، واتبعتك على ما أنت عليه
قال : " فاذهبى فاذكريها علىَّ "
فجاءت فدخلت بيت أبى بكر فوجدت أم رومان أم عائشة رضى الله عنها فقالت :
يا أم رومان ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة ؟!
أرسلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة
قالت أم رومان : وددت ، انتظرى أبا بكر فإنه آت
فجاء أبو بكر فقالت :
يا أبا بكر ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة ؟!
أرسلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة
فقال : هل تصلح له إنما هى بنت أخيه ،
فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فذكرت ذلك له فقال :
" أرجعى إليه فقولى له : أنت أخى فى الإسلام وأنا أخوك وابنتك تصلح لى "
فأتت أبابكر فقال : انتظرى .. وخرج ..
قالت أم رومان : إن مطعم بن عدى كان قد ذكرها على ابنه " جبير " ووعده ..
فوالله ما وعد وعداً قط فأخلفه لأبى بكر .
فدخل أبو بكر على مطعم بن عدى (وعنده امرأته أم ابنه جبير)
فكلمت أبا بكر بما أوجب ذهاب وعده لمطعم وتخلصه من هذا الوعد.
فقد قال أبو بكر لمطعم :
ما تقول فى أمر هذه الجارية (يعنى ابنته عائشة)
فأقبل مطعم على امرأته وقال لها :
ما تقولين يا هذه ؟
فأقبلت امرأة مطعم على أبى بكر وقالت له :
لعلنا إنْ زوجنا هذا الفتى من ابنتك تصبيه وتدخله فى دينك ؟ الذى أنت عليه
فأقبل أبو بكر على مطعم وقال له :
ماذا تقول أنت ؟
فقال مطعم : إنها لتقول ما تسمع
أى أن مطعم يرى رأى زوجته ويخشى إن أنكح ابنه من ابنة أبى بكر أن ينصرف أبنه عن عبادة الأوثان .. ويعبد الرحمن
فحمد الله أبو بكر وعاد إلى بيته وقال لخولة :
ادع لى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فدعته ، فزوجها إياه ..
وعائشة رضى الله عنها يومئذ بنت سبع سنين
ثم خرجت خولة لتستكمل مهمتها فى تزويج الرسول صلى الله عليه وسلم من الثيب .. سودة بنت زمعة
دخلت على سودة بنت زمعة فقالت :
ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة ؟
قالت سودة : وماذاك ؟
قالت خولة : أرسلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبك عليه
قالت : وددت ، أدخلى على أبى فاذكرى ذلك له ..
وكان شيخاً كبيراً قد أدركته السن قد تخلف عن الحج ..
فدخلت خولة عليه فحيته بتحية الجاهلية
فقال : من هذه ؟
فقالت : خولة ابنة حكيم
قال : فما شأنك ؟
قالت : أرسلنى محمد بن عبد الله أخطب عليه سودة
فقال : كفء كريم ، فماذا تقول صاحبتك ؟
قالت : تحب ذلك
قال : ادعيه لى ..
فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم  فزوجها إياه ، فجاء أخوها عبد بن زمعة من الحج .. وكأنما ساءه أن تتزوج أخته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فجعل يحثى التراب فى رأسه .. ولكنه بعد أن أسلم كان يقول :
" لعمرى إنى لسفيه يوم احثى فى رأسى التراب أن تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة أبنة زمعة "
ـــــــــــ
الهجرة إلى المدينة :
حدثت عائشة رضى الله عنها عن هجرتها هى وأهل بيت النبى صلى الله عليه وسلم  وأهل أبى بكر رضى الله عنهم فقالت :
لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم  خلَّفنا وخلف بناته فلما استقر بالمدينة كتب أبى إلى عبد الله بن أبى بكر أن يحمل أمى وام رومان وأنا وأختى وأسماء امرأة الزبير .
وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة وأم كلثوم وسودة بنت زمعة وحمل زيد أم أيمن وأسامة ..
وصادفنا طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه يريد الهجرة
فخرجنا جميعاً مهاجرين حتى إذا كنا بالبيداء ..
نفر بعيرى وأنا فى محفة معى فيها أمى ، فجعلت تقول :
" وا بنتاه ، وا عروساه " !
حتى أوقف بعيرنا .. وسلم الله .. فلم أسقط من فوق البعير النافر ..
ثم إنا قدمنا المدينة .. فنزلت مع آل أبى بكر
ونزل آل النبى صلى الله عليه وسلم مع النبى
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يبنى مسجده
وأبياتا حول المسجد فأنزل فيها أهله .
أعزهن إلا خديجة :
كانت عائشة رضى الله عنها أحب الزوجات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعد خديجة رضى الله عنها
أُريِها فى المنام مرتين ورجل يعرضها عليه فى إطار من حرير
ويقول له : هذه امرأتك
فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم 
" إن كان هذا من عند الله فليُمْضِه "
وعن كيفية زواجها تتحدث قائلة :
" تزوجنى النبى صلى الله عليه وسلم  وأنا بنت سبع سنين فقدمنا المدينة فنزلنا فى بنى الحارث بن الخزرج ، فوعكت (مرضت) فتمزق شعرى فوقى جميعه (أى سقط شعرها) فأتتنى أمى وإنى لفى أرجوحة ومعى صواحب لى فصرخت بى فأتيتها ما أدرى ما تريد منى ؟
فأخذت بيدى حتى أوقفتنى على باب الدار ، وإنى لأنهج حتى سكن بعض نفسى ثم أخذت شيئاً فمسحت به وجهى ورأسى ، ثم أدخلتنى الدار فإذا نسوة من الأنصار فى البيت فقلن :
على الخير والبركة ، وعلى خير طائر .
فأسلمتنى إليهن فأصلحن من شأنى فلم يرعنى إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم  ضحى فأسلمتنى إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين.
هذه الفتاة الصغيرة التى كانت تلعب مع لداتها ونظرائها فى السن .. يشددن حبلاً بين نخلتين ويتأرجحن عليه والتى جئ بها لاهثة متعبة لتتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم هى الفتاة التى قدر لها أن تكون حبيبة الرسول وأن يطلق عليها هذا الاسم .. وأن يكون لها فى الإسلام وبين المسلمين دور كبير .. فى العلم .. والفقه .. والافتاء ..
وحتى فى الحرب والقتال قدر لها أن تكون المشار إليها لقائده فى معركة الجمل التى حدثت أيام خلافة الإمام على كرم الله وجهه
سأل عمرو بن العاص رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال :
أى الناس أحب إليك يا رسول الله ؟
قال الرسول : عائشة         قال عمرو: ومن الرجال ؟
قال الرسول : أبوها        قال عمرو : ثم من ؟
قال الرسول : ثم عمر .
ـــــــــــ
وعن  أبى موسى الأشعرى قال :
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :
" كَمُلَ من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران ، وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام "
أخرجاه فى الصحيحين
جبريل يقرئها السلام :
وفى صحيح البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال :
" إن جبريل عليه السلام يقرأ عليك السلام "
قالت : وعليه السلام ورحمة الله ..
كما أنها رأت جبريل عليه السلام دون أن تدرى .. فى صورة دحية الكلبى الصحابى المعروف الذى كان يأتى جبريل فى صورته .
عن أبى سلمة قال : قالت عائشة :
رأيت النبى صلى الله عليه وسلم واضعاً يديه على معرفة فرس دحية الكلبى وهو يكلمه فقلت :
يا رسول الله رأيتك واضعاً يدك على معرفة فرس دحية الكلبى وأنت تكلمه
قال : أورأيته ؟ قلت : نعم
قال : ذاك جبريل وهو يقرئكِ السلام
قلت : وعليه السلام . جزاه الله من صاحب ودخيل() خيرا فنعم الصاحب ونعم الدخيل .
وعن القاسم عن عائشة قالت :
وثب رسول الله صلى الله عليه وسلم  وثبة شديدة فنظرت فإذا رجل معه واقف على "برذون" (دابة أقل قليلاً من الفرس خاصة بجبريل) ، وعليه عمامة بيضاء طرفها بين كتفيه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع يده على معرفة برذونه
فقلت : يا رسول الله لقد راعتنى وثبتك ، من هذا ؟
قال : أرأيته ؟ قلت : نعم
قال : ومن رأيت ؟ قلت : دحية بن خليفة الكلبى
قال : ذلك جبريل عليه السلام
ـــــــــــ
تصريح الرسول بحبها :
وكما كانت عائشة تغار من خديجة التى لم ترها ولم تجاورها فى حياة زوجية .. بل كانت تغار لمجرد ذكراها بعد وفاتها .. فلم يكن عجيبا من زوجات الرسول الأخريات أن يغرن من عائشة وهن يرينها .. بيتها بجوار بيوتهن ..
ففكرن فى أن يتقدمن بشكوى إلى رسول الله .. ولكن مع من ؟ .. مع فاطمة .. إنها أقرب واحدة إليه ..
فاستاذنت فاطمة عليه وهو مع عائشة فى مرضها فأذن لها ودخلت عليه فقالت :
يا رسول الله : أزواجك أرسلننى إليك ..
يسألنك العدلَ فى أبنة أبى قحافة
فقال النبى صلى الله عليه وسلم  : أى بنية .. ألست تحبين ما أحب ؟
قالت : بلى
قال : فأحبى هذه وأشار إلى عائشة
فقامت فاطمة عليها السلام فخرجت فجاءت أزواج النبى صلى الله عليه وسلم  فحدثتهن بما قالت وبما قال لها .. فقلن :
ما أغنيتِ عنا من شئ فارجعى فحدثيه عنا مرة أخرى ..
فقالت فاطمة عليها السلام : والله لا أكلمه فيها أبدا
ـــــــــــ
إنها ابنة أبى بكر : 
ولما لم تحقق سفارة فاطمة هدفها -أرسلن بعدها زينب بنت جحش فأستأذنت فأذن لها ، فدخلت فقالت :
يا رسول الله ، أرسلنى إليك أزواجك ..
يسألنك العدل فى بنت أبى قحافة
قالت عائشة : ووقعت فىَّ زينب
وظلت عائشة صامته ولكنها تنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تنتظر منه الإذن فى أن ترد على ما تقوله زينب ..
ولم تزل صامته حتى عرفت بذكائها أنه لا يكره لها أن ترد وأن تنتصر لنفسها
وتقول عائشة : فوقعتُ بزينب ولم أتركها إلا بعد أن افحمتها واعجزتها عن الرد
فتبسم  النبى صلى الله عليه وسلم  ثم قال :
" إنها ابنة أبى بكر " !
ـــــــــــ
وكانت عائشة تدل عليه بأنها الوحيدة البكر من بين جميع امهات المؤمنين بما فيهم خديجة رضى الله عنها قالت له بفطنتها وذكائها وبلاغتها فى التمثيل والتشبيه :
يا رسول الله . أرأيت إن نزلت واديا فيه شجرة قد أُكل منها ، ووجدت شجرة لم يؤكل منها !
فى أيهما كنت ترتع بعيرك ؟
قال الرسول صلى الله عليه وسلم  : قال : فى التى لم يؤكل منها
قالت : فأنا كذلك التى لم يؤكل منها قبلك ..
ـــــــــــ
المطالبة بالعدل فى الهدايا ..
ولأن حب الرسول صلى الله عليه وسلم  كان معروفاً للجميع ..
فكان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة ..
وجاء الدور على أم سلمة بنت أبى أمية " زاد الركب " زوج رسول الله وهى من اللائى كانت عائشة تعمل حساباً لهن فقد كانت من الجميلات الأبيات
اجتمع صواحب عائشة إلى بيت أم سلمة فقالوا :
يا أم سلمة : إن الناس يتحرون بهداياهم اليوم الذى يكون فيه الرسول عند عائشة .. وإنا نريد الخير كما تريد عائشة ..
فمرى رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان .. فذكرت أم سلمة هذا الرأى للنبى
قالت أم سلمة : فأعرض عنى .. فى المرة الأولى ..
وفى المرة الثانية .. فلما كان فى الثالثة ذكرت له ذلك
فقال : يا أم سلمة : لاتؤذينى فى عائشة
فإنه والله ما نزل على الوحى وأنا فى لحاف امرأة منكن غيرها
ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم  ذكر ما ذكر لأم سلمة
وهو حق لأنه لا ينطق عن الهوى  - ليسكتهن جميعاً ..
وليعرفهن بفضل عائشة عليهن جميعاً .. فهى الوحيدة التى ينزل عليه الوحى وهو فى بيتها .
أما عن مطالبتهن بالعدل بينهن وبين أبنة أبى قحافة على حد قولهن .. فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يراعى العدالة .. ولم يظلم منهن واحدة
فكان يوزع الهدايا التى ترسل إليه فى يوم عائشة عليهن جميعاً .. ولم يكن يؤثر أى واحدة منهن فيما يقدر عليه من طعام أو شراب او لباس أو مبيت .. اما الحب القلبى فلا يد له فيه .. ولذا كان يقول مخاطباً ربه عز وجل
" اللهم هذا قسمى فيما أملك ..
فلا تؤاخذنى فيما تملك ولا أملك " أى فى هذا الحب والميل القلبى
ـــــــــــ
كيف لا أغار 
وكانت عائشة رضى الله عنها لا تخفى غيرتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم  بل كانت ترى أن هذه الغيرة أمر طبيعى لا يستدعى الإنكار بل إنها لتفخر به بأسلوبها الذكى الرشيق
خرج من عندها الرسول صلى الله عليه وسلم  ليلاً فغارت فجاء فرأى ما تصنع مما يدل على غيرتها فقال لها :
" مالك يا عائشة أغرت ..؟ "
فقالت : وكيف لا يغار مثلى على مثلك
قال ضاحكاً : " لقد جاءك شيطانك "
قالت وهى تبادله مشاعره :
يا رسول الله .. أمعى شيطان ؟
قال  : نعم
قالت : ومعك أيضاً يا رسول الله ؟
قال : نعم ولكن أعاننى الله عليه حتى أسلم
ـــــــــــ
غيرتها من أم سلمة :
وأخرج ابن سعد (8/94) عن عائشة قالت :
لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم  أم سلمة رضى الله عنها حزنت حزناً شديداً لِما ذكروا لنا من جمالها
قالت : فتلطفت حتى رأيتها ..
فرأيتها -والله- أضعاف ما وصفت لى فى الحسن والجمال
قالت : فذكرت ذلك لحفصة -وكانتا يدا واحدة-
فقالت حفصة : لا والله .. إنْ هذه إلا الغيرة .. ما هى كما يقولون ..
فتلطفت لها حفصة حتى رأتها ..
فقالت : قد رأيتها ، ولا والله ما هى كما تقولين ولا قريب مما تقولين .. وإنها لجميلة
قالت عائشة : فرأيتها بعد ذلك ، فكانت لعمرى كما قالت حفصة ولكنى كنت غيرى!
ـــــــــــ
بعض المرح فى حياة الرسول :
رغم مشقة الحياة التى كان يعيشها رسول الله صلى الله عليه وسلم  فى نشر الدعوة.. وانشغاله بالطاعات والعبادات وتدبير أمور المسملين ..إلا أنه هو القائل :
" خيركم خيركم لأهله .. وأنا خيركم لأهلى "
ورسول الله هو الذى قال لحنظلة الكاتب الأسيدى
" يا حنظلة : ساعة وساعة
أى لاشئ فى الترويح عن النفس أو الأهل فيما لا يغضب الله تعالى.
فقد اخرج الحسن بن سفيان وأبو نعيم عن حنظلة الكاتب الأسيدى رضى الله عنه -وكان من كُتَّاب النبى صلى الله عليه وسلم  فقال :
كنا عند النبى صلى الله عليه وسلم  فذكرنا الجنة والنار حتى كانا رأى عين ، فقمت إلى أهلى وولدى فضحكت ولعبت ، فذكرت الذى كنا فيه ، فخرجت فلقيت أبا بكر رضى الله عنه فقلت :
نافقت يا أبا بكر !!
قال : وماذاك
قلت : نكون عند النبى صلى الله عليه وسلم  يُذَكِّرُنَا الجنة والنار
كأنا رأْى عين ، فإذا خرجنا من عنده عافسنا (لاعبنا) الأزواج والأولاد والضيعات (الأموال) فنسينا
فقال أبو بكر : إنا لنفعل ذلك
فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم  فذكرت له ذلك فقال :
" يا حنظلة ، لو كنتم عند أهليكم كما تكونون عندى لصافحتكم الملائكة على فرشكم .. وفى الطريق ..
ياحنظلة : ساعة وساعة "
هذا كان هدى الرسول صلى الله عليه وسلم  لصحابته
وهو نفس ما كان يفعله مع اهل بيته
أخرج أبو يعلى عن عائشة رضى الله عنها قالت :
أتيت النبى صلى الله عليه وسلم بحريرة قد طبختها له فقلت لسودة والنبى بينى وبينها :
كلى ، فأبت فقلت : لتأكليه أو لألطخن وجهك . فأبت ..
فوضعت يدى فى الحريرة فطليت بها وجهها !
فضحك النبى صلى الله عليه وسلم  ، فوضع بيده لها الحريرة وقال لها :
" ألطخى وجهها " !...  فلطخت وجهى ..
فضحك النبى صلى الله عليه وسلم  لها ..
 فمر عمر رضى الله عنه فقال :
يا عبد الله .. يا عبد الله
فظن النبى صلى الله عليه وسلم  انه سيدخل فقال : " قُومَا فاغسلا وجوهكما"
قالت عائشة : فمازلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه ..
وهكذا أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم  بهذا اللهو البرئ بين زوجتيه عائشة وسودة بنت زمعة .. بل وشاركهما فيه
ــــــــ
صورة أخرى من المرح تضاحكت فيها عائشة مع ضيفة لها تسمى "سودة اليمانية" وهى غير سودة بنت زمعة.
أخرج أبو يعلى عن رزينة رضى الله عنها (مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
جاءت سودة اليمانية تزور عائشة وعندها حفصة بنت عمر رضى الله عنها .
جاءت سودة فى هيئة وفى حالة حسنة عليها برد من دروع اليمن وخمار كذلك .
وقد زينت فوق عينها بشئ من صبر وزعفران .. كان النساء يتزين به فقالت حفصة لعائشة :
يا أم المؤمنين : يجئ رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهذه بيننا تبرق
فقالت عائشة : اتقى الله ياحفصة
قالت حفصة : لأفسدن عليها زينتها
قالت سودة : ما تقلن ؟ وكان فى أذنها ثقل
قالت لها حفصة : ياسودة خرج الأعور "تعنى المسيخ الدجال تخيفها به "
ففزعت سودة فزعاً شديداً وجعلت تنتفض وترتعد ..
وتقول : أين أختبئ ؟
قالت : عليك بالخيمة -وكانت لهم خيمة من سعف النخيل يختبئون فيها-
فذهبت سودة فاختبأت فيها ، وفيها القذر ونسيج العنكبوت ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهما تضحكان لاتستطيعان أن تتكلما من الضحك
فقال : " ماذا الضحك " ؟ ثلاث مرات
فأومأتا  بايديهما إلى الخيمة ، فذهب فإذا سودة ترتعد
فقال لها : ياسودة مالك ؟
قالت : يارسول الله .. خرج الأعور !
قال لها : ما خرج وليخرجن .. ما خرج وليخرجن
فأخرجها فجعل ينفض عنها الغبار ونسيج العنكبوت
وهكذا نرى أن صورة من صور المرح كانت تجرى فى بيوت الرؤساء .. ومع أمهات المؤمنين .
ولم يحظر الرسول عليهن أن يرفهن عن أنفسهن ببعض المداعبات البريئة .. كما نرى أن النساء عامة حتى على مستوى أمهات المؤمنين كن يغرن من كل الأشياء حتى من مجرد أن تتزين إحداهن بما لم تتزين به الأخرى !
ــــــــ
تحب أن ترى منزلتها ..
أخرج بن عدى وابن عساكر عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم  كان جالساً فسمع ضوضاء الناس والصبيان ، فإذا حبشية تزفن (ترقص) والناس حولها
فقال : " يا عائشة تعالى فانظرى "
فوضعت خدى على منكبيه
فجعلت أنظر ما بين المنكبين إلى رأسه
فجعل يقول : " ياعائشة ماشبعت ؟ "
فأقول : لا ، لأنظر منزلتى عنده ، فلقد رأيته يراوح بين قدميه ،
فطلع عمر فتفرق الناس والصبيان
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :
" رأيت شياطين الإنس والجن فروا من عمر "
وعند الشيخين عنها قالت :
والله لقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتى والحبشة يلعبون بالحراب فى المسجد
ورسول الله صلى الله عليه وسلم  يسترنى بردائه لأنظر إلى لعبهم بين أذنه وعاتقه
ثم يقوم من اجلى ..
حتى أكون أنا الذى أنصرف
فانظروا وقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو
ــــــــ
ما أهجر إلا اسمك :
يقف الكثيرون عند حب الرسول صلى الله عليه وسلم  لعائشة رضى الله عنها إما بحسن نية وإما بغير ذلك .. والله سبحانه اعلم بالنوايا ..
وحب الرسول لها شرف وكرامة من الله لها ولكل من يحظى بحبه
ولكنا إذا نظرنا إليها وهى الطرف الآخر فى هذا الحب نجد أنها كانت تتفانى فى هذا الحب ، وما غيرتها الشديدة عليه إلا إحدى المؤشرات .. فهى كالبوصلة التى يتجه مؤشرها دائماً إلى قلب الرسول صلى الله عليه وسلم  .. وقد أفاض الله عليها كثيراً من الصفات التى تجعلها أهلاً لهذا الحب العظيم ..
فهى -كما يقال- كانت تضرب بسهم وافر فى جميع ألوان العلم والمعرفة .. فى الفقه .. فى التفسير فى حفظ احاديث الرسول فى الإفتاء .. فى الشعر والأدب والتاريخ فى البصيرة النافذة التى تستطيع أن تقرأ ما يريد الرسول أن يقوله من قبل أن يقوله .. فى الذكاء .. فى بلاغة التعبير عما تريد وفى الباسه الثوب الجميل من الألفاظ الرقيقة العذبة ولنتأمل معا هذا الحوار :
أخرج الشيخان عن عائشة رضى الله عنها قالت :
قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم  :
" إنى لأعلم إذا كنت راضية عنى وإذا كنت علىَّ غضبى "
فقلت : من أين تعرف ذلك ؟
فقال : " إذا كنت عنى راضية فإنك تقولين : لا ورب محمد ..
وإذا كنت على غضبى قلتِ : لا ورب إبراهيم "
قالت : أجل
والله يارسول الله ما أهجر إلا اسمك "
أرأيت إلى هذا الأسلوب الرقيق الجميل .. وإلى هذا الحوار المتبادل بين رسول الله وبينها فى سمو ورفعة.
لقد كانت أصغر زوجاته سناً .. وهى الوحيدة التى لم تعاشر زوجاً غيره لا من قبل الزواج ولا من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم  لأن الله تعالى حرم على امهات المؤمنين جميعاً الزواج بغير النبى ..
بنى بها الرسول وهى فى التاسعة من عمرها وانتقل إلى الرفيق الأعلى وهى فى الثامنة عشرة من عمرها - جئ بها للزواج بينما كانت تلعب مع لداتها الأرجوحة - فإذا حسبنا مدة بقائها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بسنوات طفولتها معه نجد أنها كانت قصيرة .. وقد عاشت بعد الرسول حتى بلغت الخامسة والستين أى أنها عاشت بلا زوج بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم  .. ما يقرب من نصف قرن من الزمان
أليس من العدالة أن يكون ما تجده من حب الرسول صلى الله عليه وسلم  أثناء حياته معها ومع غيرها من امهات المؤمنين تعويضاً لها عن تلك السنوات الطويلة القادمة فى غيابه صلى الله عليه وسلم  !
أليس من حقها -نظرا لسنها - أن يلاطفها ويلاعبها وقد صارت اما للمؤمنين يمتنع عليها أن تنطلق فى مرح الطفولة مثل مثيلاتها من الصغار ..
إذن فلا غضاضة فى أن يتيح لها الرسول فرصة المرح البرئ ويدخل معها فى سباق من سباقات الجرى .
أخرج أبو داود عن عائشة أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  فى سفر قالت : سابقنى فسبقته على رجلى
فلما حملت اللحم (أى أثقلتها السمنة) سابقته فسبقنى..
قال الرسول : هذه بتلك السبقة الماضية
غيرتها :
كانت رضى الله عنها تغار .. وكان الرسول يقدر غيرتها لأنها دليل حب .. وكانت أكثر ما تغار من خديجة حتى إذا ما تجاوزت الضوء الأخضر المسموح به أسكتها..
أخرج البيهقى وابن النجار عن عائشة رضى الله عنها قالت :-
- جاءت عجوز إلى النبى صلى الله عليه وسلم  فقال لها :-
" من أنت ؟ " .   قالت : جثامة المزنية
قال : - " بل أنت حسانة المزنية .
كيف أنتم ؟ كيف حالكم ؟ كيف كنتم بعدنا ؟
قالت : بخير - بأبى أنت وأمى يارسول الله :-
فلما خرجت .. قالت عائشة : -
يا رسول الله تُقْبِلُ هذه العجوز هذا الإقبال ؟
فقال : يا عائشة .. إنها كانت تأتينا زمان خديجة .. وإن حسن العهد من الإيمان "
رياح الغيرة العاصفة :
ذكرنا أن الغيرة دليل الحب .. ذلك إذا كانت فى ساحة المباح .
أما إذا تجاوزت نطاقه المباح وتعدته إلى الإضرار بمن يحب .. تكون قد دخلت فى المنطقة الخطرة التى تُعَرِضَ صاحبها إلى ما لا يحمد عقباه وقد ارتفعت حرارة الغيرة لدى السيدة عائشة أم المؤمنين باتفاقها مع أم المؤمنين حفصة بنت عمر إلى درجة كادت تؤدى إلى طلاق جميع أمهات المؤمنين وتخييرهن فى البقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الإنفصال عنه .
ــــــــ
أخرج البخارى عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان يمكث عند زينب بنت جحش رضى الله عنها ويشرب عندها عسلاً ، فَتَوَاطأتُ أنا وحفصة ن أيا منا دخل عليها النبى صلى الله عليه وسلم  فلتقل له :-
إنى أجد منك ريح مغافير (وهو شئ ينضحه شجر العرفط حلو ولكنه كريه الرائحة كالثوم أو البصل)
هل أكلت مغافير ..؟  فدخل النبى على إحداهما فقالت ذلك :
فقال : " لا بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له "
فنزلت :
" وإذا أسَرَ النبى إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض ..
فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأنى العليم الخبير ..
إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ..
عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً "
ـــــــــــ
وقد روى سبب آخر لنزول هذه الآيات غير قصة العسل الذى حرمه على نفسه بسبب  توطؤ عائشة مع حفظة رضى .
سبب يتعلقن بأم إبراهيم القبطية التى ذُكِرَ أن الرسول أصابها فى بيت حفصة وفى يومها فعضبت حفصة وقالت : يا نبى الله لقد جئت شيئاً ما جئت به إلى أحد من أزواجك فى يوم وفى دورى وعلى فراش.
قال : " ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها "
قالت : بلى .
فحرمها وقال لها : " لا تذكرى ذلك لأحد "
فذكرته عائشة فأظهره الله عليه فأنزل الله تعالى :
" يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك "
الآيات كلها .
فكفَّر النبى صلى الله عليه وسلم عن يمينه ..
ـــــــــــ
ويرى البخارى أنها كانت فى قصة العسل .. غيرة من زينب رضى الله عنها أن الرسول قال حين ما قالت إحداهن .. هل أكلت مغافير ؟
إنى أجد منك ريح مغافير..
قال الرسول : لا ولكنى كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت لا تخبرى بذلك أحداً "
قال : ابن عباس :
لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن المرأتين من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى :-
" إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبمكا 
حتى حج عمر وحججت معه ، فلما كنا  ببعض الطريق .
قلت يا أمير المؤمنين : -
:- من المرأتان من أزواج النبى اللتان قال الله تعالى فيهما :
" إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما "
فقال عمر : وا عجباً لك يا ابن عباس .. وكأنه كره السؤال ولكنه لم يكتمه عنه :-
قال عمر : هما حفصة وعائشة ثم أخذ يسوق الحديث .
قال عمر : كنا معشر قريش قوماً نغلب النساء ،
فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهمن نساؤهم ،
فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم .
وكان منزلى فى بنى أمية بن زيد بالعوالى ، فتَغَضَّبْتُ يوماً على امرأتى فإذا هى تراجعنى فقالت :
ما تنكر أن أراجعك فو الله إن أزواج النبى صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل
قال عمر : فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت :-
أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم  ؟
قالت : نعم
قلت : وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل .. ؟
قالت : نعم
قلت : قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر !
أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله ؟
فإذا هى قد هلكت !
لا تراجعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئاً ، وسلينى ما بدا لك ، ولا يغرنك أن كانت جارتك هى أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  منك - يريد عائشة
قال عمر : وكان لى جار من الأنصار ، وكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  ينزل وأنزل يوماً ، فيأتنى بخبر الوحى وغيره ، وآتيه بمثل ذلك .
قال : وكنا نتحدث أن غسان ؟ تتهيأ للحرب لتغزوننا  فنزل صاحبى يوما ثم أتانى عشاء فضرب بابى ثم نادانى فخرجت له
فقال: حدث أمر عظيم !
فقلت : وماذا ؟ أجاءت غسان ؟ تتهيأ للحرب لتغزونا .
قال : لا ، بل أعظم من ذلك وأطول !
طلق الرسول نساءه
قلت : قد خابت حفصة وخسرت ! قد كنت أظن هذا كائناً ،
حتى إذا صليت الصبح شددت علىَّ ثيابى ثم نزلت فدخلت على حفصة وهى تبكى ..
فقلت : أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم  ؟
قالت :  لا أدرى هو هذا معتزل فى هذه المشربة (الغرفة) فأتيت غلاماً له أسود فقلت : استأذن لعمر ، فدخل الغلام ثم خرج إلىَّ فقال : -
قد ذكرتك له فصمت ،
فانطلقت حتى أتيت المنبر فإذا عنده رهط جلوس يبكى بعضهم ، فجلست قليلاً ثم غلبنى ما أجد فأتيت الغلام فقلت : -
استأذن لعمر .
فدخل الغلام فقلت : اسأذن لعمر .
فدخل الغلام ثم خرج إلىَّ فقال : قد ذكرتك له فصمت
فخرجت فجلست إلى المنبر ثم غلبنى ما أجد ،
فأتيت الغلام فقلت : استأذن لعمر !
فدخل ثم خرج إلىَّ فقال : - قد ذكرتك له فصمت ،
فوليت مدبراً فإذا الغلام يدعونى فقال: ادخل فقد أذن لك .
فدخلت فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم 
فإذا هو متكئ على رمل حصير قد أثر فى جنبه ،
فقلت : أطلقت يا رسول الله نساءك ؟
فرفع رأسه إلىَّ وقال : - " لا " 
فقلت : الله أكبر !
لو رأيتنا يا رسول الله ، وكنا معشر قريش قوماً نغلب النساء .
فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ، فتغضبت علىّ امرأتى يوما فإذا هى تراجعنى ،
فأنكرت أن تراجعنى فقالت :
ما تنكر أن أراجعك فو الله إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل ، فقلت :-
- قد خاب من فعل ذلك منهم وخسر ،
أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله ؟.
فإذا هى قد هلكت ،
فتبسم رسول اله صلى الله عليه وسلم 
فقلت : يا رسول الله فدخلت على حفصة فقلت :
لا يغرك أن كانت جارتك هى أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  منك .
فتبسم مرة أخرى ..
فقلت : أستأنس يا رسول الله ؟ أى أتأذن لى بالجلوس
قال : " نعم "
فجلست فرفعت رأسى فى البيت
فوالله ما رأيت فيه شيئاً يرد البصر إلاَّ ثلاثة جلود ..
فقلت : أدع يا رسول الله أن يوسع على أمتك ، فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالساً ثم قلا : 0
" أفى شكٍّ أنت يا ابن الخطاب
أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم فى الحياة الدنيا "
فقلت : - استغفر لى يا رسول الله
وكان أقسم ألا يدخل عليهم شهراً من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله عز وجل .
قلت : يا رسول الله . ما يشق عليك من أمر النساء ..
فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكال وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك .
وقلما تكلمت - وأحمد الله - بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولى ،
فنزلت هذه الآية الكريمة .. آية التخيير
" عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خير منكن
" وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل
            وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير "     التحريم 4،5
فقلت : أطقلتهن يا رسول الله ؟
قال : " لا "
فقمن على باب المسجد فناديت بأعلى صوتى :
لم يطلق نساءه ونزلت هذه الآية :
" وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعو به "
" ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم
                لعلمه الذين يستنبطونه منهم"             النساء 84
فكنت أنا استنبطت هذا الأمر
كذا فى التفسير لابن كثير .
وأخرج الحديث أيضاً عبد الرزاق وابن سعد وابن حيان والبيهقى وابن جرير وابن المنذر وغيرهم كما فى الكنز (1/269)
ـــــــــ
تخيير الزوجات :
أقبل أبو بكر رضى الله عنه يستأذن على رسول الله والناس ببابه جلوس ، والنبى جالس فلم يؤذن له .
ثم أقبل عمر رضى الله عنه فاستأذن فلم يؤذن له ..
ثم أذن لأبى بكر وعمر فدخلا والنبى صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو صلى الله عليه وسلم ساكت ..
فقال عمر :
لأكلمن النبى صلى الله عليه وسلم لعله يضحك
وعمر يتحرى إدخال السرور على النبى ليخرجه من هذا الجو الحزين  والناس يجلسون خارج البيت ينتظرونه إنكشاف هذه الغمة مما يدل على مدى حبهم جميعاً وتعلقهم بالرسول صلى الله عليه وسلم  .
فقال عمر : يا رسول الله ..
لو رأيت ابنة زيد ..إمرأة عمر ..
سألتنى النفقة آنفاً فدققت عنقها ..
فضحك النبى صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال :-
" هن حولى يسلننى النفقة "
فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها ، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان:
أتسألان النبى صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده ؟
فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم 
 فقلن : والله لا نسأل رسول الله بعد هذا المجلس ما ليس عنده ..
وأنزل لله عز وجل الخيار .. 
فبدأ الرسول بعائشة فقال :
" إنى اذكر لك أمراً ما أحب أن تعجلى فيه حتى تستأمرى أبويك "
قالت : - وما هو ؟
فتلا عليها :-
" يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً "
الأحزاب 28،29
قالت عائشة :
أفيك استأمر أبوىَّ ؟ بل اختار الله تعالى ورسوله ، وأسألك ألا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت .
فقال صلى الله عليه وسلم  :
" إن الله تعالى لم يبعثنى معنفاً ، ولكن بعثنى معلماً ميسراً لا تسألنى امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها "
ثم خير نساءه كلهن ، فقلن مثل ما قالت عائشة
أخرجه البخارى ومسلم
وانتهت هذه المحنة .. اختزن الرسول ولم يعتبرها عليهن شيئاً أى لم يعتبرها طلاقا ومراجعة ..
وقال عروة : -
ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة ولو لم يكن لعائشة من الفضائل إلا قصة الإفك لكفى بها فضلاً وعلو مجد ، فإنها نزل فيها من القرآن ما يتلى إلى يوم القيامة ..
فما هى قصة الإفك ؟
والإفك معناه الكذب والإفتراء وقلب الحقائق وهذا ما حدث لأم المؤمنين الطاهرة المطهرة بنت الصديق وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم  فى الدنيا والآخرة .
كما أخبره جبريل عليه السلام حينما جاء بصورتها للنبى صلى الله عليه وسلم.
كان رسول الله إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه .
قالت عائشة :
فأقرع بيننا فى غزاة () غزاها فخرج فيها سهمى ، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب.
فأنا أُحملَ فى هودجى وأنزل فيه مدة سيرنا . حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل راجعا ودنونا من المدينة أُذِنَ ليلة بالرحيل فقمت حين آذنونا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأنى أقبلت إلى الرحل فلمست صدرى فإذا عقد من جزع () ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدى فحبسنى ابتغاؤه (البحث عنه)
وأقيل الرهط (الرجال) الذين كانوا يرحلون بهودجى فحملوا هودجى فرحلوه على بعيرى الذى كنت أركب وهم يحسبون أنى فيه.
قالت : وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن باللحم ، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه فرفعوه.
وكنت جارية حديثة السن. فساروا بجمل لست فيه ، ووجدت عقدى بعد ما استمر الجيش فجئت مكان نزول الجيش وليس به أحد.. لا داع ولامجيب فتيممت منزلى الذى كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدونى  فيرجعون إلىَّ .
فبينما أنا جالسة فى منزلى غلبتنى عينى فنمت .. وجاء صفوان بن المعطل وكان قد تأخر عن الجيش فرأى سواد إنسان نائم فأتى فعرفنى حين رآنى وقد كان يرانى قبل أن يضرب الحجاب فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون
فاستيقظت وخمرت وجهى بجلبابى .. والله ما كلمنى كلمة ولا سمعت منه كلمة غير قوله:  إنا لله وإنا إليه راجعون ..
فأناخ راحلته فركبتها فانطلق يقود بى الراحلة حتى أتينا الجيش بعد أن نزلوا موغرين فى نحر الظهيرة .. فهلك من هلك فى شأنى
وكان الذى تولى كبره عبد الله بن أُبىُ بن سلول ..
الناس تتحدث وهى لا تدرى :
قالت : قدمت المدينة فاشتكيت ومرضت شهرا
والناس يفيضون فى قول أهل إلافك ولا أشعر بشئ من ذلك
افتقادها ملاطفة الرسول:
قالت : كان يريبنى فى مرضى أنى لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم  اللطف الذى كنت أرى منه حين أشتكى
كيف تيكم !
كان يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم  ثم يقول :
كيف تيكم ؟!
كلمة لم أتعودها منه فكان ذلك يحيرنى ولا أشعر بالشر
تعس مسطح!
فلما نقهت وبرئت من مرضى خرجت وخرجت معى أم مسطح لقضاء حاجتنا ، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف (المرحيض) قريباً من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول فى التنزه .
وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ..
فانطلقت أنا وأم مسطح - وهى بنت أبى رهم بن المطلب بن عبد مناف - وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبى بكر الصديق رضى الله عنها - وأبنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ..
وبعد أن قضينا حاجتنا وفى طريق عودتنا عثرت أم مسطح
فقالت : تعس مسطح !
قلت لها : بئس ما قلت ، تسبين رجلا قد شهد بدرا ؟
قالت : أو لم تسمعى ما قال ؟
قلت : وما ذاك ؟
فأخبرتنى بقول أهل الإفك . فازددت مرضا إلى مرضى
فلما رجعت إلى بيتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم  فسلم ثم قال :
كيف تيكم ؟ قلت : أتأذن لى أن آتى أبوى ؟
وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما
فأذن لى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فجئت أبوى
فقلت لأمى : يا أمتاه عن ماذا يتحدث الناس ؟
فقالت : أى بنية هونى عليك ،
فوالله لقلما كانت امرأة قط حظية عند زوجها ، ولها ضرائر إلا أكثرن عليها القول.
قلت : أى سبحان الله .. أوقد تحدث الناس بهذا ؟
فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا ترقأ لى دمعة ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكى
ــــــــــــــ
استشارة على وأسامة :
دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم  على بن أبى طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحى (تأخر) يستشيرها فى فراق أهله فاما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالذى يعلم من براءة أهله ، وبالذى يعلم فى نفسه لهم من الود .
فقال : يارسول الله هم أهلك ولا أعلم إلا خيرا
وأما على بن أبى طالب رضى الله عنه فقال :
لن يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم  الجارية بريرة
فقال : أى بريرة ، هل رأيت من شئ يريبك من عائشة ؟
قالت له بريرة : لا والذى بعثك بالحق نبيا
ما رأيت عليها أمرا قط أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فيأتى الداجن فيأكله ..
الرسول يشكو من ابن أبى :
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم  فاستعذر من عبد الله بن أُبىُ بن سلول فقال وهو على المنبر :
يا معشر المسلمين . من يعذرنى من رجل قد بلغنى أذاه فى أهل بيتى ؟
فوالله ما علمت على أهلى إلا خيرا.
ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيرا .. يقصد صفوان بن المعطل
وما كان يدخل على أهلى إلا معى
فقام سعد بن معاذ الأنصارى فقال :
أنا أعذرك منه يا رسول الله ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا فقبلنا أمرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد بن معاذ :
لعمرك لا تقتله ولاتقدر على قتله
فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ :
فقال : كذبت ، والله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين
فثار الحيان : الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا و رسول الله صلى الله عليه وسلم  قائم على المنبر .
فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم  يخفضهم حتى سكتوا وسكت
قالت عائشة -رضى الله عنها- : وبكيت يومى ذلك لاترقأ لى دمعة ولا أكتحل بنوم، وأبواى يظنان أن البكاء فالق كبدى
ثم بكيت ليلتى المقبلة لا ترفأ لى دمعة ولا أكتحل بنوم فبينما والداى جالسان عندى وأنا أبكى استأذنت علىَّ امرأة من الأنصار ، فأذنت لها فجلست تبكى معى
ــــــــــــــ
المواجهة الرحيمة :
قالت عائشة : فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس عندى -ولم يجلس عندى منذ قيل فىَّ ما قيل - وقد لبث شهرا لا يوحى إليه فى شأنى شئ.
قالت : فتَشَّهَدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال :
أما بعد يا عائشة -فإنه قد بلغنى عنك كذا وكذا
فإن كنت بريئة فسيبرئك الله عز وجل ..
وإن كنت هممت أو لممت بذنب فاستغفرى الله عز وجل وتوبى إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه
قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم  مقالته قلص دمعى حتى ما أحس منه قطرة .
فقلت لأبى : أجب عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم 
فقال : والله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فقلت لأمى : أجيبى عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم 
فقالت : والله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم  ؟
قالت عائشة : وانا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن .. قلت :
بلى إنى والله قد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر فى أنفسكم وصدقتم به
ولئن قلت لكم إنى بريئة -والله عز وجل يعلم أنى بريئة- لاتصدقونى
وإن اعترفت لكم بأمرٍ والله يعلم أنى منه بريئة تصدقونى وإنى والله لا أجد لكم ولى مثلا إلا كما قال أبو يوسف :
" فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون "
قالت : ثم تحولت فاضجعت على فراشى.
ــــــــــــــ
وسام البراءة :
أرأيت وقد ضاقت السبل على عائشة ..
رسول الله يكتفى بالقول :
ما علمت على أهلى إلا خيرا ..
ولكنه لا يستطيع أن يصدر القرارالحاسم الجازم إلا بوحى من الله تعالى .. فإن قلبه الرحيم يتسع للصفح وطلب المغفرة من الله تعالى إن كانت همت بذنب أو ألمت به
الأب ليس لديه ما يجيب به على نداء ابنته ..
الأم كذلك ليس لديها ما تجيب به ..
لقد أُسْتُنفِذت جميع الطرق ولم يبق أمام الصديقة بنت الصديق إلا طريق واحد ..
هو " أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء "
لقد استمسكت فى محنتها القاسية بالصبر الجميل ولجأت إلى الله وحده المستعان ..
واستجاب الله تعالى لنداءها بأكثر مما كانت تتوقع !
قالت : " وأنا والله حينئذ أعلم أنى بريئة ..
وأن الله عز وجل مبرئى ببراءتى ..
ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل فى شأنى وحى يتلى ..
ولَشأْنى كان أحقر فى نفسى من أن يتكلم الله عز وجل فىَّ بأمر يتلى ..
ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فى النوم رؤيا يبرئنى الله عز وجل بها
قالت : فوالله مارام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه
ولا خرج من أهل البيت أحد ..
حتى أنزل الله على نبيه ، فأخذه ما كان يأخذه من البُرَحاءِ عند الوحى ، حتى إنه كان ليتحدر منه مثل الجُمانِ من العرق فى اليوم الشاتى من ثقل القول الذى أُنزل عليه ، فسُجِىَ بثوبه ووُضِعت له وسادة من آدم تحت رأسه ..( جلد تحت رأسه)
فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت ..
فوالله ما فزعت ولا باليت .. قد عرفت أنى بريئة ، وأن الله عز وجل غير ظالمى
وأما أبواى فوالذى نفسى عائشة بيده ، ما سُرِىَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  حتى ظننت لتخرجن أنفسهما فرقاً من أن يأتى من الله تحقيق ما قال الناس ..
والله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم مادخل على آل أبى بكر فى تلك الأيام
ثم سُرِىَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  فجلس فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول وهو يضحك :
" أبشرى يا عائشة .. أما إن الله تعالى قد برأك "
فقالت لى أمى : قومى إليه ..
فقلت : والله لا أقوم إليه .. ولا أحمد إلا الله تعالى .. وهو الذى أنزل براءتى
قال تعالى :
" إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم
لاتحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم
لكل أمرئ منهم ما اكتسب من الأثم
والذى تولى كبره منهم له عذاب عظيم "
قال أبو بكر رضى الله عنه وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذى قال لعائشة
فأنزل الله تعالى :
" ولا يأْتَلِ أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى .. إلى قوله : ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم "
فقال أبو بكر : بلى والله إنى لأحب أن يغفر الله لى فَرَجَعَ إلى مسطح النفقة التى كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها منه أبداً .
وهذا جانب من جوانب الخير الذى أشارت إليه الآية ..
وكأن الله تعالى كرم عائشة بوسام البراءة .. هذا الوسام القرآنى الذى يُتْعَبدُ به إلى يوم القيامة ..كما كرم أبا بكر باثبات براءة ابنته وبما ذكره من صفات العفو عن المسئ فى أعز شئ لدى الإنسان وهو عرضه ..
كما كشفت هذه الآيات عن سمو خلق عائشة رضى الله عنها وأنها قابلت بالتقدير وعرفان الجميل كل من وقف إلى جانبها وقال فى حقها كلمة طيبة .
قالت عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش زوج النبى صلى الله عليه وسلم عن أمرى فقال :
" يا زينب ماذا علمت أو رأيت ؟ "
فقالت : يارسول الله أحمى سمعى وبصرى "والله ماعلمت إلا خيرا "
قالت عائشة : وهى التى كانت تسامينى من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم  فعصمها الله تعالى بالورع .
وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلك.
ــــــــــــــ
تفاخرت عائشة وزينب رضى الله عنهما ..
فقالت زينب : أنا التى نزل تزويجى من السماء
وقالت عائشة : أنا الذى نزل عذرى فى كتاب الله حين حملنى صفوان بن المعطل على الراحلة
فقالت لها زينب : يا عائشة : ماذا قلت حين ركبتيها ؟
قالت عائشة : قلت حسبى الله ونعم الوكيل
قالت زينب : لقد قلت كلمة المؤمنين
ورغم أن حسان بن ثابت الشاعر شارك فى إذاعة حديث الإفك إلا أن عائشة كانت ترجو له العفو عند الله تعالى اكتفاء بما أصابه فى الدنيا لأنه كان ينافح بشعره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 
فعن عائشة أنها قالت :
ماسمعت بشعر أحسن من شعر حسان ولاتمثلتُ به إلا رجوت له الجنة .. قوله لأبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب
        هجوتَ محمدا فأجبتُ عنه
                        وعند الله فى ذاك الجزاءُ
        فإن أبى ووالده وعرضـى
                        لعرض محمد منكم وقـاءُ
        أتشتمه ولست له بكـفء
                        فشركما لخيركما الفـداءُ
        لسانى صارم لاعيب فيه
                        وبحرى لاتكـدره الدلاءُ
أنها مُحِبةَ للرسول .. ومُحِبةَ لمن يدافع عنه .. وذواقة للشعر الجميل
قيل لها : يا أم المؤمنين أليس هذا لغوا ؟
قالت : لا إنما اللغو ما قيل عند النساء
قيل : أليس الله يقول :
" لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذى تولى كبره منهم له عذاب عظيم "
قالت : أليس قد ذهب بصره وضرب بالسيف ؟
تعنى الضربة التى ضربه إياها صفوان ابن المعطل السلمى حين بلغه عنه أنه يتكلم فى ذلك فعلاه بالسيف وكاد يقتله
ومن الدروس المستفادة فى حديث الإفك ما جاء به من تأديب المؤمنين بحسن الظن بأنفسهم كما قال تعالى :
" لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين "
أى الكلام الذى رميت به أم المؤمنين رضى الله عنها وقاسوا ذلك الكلام على أنفسهم فإن كان لا يليق بهم فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه بطريق الأولىَ والأحرى
كما فعل أبو أيوب خالد بن زيد النصارى قالت له امرأته
أم أيوب : يا أبا ايوب ..
أما تسمع مايقول الناس فى عائشة رضى الله عنها ؟
قال أبو ايوب : بلى . وذلك الكذب ..
أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب ؟
قالت : لا والله
قال : فعائشة والله خير منك
وبهذا الميزان الصادق استطاع أبو أيوب أن يكتشف براءة أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها
" ولولا فضل الله عليكم ورحمته فى الدنيا والآخرة
لمسكم  فيما أفضتم فيه عذاب عظيم
إذ تلقون بالسنتكم وتقولون بأفواهكم
ما ليس لكم به علم
وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم "
يقرر الله أنه يقبل التوبة ممن عنده إيمان كمسطح وحسان وحمنة بنت جحش .. أما من خاض فى هذا الحديث الكاذب من المنافقين كعبد الله بن أُبىُ ابن سلول وأضرابه فليس أولئك مرادين فى هذه الآية لأنه ليس عندهم من الإيمان والعمل الصالح ما يعادل هذا أو ما يعارضه
ويحذر الله تعالى من الاستهانة بالخوض فى مثل هذه الأحاديث فقد جاء فى الصحيحين :
" إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله
لا يدرى ما تبلغ يهوى بها فى النار
أبعد مما بين السماء والأرض "
وفى رواية .. " لا يلقى لها بالاً "
وتنفيذاً لحكم القرآن أُمِرَ بمسطح بن اثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش فضرب كل منهم ثمانين جلدة ..
وعادت عائشة ظافرة عزيزة مكرمة إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  .
ــــــــــــــ
الأيام الأخيرة :
ومضت الأيام بجوار الزوج الحبيب سراعا .. وبدا شاطئ الحياة الأخرى يلوح أمام عينى خير خلق الله وخاتم الأنبياء والمرسلين.
وكان أول ما بدأ يشكو منه عقب عودته من زيارة مقابر البقيع ، فقد خرج إليها ليلاً وليس معه من احد سوى مولاه أبى مويهبة ، قال له وهو فى الطريق إلى هناك :
" إنى أمرت أن استغفر لأهل هذا البقيع فانطلق معى "
فلما وقف بين المقابر قال :
" السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما اصبح الناس فيه ..
أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آَخِرُهَا أولها والآخرة شر من الأولى "
ثم التفت إلى أبى مويهبة فقال :
" يا أبا مويهبة .. إنى قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا
والخلد فيها ثم الجنة ، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة "
قال أبو مويهبة :
بأبى أنت وأمى . فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة .
لكن الرسول عليه السلام قال :
" لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربى والجنة "
لقد اختار جوار ربه حيث لا ظلم ولا حقد ولا مؤامرات ولا استبطاء وحى .. فتكون الصلة مباشرة بينه وبين الله تعالى ..
وتسلل إليه المرض الذى مات فيه غداة تلك الزيارة
كان الرسول عليه السلام يعلم أنه على وشك الرحيل عن هذه الحياة إلى الحياة الأخرى وهو صادق فيما أخبر به بأنه خُيِّر فاختار .
فلسنا فى حاجة إلى أن نقنع أحدا بأنه كان يدرك قرب هذه النهاية بما أثبته العلم فى عصرنا الحاضر بأن الاحساس بدنو الأجل لا يتعارض معه ..
فقد فتح الله لرسوله كثيراً من منافذ الغيب وتحققت كما أخبر عنها .. فى مسائل أعقد من هذه وأعجب وأصعب .
ــــــــــــــ
آخر مداعبة للرسول :
مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعائشة غداة زيارة المقابر بالبقيع فوجدها تضع يدها على رأسها شاكية تقول :
وا رأساه ..
وبدا كما لو كانا يتشاطران الألم ويتطارحان بينهما 
فقال الرسول :
" بل أنا والله يا عائشة وا رأساه "
وجاوبته مرة أخرى وكررت قولها :
وارأساه ..
فقال يداعبها :
" وما ضرك لو مت قبلى فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك .. ودفنتك " !
ورغم ما فى هذا العرض من دعابة إلا أن أى مسلم يود لو نال مثل هذا الشرف والكرامة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا انها قابلت هذا العرض بدوافع الغيرة الشديدة من الأخريات فقالت على الفور :
" ليكن ذلك حظ غيرى ..  والله لكأنى بك لو قد فعلت ذلك
لقد رجعت إلى بيتى فأعرست فيه ببعض نسائك ! "
وضحك الرسول لهذه اللفتة التى تنبئ عن شدة غيرتها حتى بعد الممات .. !
والغيرة فى المرأة هى الغيرة حتى لو كانت أما للمؤمنين
وحين زاد عليه المرض كان يسأل :
" أين أنا غدا ؟ .. أين أنا غدا ؟"
فعرف أنه يتعجل يوم عائشة فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء ، فكان فى بيت عائشة حتى مات عندها "
وكان لعائشة رضى الله عنها رأى :
إن أى أحد يقوم مقام الرسول لن يكون محبوبا من الناس .. بل سينظر الناس له على أنه شؤم .. لذا حاولت أن تُبِعدَ اباها عن موقع يكون محلا لكراهية الناس أو تشاؤمهم .
جاء بلال يؤذن الرسول بالصلاة وقد ثقل فقال :
" مروا أبا بكر فليصل بالناس "
قالت عائشة :
يا رسول الله إن أبا بكر رجل اسيف ، وإنه متى ما يقم مقامك لا يُسمعُ الناس .. فلو أمرت عمر ؟
فقال صلى الله عليه وسلم  : " مروا أبا بكر فليصل بالناس إنكن صواحب يوسف "
قالت عائشة :
لقد راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  فى ذلك ، وما حملنى على كثرة مراجعته إلا انه لم يقع فى قلبى أن يحب الناس بعده رجلاً قام مقامه أبداً ، ولا كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن أبى بكر "
ولكن يبدو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان مصرا على ألا يقوم مقامه أحد غير أبى بكر .. أول من آمن به وصدقه فى كل المواقف بلا تردد .. ورفيقه فى الغار.
وفى يوم الوفاة .. يوم الأثنين الموافق 8 يونيو سنة632م الموافق 12 ربيع الأول سنة 11 هجرياً .. واختلف على أنه هل كان يوم الاثنين ليلتين مضتا من شهر ربيع الأول سنة 11 هجرياً أم كان يوم الاثنين الموافق 12 ربيع الأول سنة 11 هجرياً فالاتفاق كان على أنه يوم الإثنين من شهر ربيع الأول سنة 11 هجرياً .
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصباً رأسه إلى صلاة الصبح وأبو بكر يصلى بالناس ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرج الناس فعرف أبو بكر أن الناس لم يصنعوا ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنكص على مصلاه ، فدفع رسول الله فى ظهره ، وقال صلى بالناس وجلس إلى جنبه فصلى قاعداً عن يمين أبى بكر ، فلما فرغ من الصلاة أقبل على الناس فكلمهم رافعاً صوته ، حتى خرج صوته من باب المسجد ، يقول :
أيها الناس ، سُعِرتُ النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وإنى والله ما تتمسكون علىَّ بشئ إنى لم أحل إلا ما أحل القرآن ولم أحرم إلا ما حرم القرآن
فلما فرغ الرسول من كلامه ..
قال له أبو بكر :
يابنى الله إنى أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما تحب .. واليوم يوم بنت خارجة ، أفآتيها ؟ قال : نعم
ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح
ــــــــــــــ
وعن عائشة قالت عن هذا اليوم :
رجع إلىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  فى ذلك اليوم حين دخل من المسجد فاضطجع فى حجرى ، فدخل علىَّ رجل من آل أبى بكر ، وفى يده سواك أخضر. قالت :
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم  إليه فى يده نظراً عرفت أنه يريده فقلت :
يا رسول الله ، أتحب أن اعطيك هذا السواك ؟
قال : نعم ، قالت : فأخذته فمضغته له حتى ألنته ثم اعطيته أياه فاستن به كأشد ما رأيته يستن بسواك قط ثم وضعه ووجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يثقل فى حجرى فذهبت أنظر فى وجهه ، فإذا بصره قد شخص وهو يقول : بل الرفيق الأعلى من الجنة : قلت :
خيرت فاخترت والذى بعثك بالحق ، ومات بين سَحَرِى ونحرى لم أظلم فيه أحد ،
فمن سفهى وحداثة سنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو فى حجرى ثم وضعت رأسه على وسادة ، وقمت ألتدم (أضرب صدرى) مع النساء وأضرب وجهى .
ــــــــــــــ
معركة الفتنة الكبرى :
لم يختلف أحد على عائشة طوال حياتها مع الرسول صلى الله عليه وسلم  .. ولا على حبها للرسول وحب الرسول لها ولا على فصاحتها وبلاغتها وعلمها وفقهها والرجوع إليها فى كثير من المسائل ومعرفتها بالشعر والأدب وأنها ربما روت القصيدة ستين بيتاً ، والمائة بيت.
حتى جاءت الفتنة فى خلافة عثمان قبل مقتله ثم استعرت بعد تسلق الجدارن عليه وقتله مظلوماً دون أن يدافع عن نفسه أو يطلب من أحد الدفاع عنه بل لقد رفض وناشد من حوله ألا يريقوا دما بسببه ..
كان أن خرجت وقادت معركة الجمل ..
ولا يتسع المجال هنا للإفاضة والبحث فى هذا العمل غير المسبوق من أمهات المؤمنين ..
إن مشاركة المرأة المسلمة فى حرب تدور بين مسلمين ومشركين أمر لاغبار عليه بل لقد دافعت بعض النساء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وقعة أحد دفاعاً لم يصبر عليه كثير من الرجال .
أما أن تقاتل احدى أمهات المؤمنين فى مثل الظروف التى كانت تحيط بوقعة الجمل فهو امر شديد الوقع على النفوس .. ولكنه وُجِدَ على أرض الواقع ولا سبيل إلى التفاضى أو التغافل عنه. وإن كانت قد خرجت لهدف الصلح بين الفئتين ولكن الأمور تطورت لم حدث .
ونرى أن من أصدق النظرات نظرة عمار بن ياسر كان يقاتل مع على بن أبى طالب وكانت عائشة رضى الله عنها فى الفريق الاخر .. لم يمنعه تضاد المواقف من أن يعرف لعائشة حقها . فقد سمع رجلاً ينال منها فقال له :
" أسكت مقبوحا منبوحا .. فإنى أشهد أنها زوجة رسول الله فى الجنة "
ــــــــــــــ
ندمها على ما كان ..
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت :
" وددت أنى إذا مت كنت نسياً منسيا " !
وعنها أنها قالت حين حضرتها الوفاة :
" يا ليتنى لم أخلق يا ليتنى كنت شجرة أسبح وأقضى ما علىَّ "
وحدث عيسى بن دينار قال :
سألت أبا جعفر عن عائشة فقال :
" استغفر الله لها ، أما علمت ما كانت تقول ؟ "
" يا ليتنى كنت شجرة ، يا ليتنى كنت حجراً ، ياليتنى كنت مدرة ؟ "
قلت : وما ذاك منها ؟
قال  : توبة.
وأستأذن عليها ابن عباس فأكب عليها ابن أخيها فقال :
هذا ابن عباس يستأذن عليك . وهى تموت ، فقالت : دعينى من ابن عباس فإنه لا حاجة لى به ولا بتركيته .
فقال : يا أمتاه إن ابن عباس من صالحى بنيك يسلم عليك ويودعك .
قالت : فأذن له إن شئت . فأدخلته فلما أن سلم وجلس قال :
أبشرى . قالت بما ؟
قال : مابينك وبين أن تلقى محمدا والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد .
كنتِ أحب نساء رسول الله إلى رسول الله ، ولم يكن رسول الله يحب إلا طيباً . وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فأصبح رسول الله ليطلبها حين يصبح فى المنزل ، فأصبح الناس ليس معهم ماء فأنزل الله أن :
" تيمموا صعيداً طيبا "
فكانه ذلك من سببك ...
وما أذن الله لهذه الأمة من الرخصة ..
وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات جاء بها الزوج الأمين ..
فأصبح ليس مسجد مساجد الله يذكر فيه إلا وهى تتلى فيه آناء الليل والنهار .
فقالت : " دعنى منك يا ابن عباس فوالذى نفسى بيده لوددت أنى كنت نسياً منسيا "
ــــــــــــــ
بعض مناقبها :
أما عن مناقبها وفضائلها فهى كثيرة ومتنوعة
فمن سخائها وجودها وزهدها ..
ما جاء عن عطاء قال :
 بعث معاوية إلى عائشة بطوق من ذهب فيه جوهر قيمته مائة ألف فقسمته بين أزواج النبى صلى الله عليه وسلم 
وعن أم ذرة وكانت تغشى (تزور) عائشة قالت :
بعث إليها ابن الزبير بمال فى غِرارتين قالت : أراه ثمانين ومائة ألف فدعت بطبق وهى يومئذ صائمة فجلست تقسمه بين الناس .. فأمست وما عندها من ذلك درهم . فلما أمست قالت : يا جارية هلمى فطرى فجاءتها بخبز وزيت .
فقالت لها أم ذرة : أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشترى لنا بدرهم لحماً نفطر عليه ؟ فقالت لها :
لا تُعَنفينى ، لو كنت ذكرتنى لفعلت .
وعن عروة قال :
لقد رأيت عائشة تقسم سبعين ألفا وهى ترقع درعها .

الخوف من الله ..
عن مالك بن الطفيل أن عائشة رضى الله عنها حدثت أن عبد الله ابن الزبير قال فى بيع أو عطاء أعطيته عائشة :
والله لتنتهين أو لأحجرن عليها . فقالت : أهو قال هذا ؟
قالوا : نعم . قالت : هو لله علىَّ نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا
فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة فقالت :
والله لا أشفع فيه أبداً ولا أتحنث إلى نذرى أبداً
فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة وعبد الله ابن الأسود بن عبد يغوث وهما من بنى زهرة بن كلاب.
وقال لهما : أنشدكما الله إلا ما أدخلتمانى على عائشة فإنها لا يحيل لها أن تنذر قطيعتى ..
فأقبل به المسور بن مخرمة وعبد الرحمن مشتملين بأرديتهما حتى السلام عليك ورحمة الله وبركاته. أندخل ؟
قالت عائشة : أدخلوا
قالوا كُلُنا ؟             قالت : نعم كلكم
ولا تعلم ان معهما ابن الزبير
فلما دخلوا دخل ابن الزبير فاعتنق عائشة وطفق يقبل رأسها ويبكى وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلا ما كلمته وقبلت منه ، ويقولان لها  :
إن النبى صلى الله عليه وسلم  نهى عما قد علمت من الهجرة ، فإنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام أو ليال .
فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما وتبكى وتقول لهما إنى نذرت والنذر شديد ..
فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير واعتنقت فى نذرها أربعين رقبة وكانت تذكر نذرها بعد ذلك وتبكى حتى تبل بدموعها خمارها (البخارى منفرد)
اجتهادها فى العبادة :
عن عروة عن أبيه أن عائشة -رضى الله عنها- كانت تسرد الصوم ..
وعن القاسم أن عائشة كانت تصوم الدهر ولا تفطر إلا يوم اضحى أو يوم فطر.
وعنه قال : كنت إذا غدوت أبدأ ببيت عائشة أسلم عليها فغدوت يوماً فإذا هى قائمة تسبح وتقرأ:
" فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم "
وتدعو وتبكى وترددها . فقمت حتى مللت القيام ، فذهبت إلى السوق لحاجتى ، ثم رجعت فإذا هى قائمة كما هى ، تصلى وتبكى .
ــــــــــــــ
من مواعظها :
كتبت إلى معاوية : أما بعد فإن العبد إذا عمل بمعصية الله عز وجل عاد حامده من الناس ذاما.
ــــــــــــــ
ومن أقوالها :
إنكم لن تلقوا الله بشئ خير لكم من قلة الذنوب ، فمن سره أن يسبق الدائب المجتهد فليكف نفسه عن كثرة الذنوب.
ــــــــــــــ
ما قيل عن غزارة علمها :
-عن أبى موسى الأشعرى قال :
" ما أشكل علينا نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة عنه إلا وجدنا عندها منه علما "
-وعن مسروق قال :
نحلف بالله لقد رأينا الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون عائشة عن الفرائض.
-وعن عروة عن أبيه قال :
ما رأيت أحداً من الناس أعلم بالقرآن ، ولا بفريضة ولا بحلال ولا بحرام ، ولا بشعر ، ولا بحديث العرب ولا بنسب من عائشة رضى الله عنها
-وعن هشام بن عروة قال :
كان عروة يقول لعائشة :
يا أمتا لا أعجب من فقهك ، أقول زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم  وبنت أبى بكر ، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام العرب
أقول : ابنة أبى بكر ، وكان أعلم الناس أو من أعلم الناس لكن أعجب من علمك بالطب .
فضربت عائشة على منكبيه وقالت :
أى عروة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان يسقم عند آخر عمر أو فى آخر عمره ، فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه فتنعت له الأنعات فكنت أعالجها فمن ثم .
-وعن سفيان بن عينية قال : قال الزهرى :
لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبى صلى الله عليه وسلم  وجميع النساء كان علم عائشة رضى الله عنها أكثر .
ــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخر الزوار

Flag Counter